الأصولية وتدمير الإنسانية !!
الهدى 1208 أبريل 2019
الحادث الإرهابي الغاشم الذي استهدف الاعتداء على مسجدين أثناء صلاة الجمعة في مدينة كرايست تشيرش بجنوب نيوزيلندا والذي سقط على إثره 49 شهيدًا وأصيب آخرون بجروح خطيرة هو عمل إرهابي دنيء وخسيس يتنافى مع أبسط القواعد الإنسانية .
برينتون تيرانت، منفذ مجزرة المسجدين، هو مواطن أسترالي (28 عامًا) يتبنى سياسة معاداة المهاجرين، وهو ناشط في أعمال «إزالة الكباب»، وهو مصطلح يعني «منع الإسلام من غزو أوروبا».
كتب تيرانت عن نفسه، في بيان مطول من 74 صفحة نشره على الإنترنت، «أنا رجل أبيض لأبوين بريطانيين من الطبقة العاملة، وأنتمي لأسرة منخفضة الدخل، لكنني قررت أن اتخذ موقفا لضمان مستقبل الشعب الأوربي، وأرجع القاتل في بيانه الذي جاء بعنوان «البديل العظيم» أسباب ارتكابه للمجزرة، إلى «التزايد الكبير لعدد المهاجرين» الذين اعتبرهم «محتلين وغزاة»، وذكر تيرانت عن سبب اختياره نيوزيلندا مكانًا لجريمته، أنه أراد من ذلك «توجيه رسالة للغزاة أنهم ليسوا بمأمن حتى في أبعد بقاع الأرض»، وقال «لا أشعر بالندم .. وأتمنى فقط أن أستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة»، كما زعم أنه «ليس هناك من بريء بين المستهدفين، لأن كل من يغزو أرض الغير يتحمل تبعات فعلته».وقال: «أرضنا لن تكون يوما للمهاجرين.. وهذا الوطن الذي كان للرجال البيض سيظل كذلك ولن يستطيعوا يوما استبدال شعبنا»، وأضاف أن «ارتكاب المذبحة جاء للانتقام لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب الغزاة في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ»، وأكد أنه لا ينتمي لأي حركة سياسية، وأنه نفذ الهجوم بدوافع شخصية، فهو «يمثل ملايين الأوروبيين الذين يتطلعون للعيش على أرضهم وممارسة تقاليدهم الخاصة».
وظهرت صورة البندقية التي استخدمت في الهجوم على المسجدين وقد غطتها حروف بيضاء اللون لعبارات عنصرية هاجم فيها الدولة العثمانية والأتراك، إضافة إلى أسماء أشخاص آخرين ارتكبوا أعمال قتل على أساس عرقي أو ديني وإشارات سلفية وأرمينية وعبارة تسخر من كتيب أعدته الأمم المتحدة لكيفية التعامل مع المهاجرين، كما كتب على سلاحه: «اللاجئون، أهلا بكم إلى الجحيم».
وفي الفترة الماضية هاجم مسلحو فولاني، التابعة لجماعة بوكو حرام، عدة بلدات بنيجيريا حيث قاموا بتدمير 143 منزلا لمسيحييي نيجيريا، وقتل 52 شخصا وإصابة آخرين، وفي فبراير الماضي قام المتطرفون بالهجوم على بلدة مارو وقتلوا 38 مسيحي، وقاموا بتدمير البيوت والكنائس، وفي الأسبوع الأول من شهر مارس، قتل المتطرفون أكثر من 30 مسيحيًا في بلدة كارامار، وأضرموا النار في عدد من المنازل وكنيسة، وفي عدد من الدول المختلفة بين الحين والآخر يقوم إرهابيون بالاعتداء على كنائس وعلى مسيحيين وعلى مؤسسات الدول، وهذا الإرهاب يؤكد أن هناك أصوليات دينية وهناك أصوليات عرقية وعنصرية كما أن هناك أصوليات قومية.
والأصوليات الدينية والعرقية و القومية هي جميعها مدمرة للإنسانية، وإن كانت الأولى هي أشدها جهلا وغباء وتعصبًا وقتلا.
وعند التأمل؛ نجد أن لغة التكفير القومي والتكفير العرقي لم تكن تختلف عن لغة التكفير الديني؛ إلا في المفردات الاصطلاحية وفي المجمل فجميعها مصطلحات إقصائية مثل: خائن، كافر ، وهرطوقي …الخ)،.
هذه الأصوليات على تنوعها تتوهم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، وكذلك هي تتبنى أفعل التفضيل فترى نفسها الأسمى والأعرق والأعلى والأصوب، و… و …، ومن المؤكد أن هذه الأصوليات تعمل على تدمير الحضارة الإنسانية، فهل نأمل في أن يتبنى عقلاء كوكبنا خارطة طريق تخرجنا من نفق الأصولية المظلم؟!!