الإصلاح … وجهة نظر
الهدى 1236 أكتوبر 2021
تقوم الكنيسة الإنجيليّة المُصلَّحة، وتستمد اسمها وكِيانها من «الإنجيل»، كلمة الله المقدسة، ومن «الإصلاح»، تلك الحركة التي انطلقت في نهاية العصور الوسطى، فأصلحت ما عاب الكنيسة وقتها، فانطلقت الكنيسة فتيّة عفيّة، وأطلقت شرارة النهضة الدينيّة والعلميّة والصناعيّة، التي عمَّت أوروبا والعالم.
إنَّ الكنيسة الحقيقيّة هي التي تحيا وفق الأسس والمبادئ الكتابيّة والتي تجعلها كنيسة، أي تلك الجماعة التي تلتزم بتعاليم ونموذج حياة المسيح في سعيها وراء القداسة، والحياة وفق كلمة الله، ودورها التبشيري والكرازي والرعوي تجاه ليس أعضاءها فقط، بل والمجتمع الخارجي.
وبنظرة فاحصة، على واقعنا العام، والمحلي في كنيستنا الإنجيليّة المشيخيّة المصرية، نجد أنَّ تغييرًا قد حدث في العقود الأخيرة للكنيسة، فقد انخفض الولاء، مقابل المسكونيّة، وانخفض الدور المحوري لتعاليم سيادة الله مقابل التعليم بحريّة الإنسان، وهكذا تغيَّر الكثير من مقومات الكنيسة الإنجيليّة التي كانت لوقتٍ قريب تُميَّزها عن غيرها من الكنائس الإنجيليّة في بلادنا، حتى أن أصواتًا بدأت تتعالى وتنادي بالإصلاح، وقد نجحت هذه الأصوات في إقرار السنودس بعقد اجتماع خاص بعنوان «سنودس الإصلاح»، لمناقشة بعض الأمور التي تحتاج فعلًا لإصلاحٍ، وربما حان الوقت للإصلاح الذي طال انتظاره للكنيسة.
لكن ما هو المقصود بالإصلاح، أو ما هو المطلوب والمتوقع من الإصلاح؟ هل نحتاج لإصلاح العقيدة، وهل نمارسها حقًا، أم نحتاج لإصلاح العبادة وممارساتها، هل نحتاج لإصلاح النظام الكنسي، أم لإصلاح الهيكل الإداري؟ ما هي الأزمة الحقيقيّة أو الوجودية التي حرَّكت تلك الأصوات الراغبة والمُطالبة بالإصلاح، هل هي أزمة روحيّة، أم أخلاقيّة؛ ماديّة أم معنويّة؟ وإن كُنت على يقين أنَّ السؤال الأهم هو ما هو المعيار الذي تسعى الكنيسة إلى إصلاحه أو استعادته.
يقوم الإصلاح أولًا، على المُصلح نفسه، فكيف يُصلح مَن يحتاج إلى إصلاحٍ؟!، وهكذا قبلما ينطلق لوثر في إصلاحه، واجه أزمته الروحيّة الوجوديّة وتعامل معها، وأصلح نفسه، ونال الخلاص، والحياة في المسيح، وعَرِف الكتاب المقدس، وحاجة الإنسان، فانطلق في حركته المُصلحة، فحقّق إصلاحًا ونهضة، وهكذا بقيّة المصلحين، فلابد من إدراك الإصلاح الشخصي في حياة المُصلِّح قبل أن ينطلق في حركته، أو مناداته بإصلاحٍ ربما هو نفسه في حاجةٍ إليه.
ثانيًا، القدرة على المواجهة، لقد واجه المُصلحون أزمات وتحديات كثيرة، منها التعليميّة، والسلوكيّة، ومنها الإداريّة، وقد اصطدموا بالمؤسسة، وفي حين أنَّهم لم يرغبوا في الانفصال عن تلك المؤسسة، لكنَّهم أدركوا ما كانوا يصبون إليه، وقد نجحوا في الوصول إليه، حتى وإن رُفِضوا من مؤسستهم القائمة آنذاك، فهل نتعلم من التاريخ، وننجح في إدراك الإصلاح دون إصابة المؤسسة الكنسيّة بشروخٍ وانفصالات قد أصابتها في الماضي.
يجب أن نُدرِك أنَّ الإصلاح نهجٌ عميق الجذور، يقوم على فهم لاهوتي، يُدرِكُ الأسس والمبادئ الكتابيّة، ويرى السياق المجتمعي والواقع الروحي والاجتماعي لمجتمع الكنيسة وما يحيط بها، فينتهج برنامجًا طموحًا ثابت الخطى والخطة، مرنًا في مواجهة التحديات والأزمات، شاملًا لكل جوانب العمليّة الكنسيّة.
«إنَّ النقد والمراجعة الموضوعيّة الهادفة، البناءة الإيجابية، ضرورةٌ مُلِّحة، لاتخاذ خطوة جريئة نحو الإصلاح، كما يلزم أن يُصاحب عمليِّة النقد مزيداً من الصدق والصراحة والشفافيِّة، والجرأة، والإقدام، تقود إلى تحمل المسؤولية، وتحقق الاعتراف بالأخطاء، والقدرة على مواجهتها وتصحيحها.
ولأن الإصلاح حركة وليس تاريخاً جامداً، فلا نهاية لإصلاح الكنيسة، ولا يعيبها أن تُصلِح من ذاتها، لأنَّه في كل عصرٍ تحتاج الكنيسة لفحص رسالتها، ذاتها، رؤيتها في ضوء كلمة الله، من جانب، وفي ضوء المتغيرات من جانبٍ أخر، وعلى الكنيسة الآن أن تواجه أسئلة وتحديات ما بعد الحداثة، وأن تواجه موجات الإلحاد، وأن تُجيب عن هذه الأسئلة في عقيدتها وعبادتها، ونظام إدارتها، ولا تنسى الكنيسة أنها مِلح للأرض ونور للعالم».