الروحانية الإنجيلية

الروحانية والآباء والإصلاح الإنجيلي

الهدى 1256 – 1259                                                                                                       مايو – أغسطس 2024

الروحانية والآباء والإصلاح الإنجيلي، إذا ما سألت أحدهم عما هي الروحانية في عصرنا الحالي، ففي الأغلب ستتلقى ردًا من اثنين: إما أنّ الروحانية عفا عليها الزمن فإنسان هذا العصر يتميز بالدنيوية، أو أنّ الروحانية هي في كل مكان حولنا، فالناس يرفعون شعارات دينية في كل مكان وفي كل حديث، يمكنك أن تجد الملصقات والمعلقات الدينية في البيوت والشوارع والسيارات وغيرها. ففي أي لقاء في مجتمعاتنا نجد المتحدث في البداية يبدأ بذكر بعض الكلمات التي تعبر عن روحانية هذا المجتمع. فهل الروحانية عفا عليها الزمن أم أنها تشكل عقلية مجتمعاتنا طيلة الوقت؟ خلال تاريخ المسيحية، برزت تفسيرات وتصورات متنوعة للروحانية المسيحية، انعكست في تعاليم آباء الكنيسة والمصلحين الأولين. فحتى وقت قريب كانت كلمة الروحانية تستخدم للتعبير عن التقوى، كتعبير عن اتجاه القلب من نحو الله، وما ينعكس من هذا الاتجاه من ممارسات مثل الصلاة والصوم والشركة مع الله وغيرها. وبعض التعاليم الروحانية على مدار تاريخ الكنيسة بدأت من الأديرة وتحركت نحو الكنيسة. وفي العقود الأخيرة تطورت المجتمعات، وبالأخص الغربية منها، إلى انتشار الإلحاد والبعد عن الله واتجهت العلوم المدرسية إلى تجاهل الله الخالق. ولذلك فمن الواجب أن تؤدي مثل هذه التطورات بالكنيسة إلى التواضع وفحص الذات والتفكير: هل الروحانية التي نمثلها ونعلنها روحانية حية حقيقية؟ هل يظهر فينا حضور المسيح وثمره؟ في الواقع، ما هي الروحانية الكتابية الحقيقية؟ وكيف نشارك تلك الروحانية مع أعضاء كنيستنا ونستكمل مسار المسيحيين السابقين ونشهد بها أيضًا لغير المسيحيين؟

يعطي أليستر ماكجراث التعريف الأساسي التالي لـ «الروحانية»: “تتعلق الروحانية بالسعي نحو حياة دينية حقيقية، تتضمن الجمع بين الأفكار المميزة لذلك الدين والتجربة الكاملة للعيش على أساس هذا الدين وضمنه”[1]. ويستكمل ماكجراث تعريفه للروحانية المسيحية على أنها (1) مجموعة من المعتقدات (ملخصة في عقائد المسيحية)؛ (2) مجموعة من القيم (تنبع من اللقاء الشخصي مع يسوع المسيح وتجسد شخصيته)؛ (3) أسلوب حياة (التعبير عن المعتقدات المسيحية والقيم المسيحية وتجسيدها في الممارسة المسيحية. توضح ساندرا شنايدرز أنّ: “الروحانية المسيحية تحدد أفق القيمة القصوى كما كشف الله الثالوث في يسوع المسيح الذي يشهد له الكتاب المقدس بشكل معياري والذي يجري إيصال حياته إلى المؤمن بواسطة الروح القدس مما يجعله ابنًا لله. هذه [هي] الحياة الجديدة التي يسميها بولس «الحياة في الروح»”[2]

لا تعارض الروحانية المسيحية بين الأمور الروحية والمادية أو الجسدية؛ في المصطلحات الكتابية في العهد الجديد الأمور الروحية (Pneumatikos) تعني «تحت تأثير الروح القدس» ولا تتناقض مع عالم «الجسد» (السوما – أو الجسم المادي) ولكن مع عالم «الجسد» (الساركس – أي الطبيعة الإنسانية التي تتميز بالفساد من بعد سقوط الإنسان) والتي تشمل رغباته الأنانية. وبالتالي، يريد هؤلاء العلماء تجنب كل اقتراحات الثنائية والإصرار على أن الروحانية تشمل الحياة بأكملها بشكل صحيح. إن أصل الروحانية هو البذرة التي زرعها الروح وسقاها، وثمرتها تشمل الحياة البشرية بأكملها. تاريخيًا، كانت النظرة إلى الروحانية بين حركات المسيحيين متنوعة. هناك روحانية الكنيسة المبكرة، التي نجد بداياتها في الكتاب المقدس. كانت روحانية آباء الصحراء هي البقاء بعيدًا عن العالم والتركيز على الله. كانت روحانية الأديرة والكنائس في الشرق والغرب تتميز بالجماعية بينما أدى التّحرر في الغرب إلى روحانية النزعة الفردية الإنسانيّة. بعد ذلك بقليل انطلق الإصلاح الإنجيلي ونشأت أشكال جديدة من الروحانية في الكنيسة البروتستانتية على نقيض التقاليد الرومانية الكاثوليكية.

عند بزوغ فجر حركات التنوير والعصر الحديث، تأثرت الروحانية المسيحية بالتطورات الحادثة في المجتمع العلماني. حدثت هذه الأشكال المختلفة من الروحانيات واحدة تلو الأخرى، ولكن أُضيفت أشكال جديدة من الروحانية إلى الأشكال الحالية للروحانية. هذا يفسر سبب وجود مثل هذه المجموعة المتنوعة من الروحانيات اليوم، وكلها دعيت «مسيحية». وإذا ما تتبعنا مفاهيم الروحانية بين الشرق والغرب منذ بدأ المسيحية وإلى الآن سنجد اختلافًا بين كثيرٍ من آباء الكنيسة، وهو الأمر الذي لا يسعنا تقديمه بشكل كامل في هذا السياق. ولكن بأكثر تلخيصًا كان الرجال والنساء في العصور المبكرة في المسيحية يرغبون في ممارسة إيمانهم والتواجد في محضر الله. وقد كانت سمات الروحانية تتمثل في التشابك بين تفسير الكتاب المقدس، وتحديات الفلسفة المعاصرة، وبين التأمل الصوفي من ناحية أخرى، في بعض الأحيان هذه الأمور التي أدت إلى قيادة المؤمنين بطريقة رعوية ليعيشوا حياة مسيحية عملية داخل الكنيسة، وأحيانًا خارج حدودها.

الروحانية الشرقية والغربية لها جذور مشتركة في العقيدة وأخلاقيات الآباء وفي أسلوب الحياة الرهباني. بينما ركزت الروحانية الشرقية على أفكار التأله والتسامي للمؤمن، ركزت الروحانية الغربية على الموت الكفاري للمسيح الترضية التي أنجزها بموته وقيامته. وفي خلال العصور الوسطى خُلِقَ عديدٌ من النظم الروحانية المختلفة التي تعتمد على الكتابات الآبائية والنصوص القديمة في القرون الأولى للمسيحية. كانت روحانية العصور الوسطى خافتة، لكنها لم تكن مظلمة. واصلت الحركات الشرقية نفس الحراك اللاهوتي وتعاليم التصوف الذي طورته في الكنيسة المبكرة. وفي العالم الغربي كان لاهوت أوغسطينوس مصدرًا رئيسًا لعلماء اللاهوت اللاحقين في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. كان بعضهم أقرب إلى أوغسطينوس في رفضه للبيلاجية منه إلى العقيدة شبه البيلاجية لكنيستهم.

كانت الروحانية الرومانية الكاثوليكية في تلك القرون الصعبة تدور حول المبنى ورجال الدين واحتفالات الكنيسة. تغذى الجوع الروحي للجماهير جزئيًا من قبل الرعاة الروحيين، الذين جلبوا صليب المسيح وتواضعه بالقرب من خرافهم. ولذلك فقد كانت روحانية تلك الفترة تدور حول طقوس الكنيسة، وعلى الشعب المسيحي أن يتلقى ما تقدمه له الكنيسة ممثلة في رجال الدين. ولا يوجد لديهم أية وسيلة أخرى لفهم كيف يقتربون إلى الله بمفردهم بمعزل عن طقوس الكنيسة. ولكن عند بداية الإصلاح الإنجيلي، أعاد المصلحون نظر الكنيسة إلى الروحانية من وجهة نظر كلمة الله وليس التقاليد المسيحية المتفرقة، مناقضين فلسفة معلمي اللاهوت المدرسي الكاثوليكيّة، وتأثيرات الرهبنة والتصوف من جهة أخرى. ولكن القوة الجديدة لكلمة الله كانت وسيلة الروح لخلق وتغذية الحياة الروحية. من ناحية أخرى، أدان الإصلاح أيضًا أشكال الروحانية لمعيدي المعمودية Anabaptist التي تظاهرت بأنها تلقت إعلانات من الروح بمعزل عن الكتاب المقدس.

في بداية الإصلاح أيضًا، رُفضت جميع أشكال تقوى/ روحانيّة العصور الوسطى التي عززت التطهرات الطقسية والأعمال الجيدة كوسيلة للاقتراب من الله. وبدلاً من التدريب مدى الحياة لتسلق سلم التقوى، عدّ الإصلاح الاتحاد مع المسيح، من خلال الإيمان الحقيقي البسيط هو قلب التقوى، وابتهج بحصاد غلة هذا الإيمان: التقديس، ويقين الخلاص، وإرشاد الروح القدس كعطايا من الروح القدس. كانت رسالة الإصلاح التبرير بالإيمان وحده. كما رفض المصلحين روحانية الإنسانيين، أي معلمين الكنيسة الذين يجعلون الإنسان مركز الكون، مثل إيرازموس (1467-1536)، حيث لعبت الإرادة الحرة للإنسان وتدريباته الروحية الدور الأساسي ليعيش حياة فاضلة. كما رفض المصلحين جهود الإصلاح العكسي لهم داخل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لاستعادة التقوى. على الرغم من أن مؤسس الحركة اليسوعية، إغناطيوس دي لويولا (1491-1566)، علم أتباعه التركيز على تصور خطايا المرء وعمل المسيح، إلا أن المصلحين رفضوا مثل هذه الخيالات والتدريبات الروحية التي يرافقها عمل روح الإنسان وليس الروح القدس. اعترف الإصلاح بالخلاص بالنعمة وحدها.

الروحانية الشرقية (التأله) والإصلاح

لم تغب كلمة “التأله” أو مشتقاتها من كتابات الآباء في القرون الأولى للمسيحية، على الرغم من كونها كانت تشير إلى أن المؤمنين أصبحوا أبناء لله. وبناء عليه أوضح آباء الكنيسة في التقليد اليوناني واللاتيني معنى الشركة مع الله وكيف يصبح الإنسان شريكًا في الطبيعة الإلهية (2بط 1: 4). فمنهم من مال إلى شرح هذا المفهوم في ضوء ارتقاء الطبيعة البشرية واكتسابها صفات إلهية وذلك من خلال الامتلاء بالطاقات الإلهية المنبعثة من الجوهر الإلهي، ومنهم من حدد هذه المشاركة في الطبيعة الإلهية في الصفات الأدبية والأخلاقية لله ومشاركته في نشر الخلاص والكرازة. ومن بعد القرن الخامس بدأت في الظهور كلمة التأله باعتبارها عقيدة أصيلة إلى أن وصلت في صميم الليتورجية الشرقية البيزنطية في القرن الرابع عشر. واتفقت مع بعض التحفظات الكنائس الأخرى التقليدية مع عقيدة التأله بشقيها. وصارت جزءًا أساسيًا، بل وأحيانًا وحيدًا في فهم تلك الكنائس للخلاص، باعتباره هو الهدف الأول من تجسد الابن سواء كان قد أخطأ الإنسان أم لا.

ولكن في المفهوم المُصلح لا تستخدم هذه المصطلحات إلا في نطاق التقديس؛ مرحلة عمل الروح القدس في المفديين المبررين بنعمة الله ليكونوا مشابهين صورة الابن. ولذلك يختلف المصلحون مع اللاهوت الشرقي في مفهوم النعمة المخلصة ومفهوم الخلاص بوصفه نعمة مجانية وموقف قضائي في الأصل أمام الله ومنه ينتج كل هذه البركات في معاينة الله والتمتع ببركة حضوره الذي يبارك المؤمنين في الأقداس السماوية. ويختلف أيضًا المصلحون في التوجه الصوفي والنسكي في العبادة مع التوجه الشرقي. لأن العبادة هي في الأساس عبادة عاقلة وواعية (رو12: 1- 2) ومبنية على فهم واعٍ للكتاب المقدس. ويتضح الخلاف الجذري في هذه العقيدة بين الإصلاح والفكر الشرقي على تركيز الأخير على ما يسميه الإصلاح التقديس وخلطه بالتبرير القضائي. مما يجعل الخلاص هو بناء على الإيمان والأعمال وليس بناء على الإيمان وحده.

مارتن لوثر

تظهر روحانية المصلح مارتن لوثر في جميع كتاباته. نصفها هنا باستخدام أربع كلمات رئيسية: الحرية والوصية والإيمان والمحبة.

الحرية: ربما يمكننا أن ننظر بشكل أفضل في مرآة قلبه في كتابه: “عن حرية المسيحي” (1520). الذي في بدايته يقول مبدأين مهمين: 1) المسيحي هو رجل حر تمامًا، سيد الجميع، لا يخضع لأي شيء؛ 2) المسيحي هو رجل مطيع تمامًا، خادم للجميع، خاضع للجميع. يصف هذا الصراع داخل المسيحي بين الإنسان القديم والجديد. توجد الحرية الحقيقية فقط في الكلمة المكتوبة وفي الكلمة المتجسد.

الوصية: أفلا تحرم وصايا الله المسيحي من حريته؟ يقول لوثر إن الوصايا تخبرنا ما هي الأعمال الصالحة التي يطلبها الله. لكنها لا تعطي القوة لحفظها. من المفترض أن تعلمنا عجزنا، حتى نشك في أنفسنا. لا يمكنهم أن تجلب لنا البر أمام الله. عد لوثر الشريعة ضرورية لإعداد القلب للإنجيل.

الإيمان: الإيمان بالمسيح يكرم الله لأنه يعده جديرًا بالثقة؛ إنه يتحد مع المسيح كما تتشبث العروس بعريسها، وبالتالي يحصل على جزء من ممتلكاته. هذه هي «المبادلة الجميلة» يقول لوثر: “لذلك، أخي العزيز، تعلم المسيح وصليبه؛ تعلم أن تصلي له يائسًا من نفسك، قائلاً “أنت يا رب يسوع بري وأنا خطيئتك. لقد أخذت على نفسك ما لا تريده، وأعطيتني ما لست أنا عليه.”

المحبة: يحتاج المؤمن إلى مسيحيين آخرين، وبالتالي يتبع المسيح في المحبة. هذه المحبة تجعل المسيحي يخدم جيرانه بحرية وسعادة. يعيش من أجل المسيح. يعيش من أجل جاره من خلال خدمة الحب. هذه هي الحرية المسيحية الحقيقية. ويرى لوثر أن أبرز الوسائط لاكتساب الروحيات هي المعمودية المقدسة، الليتورجيات الجماعية، العشاء الرباني، التأمل، والصلاة.

جون كالفن[3]

لا نعرف سوى القليل عن روحانية كالفن الشخصية، في صياغة صريحة منه. لم يكن يحب التحدث عن حياته الشخصية. في مقدمة تعليقه على المزامير يقول إن تحوله كان مفاجئًا جدًا. في مئات من عظاته، يخبر خمس مرات فقط عن شيء شخصي. ومع ذلك، فإن ختمه هو اعتراف شخصي الذي يقول فيه: “قلبي أقدمه لك ربي، بحزم وإخلاص”، على الرغم من أنّ كالفن تحدث بطريقة غير مباشرة عن تجربته، إلا أننا نكتشف أن روحانيته كانت عميقة جدًا. عادة ما يكتب «نحن»، متضمنًا نفسه.

نقطة انطلاق كالفن اللاهوتية هي الكتاب المقدس. كلمة الله تخلق فينا خبرة. فهو يؤكد صدق الكلمة. كتب كالڤن عن وجود المسيح في عشاء الرب: “لا أخجل أن أعترف أنه لغز مرتفع لا يستوعبه عقلي ولا تعبِّر عنه كلماتي؛ ولكي أتكلم بمزيد من الوضوح، أشعر به بدلًا من أن أفهمه.”[4] لم يعرف كالفن أي تصوف ولم يشر إليه، وكثيرًا ما جادل أن التجربة الفردية أو الاختبار الشخصي يجب أن يُضبط بكلمة الله، ولا يمكن أن تمر التجربة الفردية على شركة القديسين لامتحانها. يعرف كالفن التقوى على أنها: ذاك الوقار المقترن بمحبة الله، الذي تسببه معرفة منافعه.” [5] فالتقوى الحقيقية تتمثل أوّلًا في محبة الله والتوكل عليه كأب، وثانيًا في محبة الله والسير أمامه في خوف وقداسة. وعلى العكس، يحذر كالفن مرارًا وتكرارًا وبجدية من الأشكال المختلفة للتقوى الزائفة التي تتجاوز الحدود التي وضعتها كلمة الله.

ذكر كالفن باستمرار أن التقوى هي ثمرة الروح القدس في الخطأة. فالتقوى تعمل في التبرير والتقديس. فالناموس دوره ليس فقط لقيادة الخاطئ إلى الفادي، ولكن أيضًا يعمل كدليل في حياة المؤمن ليجعل في قلبه الامتنان تجاه الله. فالحياة الجديدة، بالنسبة لكالڤن، تنمو في إنكار الذات، وحمل الصليب، والتأمل في رجائنا المسيحي، واستخدام الحياة الحالية لمجد الله. كل هذا يجب أن يمارس في حياة الصلاة.

مقارنة بين روحانية لوثر وكالفن

هناك كثير من القواسم المشتركة بين روحانية كلا المصلحين. بالنسبة لكليهما، الخلاص مسألة نعمة خالصة، والتبرير بالإيمان هو العنصر الرئيس للإيمان. ومع ذلك، هناك اختلافات. يتحدث لوثر أكثر في المصطلحات الكريستولوجية (أي المتعلقة بطبيعة المسيح)، ويتحدث كالفن أكثر في المصطلحات الثالوثية، خاصة في إعطاء الروح القدس مكان وكيل التقوى. لأن التبرير عند لوثر مرتبط ارتباط وثيق بالتقديس، بينما يعطي كالفن التقديس مكانًا أكثر استقلالية وتطورًا في لاهوته.

يعد أهم الاختلافات بينهم في شرح استخدامات أو وظائف الناموس. يبني لوثر فكره اللاهوتي بالتفريق بين «الناموس – الإنجيل»، الذي يكون فيه الناموس وظيفة اكتشاف الخطية التي تقود الخطأة إلى المسيح. ومما لا شك فيه أن كالفن يعطي الناموس الوظيفة نفسها، لكنه أيضًا يعطي الوصايا مكانا مهمًا للنمو في حياة التقديس. يتمسك كالفن بالوظيفتين معًا ففي المسيح تبررنا أمام الله دون الناموس، ولكن كمؤمنين نحتاج للناموس لكي ننمو في حياة القداسة، شاكرين الله وممتنين أنه أظهر لنا ما يرضيه في كلمته المقدسة. ولذلك خلاصة القول فيما سبق أن الإصلاح أعاد الكنيسة والروحانية إلى كلمة الله ضد تقليد القرون الوسطى (Sola Scriptura). اعترف الإصلاح بالخلاص بالنعمة وحدها (Sola Gratia). الأعمال الجيدة ليس لها دور في التبرير، ولكن في حياة التقديس. كانت الرسالة الأساسية للإصلاح هي التبرير بالإيمان وحده (Sola Fide). بالنسبة للمصلحين، فبرغم أن التقوى مسألة شخصية جدًا إلا إنها بالنسبة لهم أمرًا كنسيًا أيضًا: تًفعَّل التقوى وتُعزَّز من خلال الوعظ بالكلمة والأسرار، ونتمتع بها في شركة القديسين. توضح الاعترافات وإقرارات الإيمان ماهية العقيدة الحقيقية والتقوى الحية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] Alister. E. McGrath, Christian Spirituality, an Introduction, 2.

[2] Sandra. M. Schneiders, ‘Approaches to the Study of Christian Spirituality’, 17.

[3] Gerard H. Wassink, SPIRITUALITY FROM REFORMED PERSPECTIVE, Lectures of MINTS Studies.

[4] Calvin, Institutes, IV, 17, 32.8. Source: www.ccel.org.

[5] Calvin, Institutes, I, 2, 1.

أ. مينا وجيه

* أستاذ الدراسات الكتابيّة واللغة اليونانية في كليّة نيوجينيفا للاهوت.
* حاصل على درجة الماجستير الرعويّ (MDiv) من كلية نيوجينيفا.
* يدرس حاليًا درجة الماجستير (ThM) في كلية يونيون للاهوت. ودرجة الدكتوراه في الخدمة (DMin) في كلية نيوجينيفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى