قيامة المسيح هزيمة الموت ومنحة الحياة الأبدية
الهدى 1242- 1243 أبريل ومايو 2022
قضى العالم أصعب عامين جملة وتفصيلًا، يرزح تحت الخوف من الإصابة بكورونا، ومن الموت الناتج عنه. وتذوَّق غالبية الناس مرارة التوقُّع وعلقم الحزن لمن فارقوا الحياة – بسبب الإصابة بكورونا – من الأقرباء والأصدقاء والجيران والزُّملاء. فكان ومازال شبح كورونا يمثُل أمام أعين كثيرين، كغمامة تحمل الموت، كسيَّاف ينهي الحياة. فالموت في الثقافة الإنسانيَّة وفي معظم الوقت في المفاهيم الدينية السائدة هو نهاية الطريق وختام كُلّ شيء، وأن القبر آخر محطَّة يصل إليها الفرد.
عبَّر عن ذلك الفيلسوف «برتراند راسل» قائلًا: «أعتقد أنه عندما أموت سأتعفن، ولن يبقى شيء من وجودي». أما عن «كارل ساجان Carl Sagan» الروائي الأميركي الجنسية، وأحد البارزين والمساهمين في تبسيط علوم الفلك والفيزياء الفلكية (Astrophysics)، فقد صاغ معتقده عن الحياة بصورة واضحة في مقالة «في وادي الظِّلّ»قائلاً: «الحياة ليست سوى لمحة سريعة، لذا، أودّ أن أصدِّق أنه عندما أموت سأعيش مرة أخرى، وأن بعض التفكير والشعور وتذكر جزء مني سيستمر. ولكن بقدر ما أريد أن أصدّق ذلك، وعلى الرغم من التقاليد الثقافية القديمة والعالمية التي تؤكد الحياة الآخرة، فأنا لا أعرف شيئًا يشير إلى أنها أكثر من مجرد تمني. العالم رائع للغاية مع كثير من الحبّ والعمق الأخلاقي، وأنَّه لا يوجد سبب لخداع أنفسنا بقصص جميلة لا دليل قوي على وجودها. من الأفضل بالنسبة لي، في حالة ضعفنا، أن ننظر إلى الموت في العين، وأن نشعر بالامتنان كل يوم للفرصة الوجيزة الرائعة التي توفرها الحياة».
لقد غاب عن كلٍّ من «راسل وساجان»، وعن كثيرين، أن الإنسان خُلق على صورة الله، وقد خلق الله الإنسان خالدًا لا للموت. إلاَّ أن أبوينا الأوَّلين – آدم وحواء – اختارا، بإرادة حرَّة، طريق حياة بعيدًا عن الحضرة الإلهيَّة. لأن باختيارهما هذا انحرفت طبيعتهما الداخلية، وتشوَّهت الصورة الأصلية التي خُلقا عليها، وبالتالي فقدا الحماية والتدبير الإلهيَيْن لهما، فانفتح الباب للموت فحوى الإنسان.
أصبح الموت والتشوه الذي حدث للصورة الأصليَّة (الفساد) عنصرين يتحكَّمان في الطبيعة البشرية. فانفصل الإنسان من علاقته الوثيقة بالله، من طرف واحد وهو الإنسان. وبات الإنسان يلهث وراء إثبات وجوده والبحث عن ذاته في دائرة تيهه وبُعده عن الأصل الذي خرجت منه صورة الإنسان كمخلوق. من هنا تربَّع الخوف في قلب وفكر الإنسان، ووجد له مكانَ إقامةٍ مُستديم بسبب الموت.
وهكذا أصبحت العقبة الحقيقية أمام الإنسان هي الموت الناتج عن قرار حرٍّ واختيار شخصي بعيدًا عن شركة الله. وأصبحت الحاجة ليس إصلاح ما أفسده أبوَيْنا باتخاذهما قرارًا خاطئًا، بل إلى من يجابه الموت ويهزمه، وإلى من يحمل طبيعة الإنسان ويجددها، لا أن يجَمِّلها أو يعدل ما شوَّهته الخطية، بل ليعيد الصورة إلى ما كانت عليه إذْ خُلقت على الخلود لا الفناء.
هزيمة الموت
الحياة هي استمرار بقاء الإنسان في النموّ والحركة، ويرى العلماء أنَّ الحياة هي مجموع الوظائف التي تقاوم الموت. أمَّا الموت في اللغة فيُعْرَّف بأنه ضدّ الحياة، أي توقُّف الكائن الحيّ عن النموّ والحركة. فالموت هو الفصل بين الحضور والغياب، بين الوجود والعدم. إلاَّ أن مفهوم الموت لا يقتصر على ذلك، بل يشمل ما لا يعود، ويشمل الزمن الضائع والفقد بكل أنواعه.
من هنا أصبح الموت هو الشبح المخيف الذي يتحدَّى البشرية. ووقف أمامه الإنسان حائرًا يائسًا يتسائل: «ما الفائدة من حياة نهايتها الموت والفناء؟». وصف بعض الكتَّاب الخوف من الموت بأنه الخوف الميتافيزيقي الأكثر ضغطًا على وعي الكائن البشري وتفكيره. عبَّر عن ذلك بوضوح الكاتب السويسري، «جان زيجلير Jean Ziegler» أحد علماء الاجتماع قائلًا: «كأيِّ إنسان حي، أبقى مسكونًا برعب الموت وبدواره المتكرر».
وسجَّل الكاتب الفرنسي «فرانسو شاتوبريان»، زعيم المدرسة الرومانسية في الأدب الفرنسي، في مقالة «مذكرات ما وراء القبر» قوله: «يعاني الإنسان من ألم واقعي واحد، هو الخوف من الموت. حرِّروه من هذا الخوف، تجعلون منه إنسانًا حرًّا».
واعتبر «لوك فيري» الفيلسوف الفرنسي، أن فلسفته تقوم على مبدأ الخلاص، أي فلسفة البحث عن الخلاص دون اللجوء إلى أيَّة قوى خارجية. إنها تساعد على قهر المخاوف التي تشل الحياة، فلا أحد في نظره يستطيع أن يحل محلها. إنها تُعَلِّم الحياة وتُعَلِّم عدم الخوف من مختلف أوجه الموت. وارتكزت فلسفته على ثلاثة محاور: النظرية «كيف نرى العالم ونفسِّره»، وعلم الأخلاق «ما الذي سنتفق عليه فيما بيننا كجماعة إنسانية»، وقبلهما وبعدهما الخلاص «كيف نُجابه كبشر معرفتنا بزوالنا وشبح الموت والفناء الذي نعيه منذ أن نعي الوجود». تمثل المحاور الثلاثة عند «فيري» ما يجعل الإنسان فاهمًا لذاته والآخرين. وبالتالي يمكنه أن يتخطى مخاوفه ببصيرة نافذة وليس بإيمان أعمى. وأن الخلاص يأتي بواسطة الذات ومن دون حاجة لله. بل ذهب «فيري» أبعد من هذا مؤكِّدًا: «بفضل تقارب سلسلة من الثورات العلمية، يجهلها الجمهور العريض إلى الآن، سَيُهزَمَ الموت، إن لم يكن بحلول نهاية القرن الحالي، فبالتأكيد خلال القرن المقبل».
رغم التطور العلمي غير المسبوق في التاريخ، واستمرار التطور العلمي بشكل مطرد، يتوقع العلماء أن يصل عمر الفرد إلى 150 سنة، ويتوقع آخرون أن سيصل إلى 250 عامًا. ورغم كل هذه التوقعات وحركة التطور العلمي في إمكانية زيادة عمر الإنسان، فإنه سيساهم في كلفة التقدم في السن، وما يواكبه من أمراض مزمنة كمرض القلب والشرايين والسرطان والسكري والخلل النفسي العصبي، وفيروس كورونا حديثًا…إلخ
هنا يأتي السؤال: «هل غيَّر العلم مخاوف الموت؟ هل استطاع أن يهزم الموت ويريح البشر من الذعر الذي يحدثه؟». الحقيقة الثابتة هي أنه مازال الذعر من الموت قائمًا. فالموت في ذاته قوة سلبية تسلب الحياة، يرافقها حضور سلبي. الموت الحقيقي ليس هو الموت الجسدي، فالجسد مخلوق من التراب ومهما طال عمر الإنسان فلابد أن يرجع إلى التراب. لكن الموت الحقيقي المخيف هو الانفصال عن الخلود. عندما استقل الإنسان بعيدًا عن الله فقد الخلود (الحياة الأبدية).
السؤال الثاني: «إذًا، من الذي يقدر أن يهزم الموت؟ من له سلطان عليه ليضع نهاية لصولجانه ورعبه؟». لم يقدر العلم، مع تقديرنا للعلم والعلماء، ولم يستطع الإنسان بمجهوداته أن يوقف نزيف الفوبيا (الرهاب). إلا أن الله في عظمته وسيادته واهتمامه بالبشر، رغم إرادة أبوينا التي أفسدت العلاقة وقطعت من جهتهما الصلة مع الله، يظل هو الله المبادر بالحب ليهزم الموت لصالح الإنسان. تجسد الحب ليكون بشرًا، لا ليصلح ما أفسدته الخطية وما يحدثه الموت للبشر. بل تجسد الحب بشرًا ليجتاز الموت، وبموته يكسر الموت ويهزمه بقيامته. كان التزام حبٍ أن يأتي الله في المسيح كواحد من البشر ويموت، وبموته أمات الموت، وبقيامته قام البشر من الموت.»لِأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ، فَٱلْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلْأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لَا لِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لِأَجْلِهِمْ وَقَامَ». (2كورنثوس 5: 14 و 15).
بتجسد المسيح اتَّحد مع البشر، وبموته بجسد البشرية اتَّحد البشر معه في الموت. يقدم الرسول هذه الفكرة ببراعة ودقة متناهيتين في (رومية 6: 4–7) «فَدُفِنَّا مَعَهُ بِٱلْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ ٱلْمَسِيحُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ ٱلْآبِ، هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ ٱلْحَيَاةِ؟ لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا ٱلْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْ لَا نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ».
الكلمة اليونانية التي تترجم إلى دُفنَّا هي (συνετάφημεν) تأتي في مقطعين: (συν) ومعناها «مع»، و (ετάφημεν) أي «مقبرة»، وبالتالي تترجم «إننا قُبرنا معه في المعمودية». أما لفظ المعمودية في سياق الحديث عن موتنا مع المسيح يشرحه الأب متى المسكين قائلاً: «إن لفظ المعمودية هنا يعني الاشتراك الكامل معه في الموت». وفي اتحاد سري مع المسيح مات كل ذي جسد على الصليب ودُفن معه وقام من الموت معه كما قام هو. الجميع اجتازوا الموت معه بالفعل، لقد اجتاز ومعه البشرية والموت الذي هزمه، فغلبوا هم بموته الموت وقاموا منتصرين. لقد جعل من القبر بقيامته مصدر قيامة، وحياة جديدة، داس الموت وسحقه ووهبنا الغلبة عليه. أبطل سلطان الموت، فأصبح الوجود حيًّا فاعلًا بلا خوف ولا تساؤل عن الموت الجسدي، ففيه الحياة لا الموت، وهو الحياة الذي ينير القلب والفكر فندرك أن ارتباط مصيرنا بمصيره (القيامة) يجعل قيامتنا بداية لحياة جديدة.
الحياة الأبدية هبة القيامة
قيامة المسيح حدث تاريخي، وفِعْلٌ جديد دخل الخبرة الإنسانية، لها شهود عيان، ويبرهَن عليها بقوة القبر الفارغ، حيث لم يستطع أحد أن ينكرها أو يشوِّه حقيقة حدوثها. قبل القيامة سكنت الأبدية الزمان، استحدثت الأبدية وجودًا بين البشر، عاش بين الناس في جسم بشري، شاركهم ضعفاتهم وآلامهم وأوجاعهم وهمومهم وأمراضهم وذلهم وظلمهم وأيضًا موتهم. سبق القيامة الصليب والدفن (القبر). فبالقيامة أدخل الأبدية (المسيح المقام) البشرية إلى دائرة الله!
الموت، كما سبقت الإشارة، هو توقف الحياة عن النمو والحركة عن الكائن الحي، أما القيامة فقد جعلت للبشرية وجودًا يسمو ويتطلع للخلود. لقد حرَّرتنا القيامة من براثن الخوف وأغلاله. من هنا نؤكد للمفكر (فرنسوا) أن القيامة استطاعت أن تخلص الإنسان من معاناة ألم الخوف فحررته منه وأصبح إنسانًا جديدًا حرًاّ بوعي روحي.
يصيغ «الأب متى المسكين» بكلمات قوية معنى القيامة: «هي حقّ إلهي وقع في صميم كيان الإنسان ليغيره ويجدده. هي فعل حي متحرِّك يحيي الماضي ويربطه بالحاضر ويدفعه إلى المستقبل البعيد. إنها غلبة الزمن وقهر الماضي، وإرغامه على دخول النور ومتابعة الحياة بلا توقف». يشرح «بونهوفر» الموت، وإيمانه العميق بالقيامة، في حياته التي سطرها التاريخ بحروف بارزة عن دوره في مقاومة النازية ومناهضة الظلم والاستعباد والقتل بلا هوادة. يذكر التاريخ أن جهود بونهوفر الدؤوبة لخدمة ضحايا الحكم النازي قادته إلى اعتقاله من قبل الجستاپو (الشرطة السريَّة) في 5 أبريل 1943. إلا أن السجن لم يكبح شغفه وحماسه من خدمة المرضى ومن خدمة زملائه السُّجناء. كان يعمل في الظِّل منكرًا نفسه لدرجة أن حراسه اعتذروا له عن حبسه في داخل زنزانته بعد أن كان يخرج ويتجول في فناء السجن. استخدم الجستاپو عديدًا من التكتيكات لإقناع بونهوفر بالتخلي عن إيمانه. هدَّدوه بالتعذيب واعتقال عائلته وخطيبته، وكل الذين يتعاونون معه في حركة المقاومة، إلا أنه، أعلن بتحدٍّ معارضته للنازية وكل ما تدعمه. في يوم الأحد 8 أبريل 1945، كان بونهوفر يقود خدمة عبادة لتهدئة النساء اللواتي تمَّ إعدام أزواجهن. في حال ختامه بالصلاة الأخيرة، دخل اثنان من الجستاپو الغرفة يناديان: «السجين بونهوفر، انهض! أثناء لحظة وداعه لأصدقائه، التفت إلى الضابط البريطاني «باين بيست»، وهمس في أذنيه قائلاً له: «هذه هي بداية الحياة الحقيقية». في اليوم التالي، أُعدم بنوهوفر شنقًا في سجن فلوسنبرج (Flossenburg). عندما نفهم معنى الموت، يمكننا أن نبدأ في رؤية فهم عمق معنى القيامة. هذا ما أرسله بنوهوفر لنا لكل العالم بحياته بإقراره للضابط وهو في طريقه للإعدام.
كتب الرسول بولس بوضوح لتلميذه تيموثاوس أن المسيح المقام من الأموات قد «أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ». (2تيموثاوس 1: 4) فهو لم يهزم الموت فقط، بل أعطى الحياة، الحياة الممتدة بالخلود.
الفعل اليوناني أبطل (كاتارجيسانتوس καταργήσαντος)، يأتي بمعنى إبطال مفعول شئ أي جعله خاملاً عاجزًا بلا قوة أو تأثير وعديم الفائدة. ويتكرر الفعل نفسه في العهد الجديد 27 مرة، وعندما يستخدم عن شخص ما فهو يشير إلى أن هذا الشخص أصبح مُعفًى إعفاءً تامًّا من أي التزام.
من هنا يكون استخدام بولس فعل (أبطل) لا يعني إلغاء الموت، بل أنه موجود لكنه بلا فاعلية وبلا تأثير، عاجزٌ نُزعت أسنانه، وأصبح كهلاً بلا حول ولا قوة ينتظر الكفن ومثواه الأخير. ويذكر جون ستوت «شبَّه بولس الموت بحيَّة نُزِعَت أنيابها، أو بقائد عسكري هُزم جيشه وانكسر».
يستكمل الرسول وصفه هزيمة الموت وانكساره بحُنكة الفيلسوف المثقف والمؤمن المختبر، فيكتب بثقة: «أَبْطَلَ (فاعلية) ٱلْمَوْتَ وأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ». الفعل اليوناني المترجم أنار (φωτίσαντος) يأتي بمعنى جعل الشئ في حيِّز الوجود، ومكشوفًا أمام الجميع. كما أنه يأتي بمعنى سلَّط الضوء على أمر وكشف عنه النقاب كاملاً ليجعله معروفًا معرفة جلية بكل تفاصيله لدى الكل. ويتوج الأب متى المسكين ذلك المعنى ببراعة بقوله: «أنار الذهن وفتح القلب والأحاسيس بأن وراء القبر حياة، وفجَّر طاقات الرجاء والحب والأمل للحياة الأبدية». لقد أنار لنا الحياة الحاضرة وأشرق شمس الأبدية في قلوبنا.
يربط الرسول بولس الحياة بالخلود، فاعتبر بعض المفسرين أن كلمتيّ «الحياة والخلود» كلمتان مترادفتان. فكلمة الخلود تصف بدقة نوعية الحياة. بالرجوع إلى الكلمة اليونانية المترجمة خلود (أفثارسيان ἀφθαρσίαν)، تتكون من مقطعَيْن: الحرف (ἀ) ومعناه (بلا، من دون)، أما باقي الكلمة (φθαρσίαν) فمعناها قابلية للفساد والزوال. فالكلمة خلود (أفثارسيان) تعني عدم القابلية للفساد (حالة من التحرر من الانحلال الجسدي)، أي بلا فساد أو زوال. فالخلود وصف لحالة وجود لا ينتهي، حالة مرتبطة بالمجد والكرامة والحياة. فالإنسان يموت بالجسد إلا أن قلبه انفتح على نوعية جديدة للحياة مُنحت له، وهي حياة الخلود، الحياة الأبدية. ولأن الله هو الخلود نفسه، ففي قيامة المسيح هُزم الموت ووُهب الخلود للبشرية. رسم يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه الصورة بكلماته البديعة في الرسالة الأولى «أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ،…لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ». (1يوحنا 3: 2). أفلا نتيقن أيها القارئ الكريم أن قيامة المسيح قد هزمت فينا الموت وأنارت عيوننا على حياة معه بنقاء على الأرض وزرعت في قلوبنا الخلود؟!