أسرة

ثلاثة مبادئ للتأديب بالنعمة

الهدى 1208                                                                                                                                   أبريل 2019

بقلم:كريس كيميل موراي

«الجليتر» (مساحيق التجميل والزينة اللامعة) يجب أن يُسمى في رأيي ”غبار الشيطان“.. لكن أطفالي يحبون الجليتر! في إحدى المرات رجعت ابنتي الكبرى، ٦ سنوات، من المدرسة بعمل فني مزين بالجليتر الزهري. مثل أي أم صالحة، رسمت ابتسامة مصطنعة على وجهي، وعلقت هذا العمل الفني على الثلاجة، وقلت: ”واو.. رائع. يا لها من صورة جميلة وبراقة!“
بعد خمس دقائق من الحدث، تركتُ المطبخ لبعض الوقت، وعندما عُدت وجدت ابنتي قد أزالت الصورة من على الثلاجة. كانت تبيّن لأختها الصغيرة أنها إذا صفقت والورقة بيديها، فإنها ستبدو مثل شخصية ”تنكربيل“ وهي ترش الغبار السحري الذي يساعد على الطيران. وبعد بعض التصفيقات، تغطّى المطبخ كله بطبقة من اللون الزهري.
فقدت صوابي، وصرخت في وجهها، ونزعت الصورة من يديها، وألقتها في سلة المهملات، وطلبت منها أن تذهب إلى غرفتها. فيما بعد، وبينما كنت أكنس الجليتر من أرضية المطبخ، عصفت بي موجة من الندم. في ذلك اليوم ذبحت القليل من الفرحة البريئة لابنتي وانبهارها الطفولي على مذبح توقعاتي غير الواقعية! لقد عاملت ابنتي بطريقة لم يكن لأبينا السماوي أن يعاملني بها أبدًا.
إن رسالة نعمة الله يجب أن نطبقها على التربية، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بالتأديب. تربية أبنائنا بالنعمة تعني أن نربيهم كما يربينا الله -أي بالنعمة. لقد صنع الله لنا طريقًا من خلال المسيح، لنصبح أبناءه وبناته المحبوبين. إنه يقدّم لنا محبته وفضله لأن هذه هي طبيعته، وبسبب ذبيحة المسيح على الصليب، وليس لشيء في طبيعتنا نحن أو بسبب أفعالنا.
عندما نتبع قدوة المربي الأعظم فهذه أفضل فرصة لنا لنربي أطفالاً يفهمون نعمة الله، وإن كان الأمر ليس سهلاً في تنفيذه. نشكر الله على أنه يقبلنا كما نحن، لكنه لا يتركنا على حالنا. التحدي الأكبر الذي نواجهه كآباء وأمهات هو تأديب أطفالنا بالطريقة التي يؤدبنا الله بها -أي بمحبة غامرة تضع احتياجاتهم قبل احتياجاتنا.
فيما يلي ثلاثة مبادئ تساعد كثيرًا الآباء والأمهات لتأديب أبنائهم بالنعمة:
اتبع قاعدة الـ ١٠ سنوات
أطفالنا يفعلون سلوكيات تزعجنا، وأحيانًا نشعر أن كل ما نفعله أننا نُقوِّم هذه السلوكيات. لكن عندما نمعن النظر كأب وأم فيما يسبب لنا الإحباط، فإننا نكتشف أن بعض السلوكيات لا تستحق أحيانًا أن ننشغل بها كثيرًا؛ بينما هناك سلوكيات غامضة تبدو غير مضرة لكن يتضح في النهاية أنها عيوب خطيرة في شخصية الأبناء، وسوف نتمنى لو كنا عالجناها مبكرًا. «قاعدة الـ ١٠ سنوات» تساعدنا على حل هذا الغموض.
هكذا تعمل القاعدة: تخيّل طفلك يفعل نفس السلوك المزعج بعد ١٠ سنوات من الآن. كيف سيبدو وقتها؟ ما هي بعض النتائج المتوقعة إذا استمر هذا السلوك؟
إذا كان طفلك صاحب العامين يبكي وينفجر غاضبًا لأنه لا يريد الذهاب إلى الحضانة، يصبح السلوك مزعجًا ويثير الأعصاب. حاول أن تتخيّل طفلك يفعل نفس الشيء في سن الثانية عشرة. من المستبعد أن يغضب طفل عمره ١٢ سنة لأن أبويه يتركانه في المدرسة مثلاً. في هذا السيناريو، تساعدنا قاعدة الـ ١٠ سنوات لنرى أن غضب الطفل في عمر السنتين على أبيه وأمه لأنه سيتركهما هو سلوك يتعلق بالأكثر بمرحلته العمرية؛ لأنه سيكبر وسيجتاز هذا. لا حاجة لأن يؤرقك الأمر، ولا داعي لتفقدي النوم لأنكِ تحاولين تغيير طفلك. الوقت هو كل ما يحتاجه!
من ناحية أخرى، قد يبدو الأمر بلا خطورة، أو حتى مضحكًا بعض الشيء، عندما ترين طفلك أو طفلتك بجوار كومة أغلفة الحلوى والشيكولاتة تلطخ وجهه، وفي نفس الوقت يخبرك بأنه لم يأكل الحلوى. هذه «كذبة لطيفة» في وقتها، لكنها ليست كذلك بعد ١٠ سنوات. الكذب، والخداع، والافتقار إلى الأمانة تترك أثرًا سلبيًا للغاية على علاقات أبنائك مع الآخرين. عدم الأمانة هو سلوك يحتاج إلى الاهتمام، مهما بدا صغيرًا.
بصرف النظر عن عمر طفلك، تحتاج عدم الأمانة إلى التقويم ويجب مكافأة الصدق.
يشجعنا كاتب سفر الأمثال ويقول: «رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لاَ يَحِيدُ عَنْهُ» (أمثال ٢٢: ٦). وتساعدنا قاعدة الـ ١٠ سنوات على تحديد وتصحيح السلوكيات، وهو ما سيتيح لنا تدريب أبنائنا في طريق الأمانة والاستقامة. لأن هذا السلوك نفسه إذا تُرك بلا معالجة قد يتطور إلى عيوب خطيرة في الشخصية عند البلوغ.
كيف نربي أبنائنا على الشجاعة
التركيز على الشخصية
بعض السلوكيات، وإن كانت تضايقنا، ليست خاطئة، وإنما فقط مختلفة. بعض السلوكيات تضايقنا لأنها ضد رغباتنا الشخصية، أو أنها تزعجنا بطريقة أو بأخرى. لكن ليس لأن سلوكيات أطفالنا تزعجنا هذا يعني أنها تحتاج إلى التأديب.
خلق الله كل إنسان متفردًا، ويسمح للأفراد بالحرية في أن يكونوا على طبيعتهم. هذا يجب أن يكون أحد أهداف البيت المؤسس على النعمة. القواعد شيء ضروري، لكن يجب أن تكون قليلة. عندما تكثر القواعد والمحاذير داخل العائلة أكثر من اللازم، فإننا نحد من حرية أطفالنا، ونُعدهم للفشل. ربما تضع بعض «القواعد المنزلية» أو قواعد السلامة لتساعد على سير الأمور بسلاسة وأمان، لكن يجب أن تكون القواعد محددة، وتتسم بالمرونة لتناسب الظروف المتغيرة.
علامات الشخصية التقية في أطفالك أهم بكثير جدًا من نظافة غرفتهم. إليكِ المثال التالي: إذا كانت الفوضى تزعجكِ، ضعي قاعدة تقول إنه على طفلك أن ينظف غرفته مرة واحدة في الأسبوع. واحرصي على أن تجعلي الغرفة مغلقة بقية الأسبوع حتى لا ترينها. لن يموت أحد إذا تساهلتِ قليلاً في معاييرك عن نظافة الغرفة. في المقابل، ركزي على وضع قواعد وحدود توجه أطفالك نحو سمات شخصية مهمة مثل الإيمان، الاستقامة، ضبط النفس، المثابرة، والشجاعة.
تجنّب التخجيل
التأديب يختلف كثيرًا عن العقاب، بالرغم أننا نخلط كثيرًا بين الكلمتين. العقاب عادة ما يتضمن انتقامًا، ويسعى لرد الصاع صاعين على شخص أخطأ في حقنا. وغالبًا هذا أسلوب العالم، لكن ليس هكذا يتعامل الله الآب مع أبنائه. عندما مات الرب يسوع على الصليب، فهو حمل عقوبة خطايانا، وكانت ذبيحته آخر عقوبة سينفذها الله على أحد من أبنائه.
ومع ذلك تقول عب ١٢: ٦ «أَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ». التأديب، بخلاف العقاب، لا يتعلق بالانتقام أو الرد بالمثل، وإنما يتعلق بالتقويم والتصحيح. إن الهدف من التأديب هو تقويم السلوك الذي ليس في مصلحة ابنك الاستمرار فيه من أجل توجيهه نحو طريق يؤدي إلى السلام والفرح ومصلحته في النهاية.
بينما نجاهد في تأديب أبنائنا كما يؤدبنا الله، يجب أن نبتعد تمامًا عن مشاعر الخزي أو التخجيل. الخزي هو نتاج العقاب وليس التأديب. الله لا يستخدم التخجيل ليقوّم أبناءه، ويجب أن نراعي هذا مع أطفالنا. نفِّذ القواعد، وطبّق التبعات على السلوك الخاطئ، لكن لا تستخدم أسلوب التخجيل كوسيلة لهذه الغاية.
إذا قال ابنك شيئًا غير صحيح، قل له: «هذا كذب»، ولا تقل له: «أنت كذاب». العبارة الأولى تصف بشكل صائب ما فعله ابنك، بينما العبارة الثانية تشن هجومًا على شخصه وتخجله من نفسه. بنفس الطريقة، لا تعنف طفلك أمام الآخرين. بدلاً من ذلك، عامله بكرامة واحترام بأن تقوّم سلوكه بينك وبينه.
طريق النعمة
نحن غير كاملين، بعكس أبينا السماوي الكامل. في ذلك اليوم حين غطى الجليتر المطبخ، لم أتصرف جيدًا، وكان تعاملي خاطئًا. بالفعل، تسبب الجليتر في حدوث فوضى، وكان بإمكاني أن أشرح لابنتي بلطف أن الجليتر جميل على الورقة، لكن لا يصح أن ننفضه على الأرضية. كان بإمكاني أن آخذ الصورة منها، وأعلقها في مكان عالٍ وبعيدًا عن متناولها؛ أو ربما أعطيتها جاروفًا ومكنسة لتنظف الأرضية .. لكني بدلاً من ذلك عاقبت ابنتي فقط لأنها لاتزال طفلة.
بعد ذلك طلبت من ابنتي أن تغفر لي. كثيرًا ما تؤدي النعمة أروع نتائجها بأثر رجعي. أستطيع أن أقول بكل يقين أنني لم أرَ إطلاق نار بعد الاعتذار. في كل مرة طلبت من أبنائي أن يسامحوني، أظهروا لي النعمة. هذا الغفران يؤدي إلى الشفاء ويقوي علاقتنا. لم يتأخر الوقت أبدًا حتى نبدأ في تأديب أبنائنا بالنعمة .. لم يفُت الأوان.
نفس الفتاة الصغيرة التي أغرقت المطبخ بالجليتر هي في مرحلة المراهقة الآن، وقد أوشكنا على إعدادها للانطلاق إلى المرحلة الجامعية. أختها الأصغر ستلحقها قريبًا. نحن نصلي أن تكون طريقة تربيتنا لهما انعكاسًا للآب الذي يفيض بالنعمة علينا، ويحبنا، ويريد لنا كل الخيرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى