الصليب

الصليب بين الأدب الغربي والإبداع العربي

الهدى 1242- 1243                                                                 أبريل ومايو 2022

«لا جدوى يا يسوع لا جدوى مضي على صلبك ألف عام. ومازال الناس يصلبونك من جديد. أي يسوع ربي. متى ستولد يا إلهي ولا تصلب ثانية. ولكن تعيش بين ظهرانينا خالدًا إلى الأبد».
هكذا يصرخ الروائي اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس في روايته الشهيرة «المسيح يصلب من جديد»، والتي تعد عملًا فنيًا فذًا، سطرها قلم راسخ متمكن، فيها رقة فنية، وقوة وحيوية نشطة، ولمسة شعرية في صوغها وتصويرها المرهف لآلام المسيح، وهي صورة ملحمية لصراع الإنسان على طول التاريخ من أجل لحياة أسمى. الرواية تنطلق من اعادة طقس تمثيلي لأحداث اسبوع الالام لتثبت أن الصلب سوف يتكرر للإنسان الذي يتخذ الحب هدفا سامي في الحياة وهو في الرواية الراعي «مانولي». ومن الروايات التي اتخذت الصليب وشخصياته محور لها رواية «باراباس» للكاتب السويدي الحائز علي نوبل «بارلاجير كفيست» والذى نسج حياة بارباس -متخيلًا- بعد الإفراج عنه وكيف تحول الي المسيحية نجد شخصية «باراباس»، وهو مجرم كان ينتظر تطبيق عقوبة الصلب ولكن الوالي الروماني بيلاطس الذى كان يحاكم المسيح قام بتخيير اليهود بين صلب بارباس أم صلب المسيح؟ فاختاروا إطلاق سراح المجرم الذي أصبح بطلاً لأكثر من عمل أدبي. ومن شخصيات احداث الصلب هناك شخصية قائد المائة الذي كسب رداء المسيح المنسوج من الكتان وهي شخصية اصبحت ذات تأثير إبداعي ليصبح بطلاً لقصة «الرداء» للكاتب «لويد س. دوجلاس». وقال لويد دوجلاس أنَّه كتب رواية الرداء للإجابة على هذا السؤال من خلال الأدب: ما الذي حدث للجندي الروماني الذي فاز برداء المسيح في لعبة النرد؟ فينسج دوجلاس من هذا السؤال أحداث روايته التي تحولت لفيلم شهير من بطولة ريتشارد برتون، جين سيمونز، فيكتور ماتشور ومايكل ريني، مع دين جاغر، جاي روبنسون، ريتشارد بون، وجيف مورو وإخراج هنري كوستر.
أمَّا في رواية «بين روما وأورشليم» قدَّم الكاتب الانجليزي «شارل دانسكوم «سلسلة من الرسائل المتخيلة التي تكتبها «لافيتيا» ابنة أخي كلوديا زوجة بيلاطس البنطي الوالي الروماني الذي حكم على المسيح بالصلب. وقد ترجمها إلى العربية الدكتور عزت زكي ومن سطورها ما جاء على لسان أحد الجنود الرومان «لقد كان صلب هذا الإنسان شيئًا جديدًا –قاسيًا – رهيبًا لم أستطع أن اتحمله لا أقصد الظلام والزلزلة وما شابه هذه الظواهر الغريبة ولكني أقصد الرجل نفسه» ويبرر قرار بيلاطس بالصلب رغم اقتناعه براءة المصلوب فيقول «إن الإنسان في حكمه للمستعمرات ينبغي أن يكون واقعيًا حازمًا فهذه الطريقة التي تنجح مع هؤلاء فماذا يهم لو مات انسانٌ واحدٌ سواء كان بريئًا أم مذنبًا؟ ينبغي أن نضحي بكل شيء في سبيل عظمة دولتنا فبعد ان ينسي اسم هذا المدعو يسوع ستظل الامبراطورية الرومانية مزدهرة إلى الأبد»!
الصليب في الإبداع العربي
أما عن الصليب في الأدب العربي فقد تجلي في رواية مدهشة هي «قرية ظالمة» للمبدع الدكتور محمد كامل حسن، وتدور الرواية عن بيت المقدس — أورشليم كما يسميها اليهود — حين قرر اليهود من أبنائها صلب السيد المسيح، وإن لم يذكر الدكتور كامل في كتابه أن المسيح صلب بالفعل! مكتفيًا بأنَّ الدنيا أظلمت يوم قرر الحاكم الروماني تنفيذ قرار بنى إسرائيل بصلبه ويتساءل في الرواية قائلًا: «أتقتلون رجلًا يقول إن الله هو الحب تلك كلمة لا يقولها مجرم؟». ويرصد الكاتب «غريب دوحي» في دراسة له بعنوان «الصليب في الأدب العربي الحديث»، نماذج من استخدام شعراء عرب لرمز الصليب في قصائدهم فيقول إن الصليب أصبح منذ صلب المسيح رمزًا للفداء والتضحية ليس عند المسيحيين وحدهم بل رمزًا عالميًا يهم الإنسانية جمعاء لقد استمد الشاعر بدر شاكر السياب «1926-1964» رمز الصليب فيقول في قصيدة «العودة إلى جيكور»
من الذي يحمل عبء الصليب
في ذلك الليل الطويل الرهيب؟
من الذي يبكي ومَن يستجيب
للجائع العاري
مَن يُنزل المصلوب عن لوحه
من يرفع الظلماء عن صبعه؟
ويبدل الأشواك بالغار.
ولا يخرج عبد الوهاب البياتي «1926-1999» عن مسار السياب في ذكر مفردة «الصليب» في قصائده فهو أحد رواد الشعر الحديث ونجد في قصائده عمق الخواطر وحسن الذوق فهو شاعر المنفى العذب وفي أشعاره انتصار للقضايا الإنسانية الكبرى حتى أصبحت قصائده أغانٍ يتغنى بها الناس لذا فإنَّ الكلمات تزهر تحت قلمه، يقول في قصيدة له بعنوان «إلى عام 1975»
«وقال لي يسوع
بالأمس مر من هنا يسوع
صليبه: غصنان أخضران مزهران
عيناه كوكبان
طلعته حمامة، مشيته: أغان
بالأمس مر من هنا، فأزهر البستان
واستيقظ الأطفال، لا أحلى
وفي السماء، كانت نجوم الليل
كالأجراس كالصلبان
وقد وظَّف محمود درويش كثيرًا الصليب في قصائده ومن ذلك قوله الشهير «وطني لم يعطني حبي لك غير أخشاب صليبي».

روبير الفارس

* كاتب صحفي وروائي.
* صدر له أكثر من أربعين كتابًا بعضها في اللغة الإنجليزيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى