قيامة المسيح ركيزة الرجاء
الهدى 1220 أبريل 2020
يتبادر إلى ذهن البعض سؤال: هل القيامة عقيدة جديدة؟ هل برزت هذه العقيدة بعد أن قام المسيح من الموت؟ الجواب: كلا، عقيدة القيامة لم تكن جديدة. ولم تأتِ مع المسيح. فاليونانيون آمنوا منذ القديم بعقيدة خلود النفس وعدم قابليتها للموت.
كما أنَّ جماعة الفريسيين من اليهود آمنوا بالقيامة. وقد عبّرت عن هذه العقيدة مرتا، عند موت أخيها لعازر، قائلة للرب يسوع المسيح: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ». (يوحنا 11: 24).
فما هو الجديد إذًا حول القيامة الذي أتت به المسيحيّة؟ الجواب: الحقيقة الجديدة هي، أنه بعد أن كانت القيامة مؤسسة في الماضي على عقيدة آمن بها البعض، أصبحت بعد قيامة المسيح مؤسسة على شخص مات وقام. فالديانة الوحيدة التي تؤمن بإله مات وقام، هي المسيحية. قيامة المسيح، أصبحت ركيزة الرجاء المسيحي، والسند اللاهوتي لإيمان المؤمنين المسيحيين بالقيامة من الموت. يخبرنا البشير يوحنا، أنه خلال حوار المسيح مع مرثا حول قيامة أخيها لعازر. فإنه عندما قالت مرتا ليسوع أن اخيها سيقوم في القيامة في اليوم الاخير، أجابها قائلا لها: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا ». (يوحنا 11: 25).
يخبرنا البشير يوحنا، أنه وقبل أن يسلّم المسيح للصلب، وحين كان يعدّ تلاميذه لتقبّل خبر موته وقيامته وصعوده الى السماء، قال لهم: «بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ». (يوحنا 14: 19). وبقوله هذا، أعلن المسيح مسبقا لتلاميذه الذين أحبوه وآمنوا به، عن قيامته من الموت الى الحياة إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ». وفي نفس الوقت، ربط بين استعادته للحياة واستعادتهم للحياة، بين قيامته وقيامتهم.
قال اللاهوتي الإنجيلي يورجن مولتمان: «إن قيامة المسيح هي احتجاج الله على الألم والموت، بل هي جواب الله على معضلة الألم الموت». فالرسول بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس، وصف هول تأثير الموت على حياتنا. فالموت يهزّ كياننا ويزلّزل أعماقنا. اعتبر بولس الموت، شوكة تنخر حياتنا. كما اعتبره، عدو الإنسان الأخير، الذي سيبطله الله في النهاية «آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ» (1كورنثوس 15: 26). لكن، إذا ما اعتبر بولس الموت بأنه العدو الاخير، فالعكس هو صحيح أيضا، أن قيامة المسيح ومعه رجاء القيامة، هي عدوّة الموت الأولى. ان انتصار المسيح على الموت وسحقه اياه بالقيامة. كان سبب شعور الرسول بولس بالانتصار والفرح والتهليل والتمجيد، لهذا صرخ بولس في وجه الموت قائلا له: « أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ » (1كورنثوس 15: 55). فبقيامة المسيح، شهدنا بداية هزيمة الموت، بداية الثمار الأولى للقيامة. هذا ما أكّد عليه الرسول بولس حين شبّه قيامة المسيح بباكورة الراقدين، اذ قال: وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ». (1كورنثوس 15: 20). وفكرة «الباكورة» مأخوذة من العهد القديم. والباكورة، هي الثمار الاولى التي تنضج في الحقل، بانتظار أن تنضج باقي الأثمار عندما يحين وقت الحصاد. فانه حين وصل الشعب العبري الى أرض الموعد، طلب الله منهم أن يقدّموا له باكورة غلتهم من الأرض، تعبيرًا عن شكرهم له (عدد 28: 26). وبالتالي، يستخدم بولس فكرة الباكورة ليقول، بأن قيامة المسيح، هي الباكورة، هي الثمار الأولى، هي افتتاح زمن القيامة، بانتظار أن تنضج باقي ثمار الحقل عندما يحين يوم الحصاد. ونضوج باقي الأثمار، يعني حلول يوم القيامة الأخير، حين يهزم الله الموت الهزيمة النهائية، ويقوم جميع الراقدين في الرب على رجاء القيامة، ليكونوا مع المسيح في كل حين.
بهذه الكلمات المعزّية طمأن الرسول بولس، أعضاء كنيسة كورنثوس. كما أنه كرّر نفس الوعد بالقيامة، بكلمات واضحة في رسالته الثانية إليهم، إذ قال لهم عَالِمِينَ أَنَّ الَّذِي أَقَامَ الرَّبَّ يَسُوعَ سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ، وَيُحْضِرُنَا مَعَكُمْ (2كورنثوس 4: 14). وبكلمات مشابهة أكّد بولس أيضا لأعضاء كنيسة رومية، بأن روح الله الذي أقام المسيح من الموت، سيقيمهم أيضا من الموت إذا ما كان ساكنا فيهم، وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ. (رومية 8: 11). ضمن هذا السياق يعلن اللاهوتي مولتمان قائلًا: «قيامة المسيح وضعت أسس مملكة الحياة من الموت، وفتحت أبواب المستقبل للحياة. فقيامة المسيح لا تشير فقط الى عظمة الحدث، لكنها تشير الى أبعد من ذلك. تشير الى اليوم الأخير الذي سيحقّق الله انتصاره الأخير على قوة الشر والموت ويزيلهما… فليس للموت الكلمة الاخيرة في فكر ومملكة الله، وإنما للحياة».
في كتابه «suffering and hope» «الألم والرجاء»، يدوّن الكاتب الهولندي جون باكر، اختباره المؤلم أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث شهد وشاهد الكثير من المآسي والآلام والجرحى والقتلى. ففي اختباره الشخصي للألم الذي تعرّض له من الحكم النازي، وهو قد نقل من هولندا الى برلين حيث أمضى فترة في معسكرات الاعتقال وأجبر على القيام بالأعمال الشاقة. يذكر الكاتب قائلًا: (لم يكن قصف الطيران المرعب هو الذي ترك الأثر الاكبر في حياتي. وانما اليأس المطلق الذي ساد عليّ بعد عودتي من برلين. وبالتالي، فان كتابي «الألم والرجاء» هو اختباري الشخصي للألم، وفي نفس الوقت اختباري الشخصي، للرجاء الذي استمدّيته من ايماني بقيامة المسيح من الموت). فالرجاء المسيحي بحسب رأي الكاتب، يتضمن ثلاثة مكونات : ركيزة، آفاق، وهدف.
أ-ركيزة الرجاء المسيحي، هو يسوع المسيح المصلوب والقائم من الموت.
ب- آفاق الرجاء المسيحي، حلول ملكوت الله، الذي رأينا بدايته بقيامة المسيح.
ج- هدف الرجاء المسيحي، مساعدة المؤمنين والمؤمنات ومنحهم الصبر والشجاعة والقوة، لمواجهة الالآم والصعوبات والأحزان، التي نواجهها في حياتنا الحاضرة.
تحمّل الرسول بولس في سبيل ايمانه بالمسيح، الكثير من الآلام والاضطهادات والصعوبات. وفي وسط صعوباته قال: «لماذا نخاطر نحن كل ساعة؟ أني بافتخاركم الذي لي في يسوع المسيح ربنا، أموت كل يوم». لماذا نخاطر نحن كل ساعة؟ يتابع قائلًا «اني بافتخاركم الذي لي في يسوع المسيح ربنا أموت كل يوم. قد حاربت وحوشا في أفسس فما المنفعة لي؟ فقد آمن بولس أن الرجاء يجب أن يتجاوز الظروف الحاضرة المرئية، الى ما وراء الحاضر غير المرئي، الى رجاء القيامة المستمدة من قيامة المسيح من الموت. فالإيمان، بحسب كاتب سفر العبرانيين، وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى (عبرانيين 11: 1).
فالاكتفاء بالنظر الى الحاضر يجعل من عيشتنا عيشة شقاء وبؤس، لكن قيامة المسيح الباكورة، ورجاء قيامتنا مع المسيح في اليوم الأخير، هو الذي يمنحنا الرجاء والعزاء والصبر والقوة والشجاعة للاستمرار وسط صعوبات الحياة. آمين.