كلمات وكلمات يوليو وأغسطس 2023
الهدى 1250-1251 يوليو وأغسطس 2023
من أهم التوجهات الدينيّة التي تستخدمها قيادات الأديان بشكل عام وبغض النظر عن الفروق والاتفاقات بين الأديان الثلاثة «اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام»، هو التوجه للتأديب والتعنيف واستخدامها سواء من التوراة أو القرآن الكريم أو الإنجيل والظاهرة هي استخدام مثل تلك الآيات بشكل واضح ومتكرر من المنابر الدينيّة بغض النظر عن الدين الذي تنتمي إليه مهما كان مسيحيًّا، يهوديًّا، أو مسلمًا فقيادات الأديان في معظمها يركزون على النصوص الدينيّة التي تتناول العنف، ونحن نلاحظ أن هناك تبريرًا لهذا العنف المقدس بطريقة أو أخرى، وكثيرون يتحدثون في عظاتهم من على المنابر سواء في المساجد أو الكنائس أو في قاعات الدرس أو المجموعات الصغيرة بل والكتابات التي تصدر تفسيرًا لبعض الآيات المقدسة، في حين أن الأصل في الأديان هو السماحة والحب وقبول الآخر بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الطائفة … إلخ .
من أبرز الرسل في المسيحيّة بولس الرسول، ذلك الفيلسوف صاحب الخلفيّة اليهوديّة والذي اضطهد أتباع يسوع المسيح وبالتوازي مع القيادات الإسلاميّة والمفسرين من المسيحيين وغير المسيحيين نستطيع أن نعترف بأن كثيرًا من القيادات يستخدمون التعصب والنقد الجارح لكثير من الشباب في طريقة حديثهم أو كتاباتهم أو حتى سيرهم … إلخ.
لا شك أن الكتب المقدسة على إطلاقها تحتوى على مثل ذلك التوجه، وقد قام كثيرون بتأليف كتب أو كتابة مقالات يبررون فيها ذلك العنف المقدس بطريقة أو أخرى وكثيرون يتحدثون في عظاتهم أو دروسهم الدينيّة وتفسيراتهم للكتب المقدسة سواء من العهد القديم أو الجديد، واستخدامها بعنف شديد على أعتبار أنها القداسة والإيمان والتصديق وعدم مجاملة القادة الدينيين مهما كانوا، بل وتبرير ذلك العنف بطريقة أو أخرى، وكثيرون في عظاتهم أو درس الكتاب يعظون عن عنف العهد القديم، والحقيقة أنا لم أقتنع بمثل تلك الكتابات سواء باللغة العربيّة أو أيّة لغة أخرى، لأنهم ببساطة يلوون النصوص ليًّا، واقتحمتني فكرة لماذا لا أرجع إلى بولس الرسول الذي كان شاول الطرسوسي وكان ضحيّة لذلك التفسير الخاطئ للعهد القديم (التوراة).
جدير بالذكر أن بولس الرسول قد طبقها بجسارة وذلك عن قناعة شخصيّة عنده، بإبادة المسيحيين الهراطقة بداءة من حراسته لثياب الراجمين في واقعة رجم إستفانوس، ونهايّة بظهور الرب لشاول بكيفيّة غير مسبوقة في الطريق إلى دمشق، إن شاول الذي صار بولس هو أكثر الناس الذين يجب أن نرجع إليهم في هذا الشأن وذلك لأنه كان مقتنعًّا كتابيًّا وروحيًّا وحققها في الواقع ثم تحول إلى تجسيد حب الله في يسوع المصلوب.
من أهم النصوص الكتابيّة التي أقلقتني شخصيًّا نجدها في سفر (١ صم ١٥: 3، 5) ويقول: «بخصوص شعب عماليق « أمح كل شيء من الوجود … لا ترحمهم … اقض عليهم جميعًا حتى الأطفال والرضع « ومن الجدير بالذكر أن مثل تلك الفقرات الكتابيّة وجدت رواجًا بين عدد كبير من الناس والذين قاموا بتوظيفها في كثير من الأحيان لتبرير سفك الدماء باسم الرب، وقد تذكرت وأنا أكتب هذه الكلمات – عزيزي القارئ – كيف استخدم عدد كبير من المسيحيين الذين نادوا بغيرتهم على الكلمة المقدسة والكنيسة المسيحيّة ووظفوها في كثير من الأحيان لسفك الدماء باسم الرب والمسيح، وهو ما حدث بالضبط في حروب الفرنجة وعبر التاريخ الأمريكي حيث استخدم القساوسة والخدَّام المسيحيون تلك النصوص في خطاباتهم لتبرير إبادة الهنود الحمر، وفي استعباد الأفارقة ورفضهم تحريرهم في حرب الولايات المتحدة الأمريكيّة.
خبرة رعويّة
بينما كنت أعمل في إحدى قرى الصعيد وأثناء تفقدي لبيوت مسيحيي تلك القريّة مع قادة الكنيسة وجدتهم مرة بعد أخرى يتفقدون كل البيوت المسيحيّة عدا بيتًا واحدًا وعندما سألتهم عن السبب وقمت بعمل حوار طويل عرفت أمورًا أذهلتني وكدت لا أصدق أن يكون بين المسيحيين عائلة معروفة «بالشقاوة» وهذا التعبير الصعيدي يدل على الشر فمن افراد تلك العائلة من يسرقون البهائم والبيوت والأموال … إلخ، ويقتلون ويرعبون البشر، أي بمفردات هذه الأيام «بلطجيّة» بل هناك من أغرى امرأة بأن تترك زوجها وتتعلق به.
بالطبع أفراد عائلة كتلك لا يمكن أن يكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالكنيسة، في البدايّة كنت أصر على زيارة كل المسيحيين بالقريّة دون استثناء سواء الذين لهم علاقة بالكنيسة أو الذين لا علاقة لهم بها، لكن بعد زيارتي لتلك العائلة بالذات أكثر من مرة واعتذارهم عن الانتماء للكنيسة بالنسبة لموقفهم حيث كانوا منبوذين من خدام الكنيسة والمترددين عليها، وعند زيارتي لهذه العائلة اكتشفت أن بينهم رجال ونساء وشباب وأطفال لديهم شوق للانتماء للكنيسة لكنهم يظنون أن الكنيسة ترفضهم بسبب «بلطجة» بعض أفراد من عائلاتهم وهنا وضعت على عاتقي أن أحكي معهم عن موقفهم من الخير والشر والكنيسة والكتاب المقدس.
وفي النهايّة اكتشفت أن تلك العائلة رافضة لأعضاء أسرتها من الأشقياء، الأم والشقيقات وأحيانًا الأخوة … إلخ، لذلك طلبت من قادة الكنيسة زيارة بيوت أولئك الأشقياء لأن لا ذنب لزوجاتهم وأولادهم وبناتهم من غير الأشقياء وكانت أغلبيّة القادة في الكنيسة لا يحبذون زيارتي لتلك الأسر لأنهم «ليسوا أعضاء بالكنيسة!» ولا يحضرون الكنيسة لكنني أصريت أن أقوم بهذه الزيارة على أساس خلفيتهم المسيحيّة بغض النظر عن أي موقف لهم من الكنيسة وأي موقف للكنيسة منهم، وبعد جدال طويل وافق بعض على أن يجرب على أساس أنني ضيف ليتعرفوا عليَّ في العموم كراعٍ للكنيسة، وفي بدايّة الزيارات كان هناك الاستغراب والتعجب عن لماذا يقوم الراعي وبعض القيادات بزيارة هؤلاء «البلطجيّة» وهم من يسرقون البهائم والمحاصيل … إلخ، وبالطبع أفراد أسر أولئك «البلطجيّة» لا علاقة لهم بالكنيسة نهائيًّا، لكن عندما عرف خدام الكنيسة أن عليهم خدمة جميع المسيحيين سواء الذين يحضرون أو لا يحضرون الكنيسة أو سواء كانوا مؤمنين أم غير مؤمنين، وافقوا على مضض، وإن كان هناك أكثر من شاب وكذلك أحد القادة، تحمسوا لهذا التحرك خاصة وأن القسيس ليس من البلد وليس له أقارب فيها وبالتالي لا حرج من الزيارة، لكنهم كانوا جميعًا متأكدين أن هذه الزيارات لا قيمة لها، لأن لا أحد من مثل هؤلاء الأشقياء سوف يحضر الاجتماعات، وبالطبع لم تكن الجولة الأولى مثمرة، وإن كانوا يقبلوننا بترحاب، لكن لا أحد منهم تجاوب بالحضور لكن باقتناع أحد الشباب الذين في سني شجعني بقوة أن نكرر الزيارات لهم، ونجلس معهم لشرب الشاي وخلافه وسماع حكاياتهم وعلاقاتهم … إلخ.
وهكذا بدأنا الصداقات معهم وشيئًا فشيئًا صرنا أصدقاء وهكذا كانت ضربة البدايّة.
حكايّة لاهوتيّة
سأل أحد الطلبة الأستاذ قائلًا: كيف تستطيع أن تجعل منا فلاسفة ولاهوتيين؟! وإلى أي درجة يمكن أن نكون قريبين منك أو بعيدين عنك في الفكر والتوجه؟
قال المعلم: سوف أحكى لكم قصة قديمة.
بدأ الأستاذ حديثه بالقول كان هناك معلم لأحدى الديانات الوضعيّة يعد أحد الطلبة الذي يرى فيه نفسه من حيث قدرته على التعليم والذكاء واحتواء زملائه … إلخ ليكون خليفته ويرث التعليم.
وعندما قرر التقاعد استدعاه وقال له: لقد أصبحت أنا الآن كمعلم رجلًا عجوزًا وأنت الذي اتفقنا أن تكون وريثي في التعليم وفي المكانة، ثم أخرج كتاب مهترئ من حقيبته قائلًا هذا هو كتاب التعليم القديم الذي يجب أن تستخدمه وهو الذي توارثناه جيل بعد جيل من معلم لتلميذ وهكذا.
سأله التلميذ بعد أن لاحظ قدم نسخة الكتاب: هل هذا ما ورثته من معلمك؟
أجاب المعلم: نعم وستجد صفحات مليئة بالتعليقات المفيدة لك منذ المعلم الأول، احتفظ بالكتاب يا ولدي معك كعلامة على أنك كنت تلميذًا لي
أجاب التلميذ: لقد استمعت لكلماتك وحفظتها في قلبي كلمة كلمة
بدأ الأستاذ يجمع أوراقه وكتبه وقد صمت، هتف التلاميذ كيف كانت نتيجة الحوار بين المعلم وتلميذه؟
قال الأستاذ وهو في الطريق خارجًا: كان الاثنان المعلم والتلميذ يجلسان حول المدفأة، وبمجرد أن تناول التلميذ الكتاب في يده، ألقى به في المدفأة فاحترق.
على باب الفصل قال الأستاذ هنا ملأ الغضب المعلم وصرخ في وجه التلميذ: لماذا ارتكبت هذا الفعل المجنون.
أجابه التلميذ صارخًا:
ما هو الجنون الذي فعلت … يا سيدي لا يوجد معك أي كتاب!!
مختارات
لولا اختلاف الرأي يا محترم
لولا الزلطتين ما الوقود انضرم
لولا فرعين الليف سوا مخاليف
كان حبل الود بينا كيف اتبرم؟
عجبي
صلاح جاهين