أبناؤنا وخطر الانغماس في الماديات
الهدى 1211 يوليو 2019
أشدُّ ما أخشى منه على أبنائي هو توغل النزعة المادية داخل نفوسهم، هذا الوحش المخيف الذي لا يشبع أبدًا. الأمر ليس له علاقة بالمستوى المادي الذي تعيش فيه. ربما تكون ميسور الحال جدًا، وبمقدروك أن توفر كل شيء وأي شيء لأبنائك.
لكنك تعرف يقينًا أن النفس البشرية لا تشبع أبدًا، والأطفال يميلون إلى الطمع أكثر مما يميلون إلى القناعة.
ومن المؤكد أنك قابلت أناسًا يملكون كل شيء ولا يشعرون بالرضا. أحب وأسعى بأقصى ما أستطيع أن أوفر لأبنائي حياة كريمة، لكن من المحال أن أستطيع أن أوفر لهم كل ما يتمنونه. كما أننا ندرك في أعماقنا أن هناك أشياءً في الحياة أهم بكثير من المقتنيات المادية.
أي أب أو أم يحب أن يعطي أبناءه- لو استطاع- القمر والنجوم بل وعيونهم أيضًا- وعن طيب خاطر. لكنك قد تستشعر الخطر عندما ترى أنك على وشك التحول إلى ماكينة كل هدفها هو إشباع رغبات أبنائك التي لا تنتهي. هنا لابد من مراجعة نفسك: هل سيصبح أبنائي أشخاصًا يتسمون بالمسؤولية وبالأحرى بالرضا والقناعة؟
إذا خرجنا إلى العالم الخارجي سنجد ثقافة استهلاكية متوحشة. انظر إلى المولات التجارية الضخمة، والإعلانات التليفزيونية التي لا تتوقف عن إقناعك بشراء كل شيء، ولا تكف عن أن تعدك بالسعادة في منتجاتها؛ من كوب الزبادي وعلبة العصير، وحتى الشاليهات الفخمة وأحدث الأجهزة الإلكترونية. أصبحنا محاصرين باختيارات وبضائع ومنتجات لا حصر لها؛ كلها تتصارع على الحصول على ما في جيوبنا، ونحن نعرف أن السعادة ليست فيها. هذه هي الثقافة التي نعيش فيها، وأبناؤنا يتشربون كل هذا منذ نعومة أظافرهم.
الخوف الذي ينتابني هو: ماذا لو لم يصل ابني أو ابنتي إلى حالة من النضج تجعله يملك زمام سعادته في يده، ويعرف أن ينقص وأن يستفضل، حسب تعبير الرسول بولس (فيلبي ٤: ١٢)، وفي نفس الوقت لا يشعر بالظلم أو النقص لأنه لم يقتنِ شيئًا مثل الآخرين. التحدي هو أن نعلم أبناءنا احترام الواقع، والنظرة المتوازنة للحياة، وأن ندربهم على حياة البساطة وضبط النفس. يجب أن نحميهم من الوقوع فريسة في شبكة النزعة المادية والاستهلاكية والانغماس في الماديات. دورنا كآباء وأمهات أن نهذب نفوسهم، ونقدم قدوة في الاعتدال والقناعة.
أحيانًا ما يستغل الأبناء عدم انتباهنا لخطورة هذا الأمر، فيصطنعون إزعاجًا حتى نشتري لهم ما يريدونه على أن يكرروا التصرف في أقرب فرصة ممكنة. وربما المرة الثانية على الملأ، وأمام الناس في أحد المتاجر، فيذعن الأب والأم خوفًا من أن يحقق المشهد أعلى نسبة مشاهدة! ماذا تفعل حتى تتجنب حدوث هذا الأمر:
الاتفاق على ما تتوقعه من أبنائك من سلوكيات في المتجر قبل التحرك من المنزل.
اسمح بفرصة للتفاوض. فربما تكون قد نشأت في بيت لم يكن يسمح بالتفاوض، لكن في نفس الوقت السماح للأبناء بإملاء شروطهم ليس جيدًا على الإطلاق.
ربما تطلب من أبناءك أن يخبروك بما يتمنون اقتناءه، اسمح بمرور بعض الوقت قبل أن تشتريه لهم، ربما حتى يشتاقون إليه، ويفرحون بعد أن يحصلوا عليه بعد فترة.
هذا الأمر في غاية الأهمية، لأن الأبناء سيتعلمون قيمة الصبر، وقيمة تأجيل الرغبات. سيحتاجون إلى هذه القيم عندما يكبرون، وستكون سببًا في نجاحهم. هناك فائدة للطفل عندما يعلم أنه لن يحصل دائمًا على ما يريد. قد يقول أحد: لكن شركات التسويق بارعة جدًا في إقناع الأطفال وسحرهم بمنتجاتها. ماذا نفعل؟
ربما ننصح بتقليل الوقت الذي يقضيه الأبناء أمام الميديا، وشغلهم بأنشطة أخرى.
لا تنسَ أن تكلف ابنك/ ابنتك بمهام منزلية تناسب أعمارهم (يمكنك الرجوع إلى مقال سابق بعنوان: مهام منزلية حسب عمر الطفل). هذا سيقلل من شعور الطفل بأنه ليس مطالب بشيء ومن حقه الحصول على كل شيء. كما يزيد من شعوره بأن عليه دور تجاه مَن يعيش معهم، فضلاً على أنه سيتعلم الثقة بالنفس والاستقلالية.
تعلم أن تقول ”لا“. إشباع كل نزوات أبنائك سيخلق منهم أشخاصًا أنانيين، لا يشعرون بالأمان، عاجزون عن إدارة حياتهم بأنفسهم.
لا توافق على شيء منفردًا قبل الرجوع إلى شريك حياتك. كثيرًا ما يستغل الأطفال التناقض في آراء كل من الوالدين.
ربما تحدد مع ابنك/ ابنتك ميزانية محددة لشراء ما يحتاجونه، وإذا تجاوز الشيء هذه الميزانية، عليهم بالادخار لوقت أطول حتى يحصلوا عليه.
فاز الممثل الإيطالي، روبرتو بنيني، بجائزة الأوسكار عام 1999. وفي كلمته أمام الجمهور، شكر والديه على أعظم هدية أعطانيها له، وهي الفقر. ربما كان يقصد الدعابة ليس أكثر. لكن يمكننا القول إن الفقر أحيانًا ما يدفع الشخص لاستخراج قدراته الإبداعية الدفينة. لا نتمنى لأحد الفقر، ولا نجمله، وإنما ما نهدف إليه هو تحرير أبنائنا من سطوة وسيطرة النزعة المادية التي تجتاح مجتمعاتنا اليوم.
http://www.focusonthefamily.me