أسرة

التحكم في مقابل المسؤولية

الهدى 1232                                                                                                                               يونيو 2021

الكاتب: تيموثي سانفورد

من الصحيح أن الثقافة المعاصرة تجعل مهمتك كأب أو أم في التربية أكثر صعوبة. ومن الصحيح أيضًا أن ابنك المراهق يمسك بهذه الورقة الخطيرة التي تُدعى حرية الإرادة.
لكن التربية لاتزال ممكنة وفعّالة. أنت تحتاج فقط إلى أن تعرف ما يمكنك التحكم فيه وما لا يمكنك التحكم فيه .
الأمر بسيط، أليس كذلك؟
بالتأكيد، لا.
تتداخل الألوان عندما تدخل ابنتك غرفتها مندفعة وتغلق الباب بعنف للمرة العاشرة في يوم واحد. أو عندما يتصل ابنك ليخبرك بأنه كسر إشارة المرور، وهذا ليس خطأً منه.
يقترح هذا المقال كيف ترسم بعض الحدود بين ما هو «سوي» وما هو «غير سوي» فيما يتعلق بالتحكم. وحتى نفهم هذه الحدود، نحتاج أن نفهم شروط التحكم والمسؤولية.
مَنْ المتحكم؟
عندما يتعلق الأمر بتربية المراهقين، يمكن أن ينقسم العالم إلى قسمين كبيرين:
ما يمكنك التحكم فيه وما لا يمكنك التحكم فيه
التحكم هنا يعني أن يكون لديك سلطة مباشرة وكاملة.
في ضوء هذا التعريف، ماذا في حياتك يتفق مع القسم الخاص بـ «ما أستطيع أن أتحكم فيه؟»
ربما تفكِّر في شيئين فقط تتحكم فيهما: أنا ونفسي.
هذا كل ما في الأمر. بمقدورك أن تتحكم في نفسك. ولا تستطيع أن تتحكم في الأشخاص الآخرين، برغم أنك قد تكون قادرًا على التأثير عليه. لا يمكنك أن تتحكم في الطقس، أو الظروف الخارجية. هذا خارج حدود سيطرتك.
لكن يظل دائمًا هناك جزء من الظروف التي تستطيع التحكم فيها. ربما لا يمثل هذا الجزء القدر من التحكم الذي ترغب فيه، وربما لا يؤدي إلى أي درجة من التحكم في الأشخاص الآخرين. لكن بينما لا تستطيع التحكم في الأحداث، فإنك تستطيع التحكم في مواقفك واستجابتك.
إذا كان هذا كل ما يمكن أن يندرج تحت قسم «ما أستطيع التحكم فيه»، فلتخمن إذن ما يندرج تحت «ما لا أستطيع التحكم فيه».
كل شيء وكل شخص آخر.
وهذا جزء كبير جدًا -أكثر من ٦ مليار إنسان آخر، ناهيك عن الأحداث والحيوانات الأليفة. وابنك المراهق هو واحد من المليارات الستة من البشر الذين لا تستطيع التحكم فيهم. إدراك هذه الحقيقة هو نقطة البداية للتخلي عن التحكم في ابنك المراهق والرضا بذلك.
إذا كان كل ما تستطيع التحكم فيه هو «أنت ونفسك»، خَمّن مَنْ يا تُرى يتحكم في ابنك المراهق! هو نفسه فقط.
وسواء يمارس ابنك المراهق تحكمًا حكيمًا في نفسه فهذا موضوع مختلف تمامًا. لكن ليست مهمتك أن تجبره على التصرف الصحيح. ولا يمكنك أن تفعل هذا في كل الأحوال، لذا توقف عن المحاولة.
مَنْ يتولى المسؤولية؟
هناك طريقة أخرى لتصنيف الأشخاص والأحداث تتضح في الشكل التالي: ما أتحمَّل مسؤوليته، وما لا أتحمَّل مسؤوليته.
ما اتحمل ما لا اتحمل مسؤوليته
كلمة مسؤول (Responsible) هي كلمة مركبة من مقطعين (Response) و(able)، وبالتالي تعني ”القدرة على التجاوب“. الأمور التي يمكن التجاوب معها بشكل مشروع -أي الأمور التي تستطيع أن تتبناها- هي الأمور التي تستطيع التحكم فيها.
وهذا شيء يختلف عن كونك قابلاً للمساءلة القانونية. المساءلة القانونية تعني أن تكون مُلزمًا من الناحية القانونية أن تعوِّض عن أي خسارة أو ضرر.
لنتأمل الحالة الخاصة التالية
كان مارك أبًا منفصلاً عن زوجته ولديه ابنة عمرها ١٤ عامًا. وكانت الابنة «ماندي» متمردة للغاية. لهذا السبب أحضرها لي. كانت ماندي رافضة للتعاون مع أي شيء يطلب منها والدها أن تفعله.
في إحدى الليالي وبينما كان مارك نائمًا -وكان يتوقع أن ابنته ستفعل نفس الشيء وتنام هي الأخرى- قامت ماندي وتسللت وخرجت من المنزل. وأخذت سيارة مارك، واستخدمت مفتاحًا سريًا كانت قد نسخته قبلها بأسابيع عن نسخة إضافية من المفاتيح كانت بالمنزل. ثم قادت السيارة لتصل إلى بيت أحد الأصدقاء.
لم تكن ماندي قد أتقنت القيادة بعد، فاصطدمت في حادثة بسيطة بسيارة متوقفة.
تم الاتصال بالشرطة، وفُتحت المحاضر. فوصل مارك إلى قسم الشرطة، ليواجه تبعات تصرفات ابنته.
فيما يلي بعض الأسئلة البسيطة:
سؤال (١): هل استعارة ماندي لسيارة مارك هو شيء يمكنه التحكم فيه؟
الإجابة: لا. بالنسبة لمارك هذا الأمر يندرج تحت قسم «ما لا أستطيع التحكم فيه».
ربما تقول: «لكن انتظر. هذه مسؤولية مارك، لأنها سيارته. أعني إذا لم يمتلك سيارة، لما وجدت ماندي أي شيء لتستعيره، أليس كذلك؟ ولو لم يملك نسخة من المفاتيح في البيت، لكان من الصعب عليها أن تنسخ منها مجموعة أخرى.
إذا أردت أن تتبع هذا المنطق -ونحن كوالدين كثيرًا ما نطبق منطقًا مشابهًا- سنصل إلى أن المسؤولية تقع على عاتق على هنري فورد. لأنه هو الشخص الذي اخترع السيارة وقام بتصنيعها بأعداد كبيرة في البداية، وعلى الأقل في الولايات المتحدة. لو لم يخترع فورد السيارة، على الأرجح ما كان لمارك أن يشتري سيارة أصلاً، وبالتالي ما كان لماندي أن تستعير سيارة أبيها.
لا. ليست مسؤولية هنري فورد. وليست مسؤولية مارك أيضًا.
سؤال (٢): هل حادث السيارة مسؤولية مارك؟
الإجابة: لا. بالنسبة لمارك هذه الحادثة تندرج تحت قسم «ما لا أتحمَّل مسؤوليته». كيف كان بإمكان مارك أن «يتجاوب» مع الحادث الوشيك بينما لم يكن موجودًا بالسيارة وقتها؟ لم يكن مارك قادرًا على الاستجابة (response- able).
سؤال (٣): هل سيتتبع مالكو السيارة الأخرى مارك ليعوضهم على الأضرار الناجمة عن الحادث؟
الإجابة: نعم. لأن مارك هو الوصي القانوني على ماندي ومُلزم قانونيًا بالتعويض عن الخسارة أو الضرر.
لا يستطيع مارك أن يتحكم في ماندي، وهو لا يتحمَّل مسؤولية الحادث. لكنه مُلزم قانونيًا بالتعويض عن الضرر. هذه معضلة أمامنا كوالدين، وربما توجد آلاف المعضلات من هذا النوع في سنوات المراهقة.
كثير من الآباء والأمهات بسبب التزامهم القانوني بالتعويض، والشعور بأن المجتمع يعتبرنا المسؤولين، يعتقدون أننا نتحكم في مراهقينا -بشكل ما.
لا تبلع هذا الطعم، ولا تحاول أن تطبقه على الآباء والأمهات الآخرين أيضًا.

https://www.focusonthefamily.me

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى