الهدى 1239 يناير 2022
بين المسيحية والأدب مساحة متسعة من رحابة الصدر وروعة الخيال الذي تجلي في إنتاج غزير بدا مبكرًا من خلال الأناجيل المنحولة أو الأبوكريفا والتي حاولت أن تسد الفراغ الذي نجم عن غياب التفاصيل في الأناجيل القانونية. فظهرت كتابات تُعرف بأناجيل الطفولة، تحكي عن طفولة العذراء مريم وطفولة المسيح.
ومع رفض الكنائس لهذه الكتابات واعترافها فقط بالأناجيل الأربعة ومحتويات العهد الجديد. تحولت تلك القصص إلى عالم أخر هو عالم الأدب وخاصة القصص التاريخيّة حيث تقول الكاتبة ليلي العاجب أن الإنسان أبدع في العديد من المجالات البصريّة، والسمعيّة، والحركيّة، واحتلّ الإبداع المكتوب والمقروء مكانةً خاصّة في الحضارات المختلفة بتنوّع لغاتها، وذلك لما يُقدّمه من صورة للحضارات القريبة والبعيدة والتي تُعبّر عن المجتمع في مراحل تطوّره المتعدّدة، وتُعدّ الرواية إحدى الأجناس الأدبيّة الكبرى في العالم الحديث بعد أن تطوّرت عن العديد من الأشكال الأدبيّة الأخرى كالحكي والقصّ الشعبيّ والأساطير. إنّ الرواية التاريخيّة هي من أشكال الرواية الحديثة التي تُعبّر بشكل أكثر مباشرة عن الواقع التاريخيّ ونقاط التحوّل لدى المجتمع والإنسان من خلال إعادة سرد التاريخ وإعمال خيال الروائي في الأحداث، ثمّ عادت لِتُكتب بالشكل الحديث بعد انتقال فنّ الرواية إلى اللغة العربيّة في القرن التاسع عشر. وتضيف ليلي العاجب أن العديد من النقاد وضع تعريفًا دقيقًا للرواية التاريخية، إلّا أنّ التعريفات الدقيقة في الدراسات الإبداعيّة والإنسانية بصفة عامة يُعدّ أمراً صعباً، لذا فقد جرى الاتفاق على أنّ الرواية التاريخيّة عمل فنيّ يتّخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفيّ له؛ حيث تحمل الرواية تصوّر الكاتب عن المرحلة التاريخيّة وتوظيفه لهذا التصوّر في التعبير عن المجتمع أو الإنسان في ذلك العصر، أو التعبير عن المجتمع في العصر الذي يعيشه الروائي ولكنه يتخّذ من التاريخ ذريعة وشكلاً مغايراً للحكي. والباحث في الأدب العالمي يكتشف وجود مئات القصص والروايات التي استندت علي شخصيات هامشيّة أو معاني إنسانيّة ذكرت في الأناجيل وحوَّلها الأدباء إلى شخصيات رئيسيّة ومحورية في ابداع مزج بين التاريخ والخيال والأدب الشعبي ومن بين الأعمال التي نالت شهرة واسعة نجد شخصية «باراباس»، وهو مجرم كان ينتظر تطبيق عقوبة الصلب ولكن الوالي الروماني بيلاطس الذي كان يحاكم المسيح قام بتخير اليهود بين صلب باراباس أم صلب المسيح؟ فاختار اليهود اطلاق سراح المجرم الذي أصبح بطلاً لأكثر من عمل أدبي لعل الأكثر شهرة منها هي رواية «باراباس» للكاتب السويدي «بارلاجير كفيست» والذي تتبع حياة باراباس بعد الافراج عنه وكيف تحول إلى المسيحيّة؛ وهناك شخصيّة قائد المائة الذي كسب رداء المسيح المنسوج من الكتان، وهي شخصيّة أصبحت ذات تأثير إبداعي ليصبح بطلاً لقصة «الرداء» للكاتب «لويد س. دوجلاس». وقال لويد دوجلاس أنه كتب رواية الرداء للإجابة على هذا السؤال من خلال الأدب: ما الذي حدث للجندي الروماني الذي فاز برداء المسيح في لعبة النرد؟ فينسج من هذا السؤال الرواية التي روت قصة تغير باراباس الذي نجا من الموت بفضل صلب المسيح بدلًا عنه، ومن ثم اهتداؤه هو ذاته للمسيحيّة، وتحولت الرواية لفيلم شهير من بطولة ريتشارد برتون، جين سيمونز، فيكتور ماتشور ومايكل ريني، مع دين جاغر، جاي روبنسون، ريتشارد بون، وجيف مورو واخراج هنري كوستر. وقَّدم دوجلاس رواية أخري بعنوان «الصياد الكبير»، لم تنل شهرة الرداء، خاصة في الأوساط العربية، والرواية تستوحي حياة تلميذ المسيح الشهير بطرس، وتبدأ بالصراع التاريخي بين سكان العربية وحكام الجليل من اليهود، ثم تستعرض حياة بطرس صياد الجليل وتحوله من صيد السمك لصيد الناس علي يد المسيح، وعلى الرغم من انكار بطرس للمسيح ثلاث مرات، ثم تبشيره بالمسيحية حتى صلبه منكس الرأس في روما أثناء حكم نيرون.
وبعيدًا عن الشخصيّات نجد المعاني الإنسانيّة لميلاد المسيح وأهمها الاهتمام بالفقراء حيث تظهر في رواية «ترنيمة عيد الميلاد» إحدى روايات الكاتب تشارلز ديكنز وكتبها عام 1843م، وتعد هذه الرواية من أشهر رواياته كذلك تعد الشخصيات الرئيسية في قصة «ترنيمة عيد الميلاد» ابن عزير سكروج، وعائلة كراتشيت وتاينى تيم وشبح مارلى وأرواح عيد الميلاد الثلاثة. والقصة تصور بطريقة مسرحية تحول ابن عزير من عجوز متذمر بخيل إلى شخص كريم دافئ القلب ودخلت كلمة «سكروج»، منذ ذلك الحين في اللغة الإنجليزية كمصطلح يصف البخيل. فسكروج يعتبر عيد الميلاد «هراء»، ويرفض أن يعتبره من الأعياد. تبدأ القصة مع الجملة ومات مارلي «مات كمسمار الباب» كما يقول المثل…
تُسلط الرواية الضوء على شريك جاكوب مارلي في المحاسبة «ابن عزير سكروج»، وتجري أحداث الرواية في ليلة عيد الميلاد وبذات في لندن مدينة الضباب حيث يعيش سكروج البخيل متنعم طروب بينما العديد من الفقراء يقاسون الأمرين. دعا أبن أخت سكروج خاله سكروج للانضمام إليهم في حفلة رأس عيد الميلاد إلا أنه أشاح بوجهه رافضًا، وراح يقول: «باه! هراء! كلام فارغ!»، وفي تلك الليلة المريبة وهي الليلة التي توفي فيها مارلي منذ سبعة أعوام. بقي سكروج حبيس بيته. زاره شبح صاحبه مارلي أكثر من مرة أتاه محذراً. ظهر كشبحٍ أمامه مكبلًا بسلاسل ثقال لأنَّه كان بينه وبين سكروج قاسمًا مشتركًا ألا وهو البخل لقد أضرَّ به البخل والشح المفرط.
أخبر شبح مارلي سكروج أن عليه أن يُغيّر من حياته. قال مارلي لشريكه بأنّ ثلاثة أرواح سيزورونه في ليلة عيد الميلاد وعليه أن ينتظرهم، وبعد أن سمع أجراس الكنيسة تدق ارتعدت فرائص سكروج من هذه الكلمات «أشباح يزورونه»، فهرع نحو سريره، ولم يستطع النوم إلا لحظة، أفاق بعدها وشاهد أمرًا عجيبًا، لقد حضر أمامه شبح الماضي، فارتعد عند رويته لهذا الشبح، بيد أنَّ الشبح قاده إلى طفولته في الماضي لكي يبصر بأم عينه كيف كان يؤثر المال ويحبه حبًا جمًا؟ فكان المال أعزّ عنده من صديقه، وفتاة تدعى «بيلّ» .تسلل الأسى إلى قلبه المنغلق، وطغت موجة من الحزن على وجهه. رده شبح الماضي إلى مضجعه، وغرق سكروج في سبات عميق.
وما أن أفاق من نومه حتى قضَّ مضجعه شبح الحاضر، وأظهر الشبح له حياة موظفه الفقير، «بوب كراتشت»، وهو يحتفل بعيد الميلاد في معية أسرته، برغم من أن وليمتهم كانت صغيرة وبسيطة ألّا أنّهم كانوا شكورين مقتنعين بما بين أيديهم. وقد علم سكروج في هذه اللحظة أنّ ابن «كراتشت»، «تيم الصغير» كسيح. تلاشى شبح الحاضر من أمامه كلمح البصر فيما راح يقترب منه طيف أخر مخيف لا تبدو ملامحه للعيان جلية، فجبينه قاتم تمامًا كجناح الغراب.
ومن قصص الأدب الشعبي المرتبطة بعيد الميلاد القصة الإنجليزية «شجرة الكريسماس المنحنية»، وتقول القصة: أنَّ حقلًا غُرست فيه أشجار الكريسماس، جاءت إليه حمامة تطلب من الأشجار أن تقيم عشاً بين أغصانها لتبيض، لكن الأشجار اعتذرت لها بأنَّ وجود العش فيها سيفسد منظرها ويفقد جمالها، فلن يقتنيها أحدٌ، أو يزينها بالأنوار في عيد الميلاد المجيد. بين كل الأشجار، وهنا نادت الحمامة من بين الأشجار وسألتها عن طلبها ورحبت بها. ففرحت الحمامة بالشجرة المحبة لإضافة الغرباء، والتي لم تطلب ما لنفسها بل ما هو لآخرين. سألتها الحمامة: «وما هو طلبك مقابل هذه الضيافة الكريمة؟» أجابت الشجرة: «وجودك بين أغصاني هو أجرتي، فإنني أجد راحتي فى راحة الآخرين»، ففرحت الحمامة وبدأت تقيم عشها بين أغصان تلك الشجرة. جاء الشتاء قارصاً جداً، فأحنت الشجرة الجزء العلوي منها في حنو لتحمي الحمامة وبيضها من البرد. وبقيت الشجرة منحنية حتى فقس البيض وكبر الحمام الصغير وطار. حاولت الشجرة أن ترفع الجزء العلوي منها لتكون مستقيمة، ولكن بعد هذه الفترة الطويلة لم يكن ممكناً أن تفعل ذلك، بل بقيت منحنية. حلَّ فصل ما قبل عيد الميلاد، وجاء التجار يقطعون أشجار الكريسماس، وكل تاجر يعبر بالشجرة المنحنية يرفض أن يشتريها، تألمت الشجرة جداً بسبب رفض كل التجار أن يقتنوها، فها هو عيد الميلاد أتى، وستتزين كل الأشجار أما هي فستبقى بلا زينة..! بدأت الشجرة تتساءل: «هل أخطأت حين انحنيت لأحمي الحمامة وبيضها؟» وكانت الإجابة في داخلها: «الحب الذي قدمته هو الزينة التي تفرح قلب مولود المزود. إنني لن أندم قط على عمل محبة صنعته». بعد أيام قليلة جاء رجل كان قد اشترى بيتاً حديثاً ويريد أن يغرس شجرة في حديقته. فمرّ هذا الرجل بالحقل فوجد أنه قد قُطع الجزء العلوي من كل أشجار الكريسماس ولم يبقَ سوى هذه الشجرة المنحنية. فأُعجب بها واشتراها، عندئذ اقتلعت هذه الشجرة بجذورها وغرست في الحديقة الأمامية للمنزل الجديد. قام الرجل بتزيين الشجرة ففرحت وتهللت. وإذ مر العيد جفت كل الأشجار المقطوعة وألقيت في القمامة، أما الشجرة المنحنية فبدأت جذورها تدب من جديد في الأرض الجديدة وتنمو على الدوام. وكان صاحبها يزينها في كل عيد للميلاد وفى كل مناسبة سعيدة. فكانت الشجرة تتغنى كل يوم بتسبحة المحبة وتختمها بعبارة: «المحبة لا تسقط أبداً»