أسرة

كيف ترى الأخرين في عالم السليفي؟

الهدى 1218                                                                                                                                   فبراير 2020

الكاتب: أرلين بيلكين

في يوم من الأيام توقفت عائلتنا بسيارتنا الميني فان وراء فتاة مراهقة كانت تسير في منتصف الطريق في شارعنا. كانت تستخدم سماعات الأذن، وعيناها مثبتتان على هاتفها، ولم يكن لديها أي فكرة عن وقوفنا خلفها.. ثم تبعناها مسافة قصيرة.
كان زوجي ﭼـيمس يقود السيارة، وبينما أراد ألا يفزعها، أعتقد أنه كان يميل إلى الضغط على آلة التنبيه حتى نتمكن من متابعة سيرنا في الطريق. في النهاية انحرفت الفتاة فجأة إلى جانب الطريق، ولا تعلم شيئًا عن أن سيارتنا الضخمة كانت خلفها مباشرة.
من الجيد أن معظم المراهقين اليوم لا يكتبون رسائلهم على الهاتف في منتصف الطرق، والسبب الواضح لذلك هو الزحام الشديد. لكنهم يفتقدون أشياءً أخرى، مثل العلاقات، والحوارات، والتواصل، عندما ينعزلون خارج العالم بفضل التطبيقات (apps)، وألعاب الـﭬيديو، وبوستات السوشيال ميديا.
استخدام الأجهزة الإلكترونية يخلق فقاعة عدم التواصل حول الطفل، مما يجعل العالم الخارجي بالنسبة له بلا معنى. إذا كان ابنك ينغمس بالكامل في ألعاب الـﭬيديو، فمن المستحيل تقريبًا بالنسبة له أن يصغي إلى قصص جَده. بالمثل، ابنتك لن يكون لها قدرة على الجلوس والدردشة عندما يكون لديها رسائل تحتاج إلى رد، ومواقع للسوشيال ميديا تحتاج إلى أن تدخل عليها لتعرف آخر المستجدات. بمرور الوقت، هذه العادات تعطّل بشكل هائل مهاراتهم الاجتماعية واهتمامهم بالتواصل مع الآخرين.
كيف نفرقع الفقاعة الإلكترونية التي تسحر هذا الجيل؟ كيف نساعد أبناءنا ليقيموا العلاقات وجهًا لوجه في ثقافتنا الرقمية المهووسة والمتمركزة حول الذات؟ فيما يلي بعض الأفكار للبدء بها:
رسِّخ ثقافة «الأشخاص أولاً»
لأن الوقت أمام الشاشات يفتت المهارات العلاقاتية، فإن أول خطوة كبيرة هي الاهتمام بثقافة العائلة التي تقدّر الأشخاص والعلاقات وجهًا لوجه أكثر من الوقت أمام الشاشات. كعائلة التزموا ببعض القواعد المتوازنة بشأن الشاشات في البيت، وعند التواجد خارج البيت. أحد أفضل القرارات التي يمكنكم اتخاذها هو تناول الوجبات بدون تواجد الشاشات على المائدة أو حتى في الخلفية. إذا أراد أحدكم أن يصور الطعام، فليفعل هذا بسرعة، ثم يُبعد الموبايل بعد ذلك.. ولا يُلمس. استمتعوا برفقة أحدكم الآخر بدون مقاطعات لا حاجة لها. وبممارسة هذه الذوقيات، ستصبح عائلتك جزءًا من أقلية سعيدة. أظهرت دراسة حديثة أن ٨١% ممَنْ يتناولون العشاء في المطاعم الأمريكية يقضون وقتًا في النظر إلى هواتفهم أثناء الأكل.
بعد تناول الطعام، لا تندفعوا نحو التقاط الأجهزة. بالطبع من المريح لكل شخص في العائلة أن ينسحب مع الشاشات كما يحلو له، لكن هذا الجو قد يزيد من الانعزالية.
بالإضافة إلى ذلك، التزموا بعادة ترك كل موبايلات العائلة خارج غرف النوم ليلاً. إذا ظننت أنك لا تستطيع أن تذهب إلى النوم بدون الموبايل بالقرب منك، أخبر نفسك أنك تستطيع ذلك، ثم التزم بهذا! جرّب هذا الأمر لمدة أسبوع. اشحن موبايلك في غرفة أخرى، ولا تمسكه كآخر شيء تفعله في نهاية يومك.
في المقابل اقرأوا الكتاب المقدس وصلوا معًا، أو دونوا بعض الذكريات التي جرت أثناء اليوم، أو الأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها. هناك أمور تتعلق بالقلب، لنتأملها قبل النوم، أكثر أهمية من آخر ما كُتب على الفيسبوك.
كُن على أهبة الاستعداد
كنتُ فتاة خجولة جدًا، وكنت أريد دائمًا أن أبقى مع والديّ في الكنيسة (ولو كان لدينا هواتف ذكية في تلك الأيام، لانزلقت بسهولة في هذا العالم). لكن أمي كانت تصر على أن أذهب إلى اجتماع الشباب، وكانت تنصحني قائلة: «التقطي الفتيات اللواتي يجلسن بمفردهن، واطرحي أسئلة عليهن. أنا متأكدة أنهن سيتعاملن معكِ كصديقة.» وبالتدريج تغلبت على خجلي من خلال إظهار الاهتمام بالآخرين.
أظن أن الكثير من الصغار اليوم لديهم نوع مختلف من الخجل يجعلهم يثبتون أنظارهم على شاشة بينما الأشخاص الحقيقيون يتواجدون من حولهم. يبدو الأمر وكأنهم يخافون من التحدث بشكل حقيقي مع الآخرين، بينما يبنون بشكل كامل علاقاتهم وشعورهم بالهُوية بواسطة الموبايل.
كآباء وأمهات، لابد أن نسعى لتربية الصغار على تقدير السعي إلى العلاقات في العالم الواقعي. أنت أيضًا، بمقدروك أن تمرر نصيحة أمي إلى أطفالك، حتى تشجعهم على أن يترقبوا دائمًا قبول أشخاص قد يشاركونهم الطعام، أو يعملون سويًا على أحد الواجبات المدرسية، أو التمشية معًا. اسألهم: «هل هناك أي شخص مستجد في فصلك هذا العام؟»، «هل هناك صديق يحتاج إلى التشجيع هذا الأسبوع؟»
هناك أطفال كثيرون يجيدون التحدث عن أنفسهم، لكن من الصعب أن تجد طفلاً يجيد الإصغاء للآخرين. حتى تشجع هذا، علِّم أبناءك أن يسألوا أسئلة، ويُظهروا اهتمامًا حقيقيًا بالآخرين. بوسعهم أن يسألوا الأطفال الآخرين أسئلة مثل: «هل لديك حيوان أليف؟» أو «ماذا تحب أن تفعل في نهاية الأسبوع؟» وعندما يقابلون الكبار قد يقولون: «أخبرني عن عملك» أو يسألون: «هل لديك أية هوايات؟» إن الروح المصغية والمتسائلة تمثل مهارة علاقاتية لا تقدر بثمن.
خارج المدرسة والكنيسة، ربما تجد فرصًا لتشجيع أبنائك على ممارسة استخدام مهاراتهم العلاقاتية. عندما يقضي أبناؤنا وقتًا في الاتصال بالآخرين، سيجدون مفاجآت مدهشة خلال ذلك.
ممارسة «البؤرة»
كآباء وأمهات، ربما نتحدث عن العلاقات الحقيقية مع أطفالنا، لكن إذا كنا مشغولين بدرجة مفرطة في كتابة الرسائل الإلكترونية أو الإيميلات بحيث لا نجد الوقت لننظر في عيني أبنائنا، فإننا لا نعيش ما نقوله. ليس بوسعنا أن نتوقع من أبنائنا أن يتفاعلوا مع الآخرين إذا كنا مشغولين جدًا بأجهزتنا الإلكترونية. أنا لا أكتب من برج عاجي، فأنا أيضًا تلتصق عيناي في شاشة الكمبيوتر على المكتب في منزلي. هذه الأوقات من التوتر بين العمل وحياة الأم قادتني إلى ممارسة مغيرة أدعوها «البؤرة».
عندما أستشعر أحدًا يقترب، أحول كرسيّ بعيدًا عن الشاشة وتجاه هذا الشخص المحبوب، (عندما أكون مشغولة بالحديث في الموبايل أنظر لأعلى) وأبتسم، وأنظر في عيني الشخص الذي أمامي.. لغة الجسد هذه تقول «أنا أسمعك».
ابنتي لوسي تحب الأحضان. عندما تمر أمام مكتبي، أشغِّل «البؤرة» قبل أن تصلني. ثم أحييها بحضن كبير. بعد هذا الاهتمام الإيجابي، تجدها تسرع إلى الشيء التالي، ولا يستغرق هذا التفاعل أقل من ٣٠ ثانية.
لكن عندما لا ألتفت لأعطيها هذا الحضن، ويكون على لوسي أن تنتظرني عند مكتبي حتى أنتهي من كتابة جملة أو جملتين، يستغرق التفاعل وقتًا أطول بكثير، ويكون أقل جدًا من أن يرضينا؛ وأكون محبطة بسبب المقاطعة، وهي تكون محبطة لأنها شعرت بالإهمال. من ناحية أخرى، لا تستغرق «البؤرة» وقتًا طويلاً، لكنها تحقق تواصلاً عميقًا.. إنها تقول لعائلتي: «أنت أغلى عندي من أي جهاز إلكتروني.»
هل بمقدورك أن تتخيّل كم سيختلف العالم إذا مارس المزيد من الآباء والأمهات والمراهقين أسلوب «البؤرة»؟ علموهم أن يجعلوا الأولوية للشخص الذي أمامهم. إذا كانوا يكتبون رسائل نصية بينما يقترب شخص ما، شجعهم على التوقف عن الكتابة للحظات قليلة، حتى إذا اكتفوا بالنظر إليه والقول: «اسمح لي بالانتهاء من هذه الجملة، وسأكون معك حالاً.» الوضع المثالي هو أن يتوقفوا ويعطوا الشخص الآخر كامل انتباههم، لكن إذا طلبوا مهلة، فهذا أفضل من تجاهل الشخص الآخر.
ليت أبناءنا يكبرون ليصيروا أشخاصًا يُقدرون التواصل البشري أكثر من «اللايكات» الإلكترونية، وليتهم لا يسيرون أبدًا في منتصف الطريق محملقين في الهواتف المحمولة. هناك أشياء يجب أن نراها في الحياة أكثر جدًا من سلسلة من الصور السيلفي التي تلتقطها.
العيش خارج الفقاعة
لا تستطيع أية عائلة أن تتجنب التكنولوجيا بشكل كامل، لكن بوسعنا أن نكون أكثر حكمة في استخدامها. فيما يلي ثلاث أفكار لنساعد أطفالنا حتى لا يغرقوا داخل فقاعة تكنولوجية:
قلل من البحث عما هو جديد
السوشيال ميديا وألعاب الفيديو لها طبيعة إدمانية.. لقد حددت الأبحاث أن ممارسة الامتناع عن الشاشات لفترة قد يكون صحيحًا جدًا. إذا شعر الطفل بقلق شديد لأنه سيفتقد استخدام جهازه المفضل لمدة أسبوع، فهو بحاجة شديدة إلى الصوم عن الأجهزة.
ثم عندما يتوجه الأبناء ثانية إلى السوشيال ميديا، شجعهم على استخدامها لبناء اتصالات بعدد محدود من الأصدقاء بدلاً من التصفح العشوائي لتحري أخبار الجماهير. عندما يستخدمون السوشيال ميديا للبقاء على تواصل مع بعض الناس، فهي قد تعزز العلاقات.
ادخل على الإنترنت لهدف محدد
يُفترض أن تساعدنا التكنولوجيا على التنظيم وإدارة الوقت. لكن مثلما يحدث مع تقليب قنوات التليفزيون، كثيرًا ما نتيه بلا هدف عبر قدر هائل من المعلومات المستجدة. هل نحتاج فعلاً لمعرفة ماذا أكل أحد الأصدقاء على العشاء، أو أن زوجين من المشاهير قد انفصلا؟
علِّم أطفالك أن يسألوا
علّم أطفالك أن يسألوا أسئلة معينة قبل التقاط موبايلاتهم أو الجلوس أمام الكمبيوتر، مثل: «ماذا يُفترض بي أن أفعل هنا؟» تأكد من وجود إجابة محددة قبل الإقدام نحو الاستخدام. «أنا أنوي كتابة رسالة لصديقي عن الحفل الموسيقي»، «أنا أنوي الانتهاء من تلخيص الكتاب».

http://www.focusonthefamily.me

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى