الروحانية الإنجيلية

قراءة في كتاب الروحانية الجذور والثمار

الهدى 1256 – 1259                                                                                                       مايو – أغسطس 2024

غلاف كتاب الروحانية الجذور والثمار
غلاف كتاب الروحانية الجذور والثمار

اندفع القس مكرم نجيب للكتابة عن الروحانيَّة الإنجيليّة وهو مهمومًا بالحفاظ على جمالها الكتابيّ، وملامحها الأصيلة، محاولاً نفض الأتربة وتقطيب النّدوب في وجهها الرّائع، وقد فعل ذلك في الفصل الأوَّل من خلال البحث عن الأسس والمبادئ الكتابيَّة واللّاهوتيَّة في فكرنا الإنجيليّ المُصلَح كجذور وأساس لروحانيّتنا، وفي الفصل الثّاني قدَّم في إيجاز المصادر والمخاطر راصدًا الاختراقات التي شوَّهت الروحانيَّة، بل قدَّمت روحانيَّات خطرة، أما في الفصل الثّالث أبرز الكاتب جمال وجه الروحانيَّة الإنجيليّة لنتأملها ونعيشها بنقاء وفاعليَّة.

 

الفصل الأوَّل: الأسس والمبادئ اللّاهوتيَّة للفِكر الإنجيليّ

الأساس الأوَّل: الكنيسة والإصلاح المستمر

إنّ حركة الإصلاح في الكنيسة حركة ديناميكيَّة وليست جامدة. بمعنى أنّ الكنيسة تعيد التّشكيل باستمرار، فهي تُصلِح نفسها دائمًا. والحياة المسيحيّة رحلة إيمان مباركة، سياحة رائعة لا نصل فيها إلى الكمال أبدًا. فالكنيسة تواصل الإصلاح باستمرار من خلال تمسّكها بهذه القناعة، فتتوقف لتُعيد قراءة كلمة اللّه المقدّسة في نور المضمون الثّابت والقوالب المتغيّرة. يقول هاني يوسف في ذلك: “إنّ مبدأ ديمومة الإصلاح يعني حماية الكنيسة من التّجمد الذي يمكن أن يجعلها تظن أنّها امتلكت النّعمة، فتفقد ماهيتها التي تكمن في أن تشهد للنّعمة. وبكلمات أخرى، إن هذا المبدأ يعني حماية الكنيسة من الوقوع في براثن الوثنيّة العِقديَّة”.[1]

الأساس الثّاني: الكنيسة وكلمة الله

الأسفار المقدَّسة الموحى بها هي الأساس للعقيدة والحياة المسيحيَّة. وعلى هذا الأساس وُضِعَ أكثر من مبدأ:

الأوَّل، الكنيسة تحيا بكلمة الله وتموت إذا ابتعدت عنها.

الثّاني، الكتاب المقدَّس يُفهم من المركز والمفتاح الذي هو شخص المسيح، ومن هنا جاء مبدأ قارنين الرُّوحيَّات بالرُّوحيَّات. أي الكتاب المقدَّس يفسر نفسه.

الثّالث، سمو سلطان الكتاب المقدَّس، فهو وحده الدّستور للإيمان والأعمال. أما التّقليد الكنسيّ وأقوال الآباء المكتوبة والشّفوية فلا ينكرها الفكر المُصلح، لكنه يدرسها ويقدِّر قيمتها التّاريخيَّة واللّاهوتيَّة، ويرى أن بعضها يتوافق مع تعليم الكتاب المقدَّس ويفسره، ولكنه لا يتمّمه.

الرّابع، حق كلّ مؤمن في قراءة وتفسير الكتاب المقدَّس. وهذه الحقيقة واجهت حصريَّة قراءة وملكيَّة وحمل كلمة الله على الكهنة لتصبح رسالة الله الحيَّة تخاطب أرواح واحتياجات جميع المؤمنين وليس الكهنة فقط. ومن هنا جاءت ترجمة الكتاب المقدس إلى آلاف اللّغات واللّهجات في كل بقاع العالم. وبالطّبع هذه الحقيقة لا تنكر امتياز العلماء والمختصين ودورهم في الدّراسة والتّفكير ووضع المراجع المساعدة لإرشاد المؤمنين.

الأساس الثّالث: الكنيسة ومفهوم الخلاص بالنّعمة وبالإيمان

خلاص الإنسان وتمتّعه بالحياة الجديدة هو عمل روح الله فيه في الحاضر بيقينيَّة أن هذه الحياة الجديدة تمتد إلى حياة أخرى في السّماء في المستقبل. هذا الخلاص وهذه الحياة هي نعمة من الله وتتطلّب الإيمان من الإنسان لكي ينالها.[2] فالخلاص لا يستند على عمل الإنسان، بل كليّة إلى موت المسيح وقيامته نيابة عن البشريَّة. وبذلك تكون الأعمال الصَّالحة في الحياة الجديدة هي ثمر للإيمان والنِّعمة. وعلى هذا الأساس نحو مدعوين للتّركيز على المناداة بالخبر السَّار عن حياة المسيح وموته وقيامته.

الأساس الرَّابع: الكنيسة ومفهوم كهنوت جميع المؤمنين

يعتبر كهنوت جميع المؤمنين أحد الأسس المحوريَّة في الفكر المُصلَح، وتنبع منه وتدور حوله عديدٌ من المبادئ مثل:

  • استنادًا على الكتاب المقدَّس، ألغى الإصلاح فكرة الكهنوت الخاصّ في الكنيسة، مؤكِّدًا أنها شريعة أعطاها الله لموسى لتكون رمزًا إلى ذبيحة المسيح الكاملة والكافية، وعندما جاء المسيح المرموز إليه أبطل الرَّمز (عب 10: 11-14) وأصبح من حق كل مؤمن أن يتقدَّم إلى الله دون وساطة على أساس إيمانه بعمل المسيح ومن حق الكنيسة معًا أن تقدم لله الذّبائح الرُّوحيَّة في العبادة والحياة والخدمة.
  • على هذا المبدأ تأسست فكرة الديمقراطيَّة المنظّمة في الكنيسة الإنجيليّة. في إطار النِّظام الذي وضعه الرُّسل في الكنيسة وكنظام وضعه الإصلاح ليكون من طبيعته إمكانية التّطوير بما يتلاءم مع المكان والبيئة والعصر مع الإبقاء والمحافظة على جوهر فكرة النِّظام. بشرط أن يكون النِّظام وسيلةً لامتداد الرِّسالة وانطلاق الكنيسة.
  • الكنيسة جسد المسيح الواحد، المتعدِّد والمتنوع الأعضاء والمواهب. فالكنيسة ككل هي الكاهن تُمارس وحدتها وتعمّق سلامها وتؤدي دورها في تنوع وتكامل. فشعب الرّب معًا يشكلون كهنوتًا ملوكيًا (1 بط 2: 9).

الأساس الخامس: الكنيسة ومفهوم الرَّجاء

الرَّجاء مرتبط بالإيمان بالله والثِّقة في ثمار حياة وموت وقيامة يسوع من أجلنا القادر على إقامة الأموات وإعطاء الحياة الجديدة، وهو نفس الإيمان الذي يتطلع لمجيء المسيح الثّاني. رجاء الإيمان بيوم وغدٍ أفضل. فنحن نواجه معاناة الحاضر ومآسيه وصراعاته وأمراضه وتقدّمه بقوة الرَّجاء في الحاضر بنوره في المستقبل.

الأساس السَّادس: الكنيسة وحريَّة الفكر والضَّمير

جاء الإصلاح بنور حريَّة الفكر والضَّمير على أساس كلمة الله الصَّالحة، ونادى هذا الأساس بالقيم الإيجابيَّة في كل جوانب الحياة، وخاصة الحريَّة المسؤولة والواعية في الرَّأي والتَّعبير والعقيدة.

الأساس السَّابع: الكنيسة والحضارة والدَّولة

الكنيسة تلبس حضارة المكان ولغته وثقافته، وتتفاعل معها وتتجسّد فيها وتتحاور وتصحِّح وتقبل وترفض، لكنها لا تنعزل عن قضايا مجتمعها ولا وطنية أرضها وترابها. فالفكر الإنجيليّ يدعو للمعاصرة والانتماء للوطن والأرض والجذور والمشاركة مع القضايا والمشكلات على أساس ثابت من عقيدتيّ الخلق والفداء في الإيمان المسيحي. فالكنيسة تنفتح لتتجسّد في الحضارة وتنفتح للحوار مع الآخر مع الحفاظ على هويتها ودعوتها وإرساليتها. كما ينادي الفكر الإنجيليّ المصلح بضرورة التّمايز بين الكنيسة والدّولة، بمعنى رفض أن تكون الدّولة دولةً دينيَّةً، بل دولةً سياسيَّةً ومجتمعًا مدنيّ الطَّابع. أي أن يكون الدِّين ملهمًا للقيم، وليس حاكمًا متسلطًا بالقهر، بل داعيًا ودافعًا للمشاركة الإيجابيَّة في تغيير الحياة والمجتمع للأفضل.

الفصل الثَّاني: المصادر والمخاطر

بعد عرض الأسس التي تميز فكرنا الكتابيّ واللّاهوتيّ يحاول الكاتب في هذا الفصل رصد المصادر والأخطار المحيطة، تلك التي خلقت كثيرًا من التّشوهات عبر التّاريخ الكنسيّ. لندرك تسلل هذه الأخطار إلى الروحانيَّة الكتابيَّة.

المصدر الأوَّل: روحانيَّة الحرفيَّة التَّشريعيَّة الجامدة

تتوقف هذه الروحانيَّة عند ظاهر النَّصّ الكتابيّ، تتمسك بحرفيَّة النَّصّ بلا مراعاة لقرينته وخلفيته التّاريخيَّة، ولا سياقه وبيئته، ولا تدرك أن لكل فكر عالمًا وعصرًا. كذلك لا تضع في الحسبان حقيقة تطوّر وتدرّج الإعلان، وهكذا تأخذ النُّصوص والآيات مستقلة ومنفصلة، بلا تمييز بين ما هو مرتبط بالخليقة الجديدة في المسيح وبين التَّطبيقات الخاصة ببيئة معينة وحضارة خاصَّة.

   انتجت روحانيَّة الحرفيَّة الجامدة كثيرًا من الجمود والتَّحجر الفكريّ في داخل المجتمع الكنسيّ، كما يمكننا أن نرى حجم التَّشويش في التَّركيز على الأخرويَّات فيما يتعلق بالمُلك الألفي، وعودة اليهود إلى فلسطين والتَّفسير الحرفيّ للنّبوات، والذين خلطوا بين الفكر اليهوديّ والمسيحيّ، بين الدِّين والسّياسة.

المصدر الثَّاني: روحانيَّة الفكر الأفلاطونيّ

تلك الروحانيَّة التي تميّز بين المادة والرُّوح، فكل ما هو مادة أو جسد شرّ، وكلّ روح خير. لذلك فأهم ما في الإنسان روحه التي ستخلص وتذهب إلى السّماء. ولا قيمة لشيء هنا في الحياة الحاضرة. لا قيمة للجسد أو المادة أو المال أو الفكر أو الحضارة أو الفنون، لأنها شريرة. وحقّروا من الجنس في العلاقة الزّوجيّة، وقلّلوا من قيمة العلوم الطبيعيّة ونتائج اكتشافاتها، ومن الاندماج في المجتمع وقضاياه. وبدلاً من أن يستوعب المسيحيون المفهوم المسيحيّ الذي ينادي بإخضاع كل هذه الأمور لسيادة الرّب يسوع الكاملة تأثروا بهذه الأفكار ومارسوا هذا الفصل بين ما هو مادي وما هو روحي، وصنَّفوا بعضهم إلى مؤمن جسديّ، ومؤمن روحيّ.

المصدر الثَّالث: روحانيَّة البيوريتان

البيوريتان فرقة نشأت في القرن الـ 17سميت بالجناح الايسر للإصلاح، وتطرّفت كثيرًا عن فكر لوثر وكالفن في بعض الجوانب، فقد نادوا بالفصل بين ملكوت الله والعالم ولا مجال للمصالحة بينهما لدرجة أنّ بعضهم اعتبر أنّ الدَّولة تعمل مع الشّيطان وأنّ الإيمان المسيحيّ يتعارض ومطالب الدّولة، والمؤمنين غرباء وعليهم الانفصال عن العالم الشّرير ورفض الخدمة العسكريَّة. وكذلك رفضوا معموديَّة الأطفال ونادوا بعموديَّة الكبار مَن لهم اختبار إيمان بالمسيح. والعشاء الرّباني للمُعمَّدين فقط. وتحريم لبس الذّهب والقَسم والطّلاق. هذا اللّون من الروحانيَّة نستطيع أن نرى ظلاله واضحة حولنا حتَّى الآن.

المصدر الرَّابع: روحانيَّة الخمسينيَّة الجديدة

هي روحانيَّة العلامات الخارجيَّة، والاختبارات الشَّخصيَّة، ولا تهتم بالمحتوى والمضمون، وتقلِّل من قدر التَّعليم والعقيدة على حساب العاطفة والاختبار. وبالطّبع نجد أنّ العلامات الخارجيَّة والاختبارات الشَّخصيَّة، خادعة يمكن أن يستخدمها أي إنسان حتَّى الشَّيطان الذي يمكن أن يظهر في صورة ملاك. كما أن الاختبارات الشَّخصيَّة مختلفة ومتغيّرة باختلاف الشَّخصيَّات. كذلك لا يمكن أن تعمم كقاعدة أو تُعلَّم كفكر. عندما يغيب التَّعليم يظهر الاتجاه الفرديّ والقدريّ، الغيبيّ والأسطوريّ وتظهر حِدَّة الاختلاف كنتيجةٍ لاختلاف الاختبارات والعلامات.

المصدر الخامس: الروحانيَّة السُّوبر الجديدة

اخذت هذه الروحانيَّة نقطة انطلاقتها من الإصحاحين الأوَّل والثَّاني من الرِّسالة الأولى إلى كورنثوس، وتصورت أنّ بولس يهاجم المعرفة والحكمة والعقل على الإطلاق، ولم تدرك ما كان يهاجمه بولس من اتجاه غنوسيّ وهو الخلاص بالمعرفة، والحكمة الإنسانيّة العقلانيّة المجرَّدة التي تدعو إلى انتفاخ العقل الإنسانيّ واستقلاله عن الله. نتيجة لهذا التَّصور، أصبح الحوار الفكريّ اتجاهًا غير روحيّ. وسارت في نفس طريق تحقير الجسد، والاستغراق فيما هو مثير وغير عادي.

الفصل الثَّالث: الملامح والسِّمات

نصل في هذا الفصل إلى بيت القصيد، حيث يقدم الكاتب الملامح الأصيلة للروحانيَّة الإنجيليَّة يقدمها في نقائها وجمالها ويضعها في النِّقاط التَّالية:

  • الرُّوحانيَّة الإنجيليَّة مركزها شخص وعمل المسيح. تبدأ بقبوله في القلب والإيمان الشَّخصيّ بكفاية عمله. فنقبل عمله الكامل وخلاصه الشَّامل في الماضي والحاضر والمستقبل. (في 2: 12، 1: 6) يصفها بولس “الحياة في المسيح” وتصفها الأناجيل “إتِّباع المسيح” وكاتب العبرانيين “سياحة المسيحيّ” وفيها تتشكَّل حياة المؤمن على مثال المسيح، فيتصوَّر المسيح فينا يومًا بعد الآخر بالإيمان والمحبَّة.
  • الرُّوحانيَّة الإنجيليَّة تؤكد عمل نعمة الله في كل رحلة الإنسان على الأرض، تبدأ بالتَّبرير وغفران الخطايا بقبول الرَّب يسوع وحتَّى النِّهاية. يعيش المؤمن حالة من الامتنان الدَّائم لعمل نعمة الله التي شملته، إنها روحانيَّة النِّعمة والشُّكر تتميَّز هذه الرِّحلة بالنّمو والنّضوج إلى ملء المسيح بعمل الرُّوح القدس. وهذه الحياة النَّامية الممتلئة بالرّوح، تُظهر عمليًا روح المسيح الذي يثمر ثماره في الحياة في كل ثمر الرّوح. إنّها رحلة حياة لا يطفأ أو يحزن فيها الرّوح القدس، بل يُعطي عطاياه ومواهبه للمنفعة أي حسب الاحتياج.
  • الرُّوحانيَّة بهذا المفهوم عمل نعمة الله داخل القلب الإنسانيّ يثمر سلوكًا عمليًا خارجيًا. إنها نعمة القداسة، والقداسة في المفهوم الإنجيليّ جهاد وصراع يوميّ (تدريب والتزام) نحو الغَلَبة. روحانيَّة قداسة تتطلب توبة مستمرة على مستوى الفرد والجماعة، روحانيَّة موت للخطيَّة وعن الخطيَّة وحياة لله في المسيح. (رو 6: 11) روحانيَّة الصَّليب الذي نحمله كل يوم خلف المسيح، بقوة المسيح المصلوب، وحياة الرّب المقام، وانتصار الرّوح القدس. روحانيَّة إيمان ورجاء تعيش صراع الواقع ولا تؤمن بالحلول السّهلة السّريعة، بل تتّجه إلى التّدرج الطّبيعيّ في حياة النّضوج في استعداد دائم لدفع الثّمن. روحانيَّة لا تؤمن بأن حياة الإيمان محصّنة ضدّ الألم والمشكلات والضّيقات، وقوّة الغلبة فيها من خلال النِّعمة. روحانيَّة تؤمن بأن الله أيضًا يؤمن بنا، ولذلك دعانا إلى حياة قيامة منتصرة نحياها هنا والآن ليس فقط ننتظر كمالها في المستقبل الأبديّ.
  • هذه الرُّوحانيَّة لها عدّة صور، فبعض يراها في صورة قديس، أو محارب، أو خادم. أما بالنّسبة للإنجيليين فاهتموا بصورة السّائح، والتي تعني أنّ الحياة رحلة إيمان مباركة لا نستطيع أن نزعم فيها أنّنا قد بلغنا الهدف، لذلك نتجه دائمًا إلى الأمام في اكتشاف آفاقٍ جديدةٍ من خلال المعرفة الأعمق لحكمة الله (أف 3: 10).
  • تؤمن الرُّوحانيَّة الإنجيليّة بعقيدة الخلق كما تؤمن بعقيدة الفداء، فترى خلقية الله حسنة جدًا وفداء الله يشمل الإنسان كله الذي أصبح للمسيح روحًا وجسدًا. وتؤمن بسيادة المسيح على العالم والمادة، وبدعوة الله لنا في العالم لنكون جزءًا من مجتمعنا وحضارتنا وقضايانا. والإنسان يعيش العالم الحاضر على ضوء إيمانه بالأبديَّة. والإنسان مخلوق على صورة الله مسؤول عن قراراته وحياته، حرّ بحقوق وواجبات. مدعو مع الكنيسة لحماية الطبيعة وصنع السّلام والخير والجمال في العالم، مدعو للوقوف بجوار الفقير والجائع والمنسحق والمطحون واليتيم والمظلوم ومن خلال الإيمان بأنّ العلوم والآداب والفنون عطيّة من عطايا الله لخير وارتقاء الإنسان.
  • الرُّوحانيَّة الإنجيليّة تؤمن أنّ الكنيسة هي مجتمع الرّب الجديد، وشركة القديسين الواحدة التي يندمج ويتحد فيها كل الأعضاء في تكامل وتفرد. والكنيسة في العالم وفي المسيح لها الولاء القوي للوطن، ولها الولاء المطلق للرَّب يسوع. والكنيسة ككل هي الكاهن فهي تصون وحدتها وسلامها وتمارس خدمتها ودورها كجماعة واحدة.
  • الروحانيَّة الإنجيليّة تؤمن بالعبادة في الرّوح والحق. فالعبادة الحيَّة المشبعة المتكاملة التي هي احتفال بهيج بالرَّب المقام ووقار خاشع أمام الرّب القدّوس في الصّلاة والتّسبيح والتّعليم. لا العبادة الجامدة المقفرة، بل الاستمتاع بتمجيد الرّب. العبادة التي تربط الفكر والحياة، حتى تغير الحياة على ضوء كلمة الله. العبادة اليابسة تحدث فقر روحيّ، والعبادة العاطفيّة دون أساس فكريّ لا تغير. تؤمن بحريّة الرّوح القدس في إطار التّعليم، وتؤمن بالصّلاة كشركة مع الآب المحب، وكتفكير مسؤول يجمع القول والفعل والتّعبد والحياة والخدمة المبدعة والمثمرة.
  • الروحانيَّة الإنجيليّة تدعو إلى المواجهة بالفكر والاقناع، وبالحُّب. هي دعوة للتّوازن والاعتدال تجمع الفكر والسّلوك العقل والعاطفة، الرّوح والجسد، أو المادة، والصّلاة والتّخطيط، الكرازة والتّغيير الاجتماعيّ والملكوت الأبديّ والعالم المتغير، الفرد والجماعة، ومقتضيات العلم ومقومات الإنسان الرّوحيَّة. التّوازن الذي يصنع الإنسان الجديد المعاصر الذي يجمع بين حياة التّقوى الدَّاخليَّة التي تنبع من حياة الصَّلاة، وحياة الخدمة العمليَّة التي تضمِّد جراح العالم. التَّوازن الذي يضع الإنسان في مكانه الصَّحيح، لأنه يرى الله أولاً في مكانه الصَّحيح.
  • الرُّوحانيَّة الإنجيليّة تدعو الوّعاظ لإبراز المبادئ والاسس اللّاهوتيَّة والملامح الرُّوحيَّة والسِّمات في حياة الكنيسة عن طريق منبر يستطيع أن يربط بين الكلمة في عمقها وغناها وبين العصر ومشكلاته واحتياجاته. وينعكس هذا كله على حياته هو فيؤثر بعفويَّة وصدق وقدوة على السّامعين. تدعو المنبر أن يقدِّم كل عناصر الإنجيل، وكل جوانب وحقائق الإيمان المسيحي، حتى نربي شعبًا قادرًا على التّمييز والغربلة والانتقاء بدلاً من السّطحيّة والضّياع.
  • الرُّوحانيَّة الإنجيليّة أسلوب تفكير وأسلوب حياة يتغلغل حياة الشَّخص والكنيسة في كل وقت ومكان، إنَّها روحانيَّة العيون المفتوحة والعقول الواعية والرُّكب السَّاجدة، التي تتجه إلى الهدف في إصلاح دائم وتغيير مستمر، ورحلة لا تتوقف نحو نهضة متجدِّدة وتنمية شاملة.

أخيرًا، هذا العرض لا يتركنا كما نحن في هدوئنا وسلامنا المزيّف، بل يُخرجنا من أماكن راحتنا ويجعلنا لا نكف عن إعادة التّفكير في روحانيَّتنا بعمق لنتأكد من نقائها ومطابقتها للرُّوحانيَّة الإنجيليَّة.

الحواشي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] هاني يوسف، الإصلاح ماضٍ ومستقبل، في محاضرات في الإصلاح الإنجيليّ، تحرير وجيه يوسف (القاهرة: كليّة اللّاهوت الإنجيليّة، 2017)، 17.

[2] نختلف مع الكاتب في هذه النّقطة، فبحسب كلمة الله في رسالة أفسس 2: 8 “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.” يُشدِّد الوحي على لسان بولس الرسول أنّ الإيمان هو عطيَّة الله وليس عملًا اجتهاديًّا يُثاب عليه الإنسان، وهو ما أكدته أيضًا كلمة الله في الرّسالة إلى فيليبي 1: 29 “لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ.” إذ يتَّضح أنَّ الإيمان بالمسيح والألم لأجل المسيح هبة من الله. كما أن النّعمة لو طلبت عملًا في المقابل، تخلو من كونها نعمة وتصبح استحقاقًا، وهو نفس ما عاد الكاتب ليؤكده في جملته التَّالية. (المًحَرِّر).

القس بيتر نادي

* ماجستير اللاهوت والرعاية كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 2016م،
* خريج كليّة الزراعة 2009م.
* يرعى الكنيسة الإنجيليّة في داقوف-سمالوط. المنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى