العبادة والموسيقى الكنسيّة
الهدى 1260 – 1263 سبتمبر – ديسمبر 2024
مشكلة عزف الموسيقى في الكنيسة المحلية. أعتقد أن 08 % من نجاح فترة التسبيح يعتمد على العازف، وليس المرنم، وذلك لأنَّ عزف الموسيقى أثناء الترنيم هو العنصر الأساسي الذي يشجع العابد على المشاركة في العبادة.
يحدثنا الكتاب المقدس عن عزف الموسيقى في العبادة، ويشجعنا عليها إذ يقول: «احْمَدُوا الرَّبَّ بِالْعُودِ. بِرَبَابَةٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ رَنِّمُوا لَهُ. 3غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. أَحْسِنُوا الْعَزْفَ بِهُتَافٍ.» (مزمور 33: 2، 3)، يوصينا المرنم بالروح القدس باتقان العزف وإجادته، لأنه يقدم للرب الإله ملك الملوك. إذًا فمن الضروري عزف الموسيقى لأنها تضيف جمالًا على الترنيم، فلو كانت الموسيقى صحيحة، استطاع المرنم أن يؤدي لحن الترنيمة بشكل جيد، أما في حالة وجود أخطاء موسيقية، فهذا يعطيك شعورًا بعدم الارتياح والانزعاج، وهنا عدم وجودها سيكون هو الخيار الأفضل في هذه الحالة. أما عزف الموسيقى الصحيحة، سيضيف على الترنيم رونقًا وجمالًا.
إن عزف الموسيقى أمرٌ صعبٌ جدًا، وليس سهلًا أبدًا، والدليل على ذلك، أنك ستجد عدد العازفين في كل كنيسة قليل جدًا، وكثيرون يحاولون تعلَّم العزف، وقليلون ينجحون، ومن بين الذين نجحوا في تعلم العزف ستجد القليل منهم ماهرين، لماذا؟ لأن الموسيقى صعبة، واتقانها صعب، وتحتاج إلى كثيرٍ من المجهود والتدريب. يحتاج العازف على الأقل إلى ساعة يوميًا للتدرب على آلته الموسيقية.
تنقسم الموسيقى إلى نوعين رئيسيين، الموسيقى الغربية والشرقية، وليس الفرق بينهما بسيط للأسف، وبسبب الاختلاف الكبير بينهما تجد العازف يميل إلى إحداهما دون الأخرى، فتجد عازف الموسيقى الغربية لا يحب الموسيقى الشرقية ولا يجيد عزفها، والعكس. والمشكلة هنا أن الكنيسة تحتاج إلى كليهما، وترنم كليهما. لذا أشجع العازفين دائمًا على اتقان كليهما، وهذا ليس أمر مستحيلًا.
مشكلة الموسيقى الشرقية هي احتواءها على نغمات تسمى في لغة الموسيقى (نصف بيمول) وباللغة الشعبية في الموسيقى تسمى (سيكا) وهي التي تميز المقامات الشرقية، مثل الرست، والبياتي، والصبى، والسيكا هزام، وغيرهم. يحتاج العازف إلى دراسة هذه المقامات دراسة جيدة، حتى يستطيع أن يعزف الترانيم الشرقية بشكل صحيح. وطبعًا الآلات الشرقية هي التي تحتوي على هذه النغمات مثل (العود ـــــ الناي ـــ القانون ـــ الكاوله ـــ الربابه ـــ الكمان)، لكن البيانو والجيتار هي آلات غربية، الكمان هي سيدة الآلات الغربية والشرقية على حد سواء.
أما الأورج فهو عبارة عن جهاز الكتروني يقوم بتقليد أصوات الآلات الموسيقية، وطبعًا الأصل هو الأجمل، بمعنى أنك إذا قارنت صوت البيانو المصنوع من الخشب الذي يحتوي على أوتار، مع صوت البيانو على الأورج، فستجد أن البيانو الحقيقي هو الأجمل والأفضل على الإطلاق، لكن أهمية الأورج تكمن في كونه جهاز إلكتروني يقلد جميع الآلات بشكل جيد، وكلما زادت إمكانياته في التقليد، كلما زاد سعره، وأيضًأ كلما كانت أصواته أنقى وأفضل وأقرب للآلة الحقيقية كلما زاد سعره، وأقبل العازفون على شراءه.
نوع الأورج: عندما يفكر مجلس الكنيسة المحلية في شراء أورج يجد نفسه أمام عدة أنواع من الأورجات، وأسعار مختلفة. سوف أشارك حضراتكم بوجهة نظري في هذا الأمر. توجد أورجات غربية فقط، وأورجات أخرى تجمع بين الإثنين (الشرقي والغربي) من وجهة نظري الأفضل هو الأورج الذي يجمع بين الاثنين بالطبع. وبهذا أستطيع القول أن أنسب أورج للكنائس هو الياماها 3000، أو الياماها 5000. وذلك لأنه يجمع بين الموسيقى الغربية والشرقية أيضًا، ولأن شركة ياماها تنتج موديل يحتمل العزف عليه لسنوات، فهو أورج عملي جدًا. وذات جودة عالية في الأصوات والايقاعات. الأورج المنافس لهذا الموديل حاليًا هو الكورج 700. ولكن مشكلته أنه (تاتش سكرين)، وهذا يجعله مناسب للاستخدام الشخصي وليس للكنائس التي بها عدة عازفين. (هذه وجهة نظر شخصية) لذا أرشح لمجلس الكنيسة شراء ياماها 3000 بشدة، لكن للأسف نظرًا لارتفاع الأسعار بشكل رهيب، فهو حاليًا يترواح سعره بين 50 ألف جنيه مصري، إلى 65 ألف، ونادر جدًا أن تجده جديد بالكرتونة، بل ستجده بلغة السوق (كسر زيرو). سعر الياماها 5000 حاليًا يصل لـ 90 ألف جنيه، فهو مرتفع جدًا، وهو أيضًا (تاتش سكرين).
للأسف أجد أن بعض الموسيقيين في الكنائس يعزفون المقامات الشرقية التي لا تحتوي على النغمات الشرقية التي تميز الألحان الشرقية (النصف بيمول)، فهم يعزفون المقامات التي لا تحتوي على هذه، مثل (مقام الكورد، والعجم، والنهاوند، وأحيانًا الحجاز)، ويتجنبون الترانيم ذات النغمات الشرقية (النصف بيمول)، لأنهم لا يحبونها أو لا يجيدونها. وهذا يُحدُّنا في مجموعة ترانيم معينة، وأنا لا أحبذ ذلك، لأن التنوع في الألحان والموسيقى أمر هامٌ وضروري، فيجب ترنيم كل الألوان الموسيقية الغربية منها والشرقية. وعلى العازفين أن يجتهدوا في إتقان عزف كل الألحان.
ملحوظة: (موسيقى الطرب أغلبها تحتوي على نغمات «النصف بيمول»، مثل أغاني أم كلثوم وعبد الحليم، وذلك لأن الأمر مرتبط بالمقام الموسيقي الذي اختاره الملحن لتلحين الأغنية عليه، وغالبًا تحتوي الأغنية على أكثر من مقام موسيقي، أي أن الملحن يتنقل بين المقامات دون أن تشعر بالفارق، فهي ألحان ثرية جدًا)
أما الموسيقى الغربية فهي تنقسم إلى سلالم كبيرة «ميجور» وسلالم صغيرة «مينور»، ومن أجمل ألحان الموسيقى الغربية هي ألحان ترانيم نظم المزامير، والتي تحتوي على تنوع هائل في الألحان، وهي ألحان عالمية، ولكن بسبب عدم وجود عازف أو وعي موسيقي في كنائس القرى، فأصبح الشعب يرنمها بشكل بطيءٍ جدًا جدًا، مما أفقدها جمالها، وجعل الشباب لا يحبونها، ويُطلقون على كتابها اسم (كتاب الوزارة). وهذه تسمية خاطئة، لا يجب ذكرها، لأن كتاب نظم المزامير هو كلمة الله المرنمة، فلا يجب التقليل منه. لكن المهم في الأمر هو الاحتياج الملح لتسجيل ترانيم نظم المزامير بالنوتة الموسيقية، بشكل مناسب مما يجعل الشباب يسمعونها ويحبونها، بل ويحفظونها أيضًا، ثم يرنمونها في كنائسنا أيضًا.
توجد طريقتين في تعلم الموسيقى: الطريقة الأولى هي طريقة السماعي، وهي ببساطة محاولة العازف أن يتوصل للحن الترنيمة دون مساعدة من أحد، معتمدًا فقط على أذنه الموسيقية في اكتشاف اللحن، بمعنى أنه يقوم بالبحث عن كل جملة موسيقية، أي أنه يحاول أن يصل إلى الجملة الموسيقية الصحيحة، فيقوم بالعزف بشكل خاطيء عدة مرات متتالية إلى أن يصل إلى الجملة الصحيحة، فهو يبحث عنها في الأوكتاف، وعندما يصل إلى اللحن الصحيح يستطيع تمييز صحة الجملة الموسيقية باستخدام أذنه الموسيقية. هذه الطريقة في التعلم عملية جدًا، وهي الطريقة التي أعزف بها منذ عدة سنوات، لكن هذه الطريقة بها نقطة ضعف قاتلة، إذ أنها تفترض معرفة العازف مسبقًا بلحن الترنيمة، فإذا لم يكن قد سمعها قبلًا، وحفظ لحنها، فلن يستطيع عزفها أبدًا. وبالتالي يجب على من يعزفون بطريقة السماعي، أن يسمعون ألحانَ كَمٍّ هائلٍ من الترانيم، كي يتمكنوا من عزفها. ويجب عليهم أيضًا تعلم النوتة الموسيقية.
الطريقة الثانية في تعلم الموسيقى هي النوتة الموسيقية، وهي الطريقة الأكاديمية في العزف. إذ يستطيع العازف آداء اللحن الموسيقي من أول مرة، بمجرد النظر إلى العلامات الموسيقية الموجودة على النوتة، لكن أيضًا يحتاج إلى التدرب على اللحن قبل عزفه، لكن ما أحوجنا إلى وجود شباب يجيدون النوتة الموسيقية، فهي سبيلنا الوحيد لعزف وترنيم نظم المزامير بطريقة صحيحة.
مشكلة الخبرة في العزف: وهي مشكلة ثلاثية الأبعاد (الطبقة الصوتية – السرعة – الهندسة الصوتية)، وإليكم شرحهم:
الطبقة الصوتية: كلمة تون هي كلمة إنجليزية ومعناها نغمة، فيجب على العازف أن يعزف على طبقة صوتية مناسبة للمرنم. إذ يمكن عزف الترنيمة الواحدة على 12 طبقة صوتية مختلفة، (وهو نفس عدد النغمات في السلم الموسيقي الواحد) فإذا كانت الطبقة الصوتية التي اختارها العازف منخفضة سيشعر المرنم والجمهور بالاختناق، وإذا كانت عالية جدًا ستشعر بالضغط على الأحبال الصوتية، لذا يجب أن تكون الطبقة الصوتية متوسطة. ويختلف الأمر بين الرجال والسيدات، فالطبقة الرجالي أعلى بدرجة موسيقية كاملة من الطبقة الصوتية لدى السيدات بشكل عام. ولكن هذه ليست قاعدة، فكل مرنم له الطبقة الصوتية التي تناسبه وتناسب طبيعة حنجرته.
السرعة: يجب أن تكون السرعة مناسبة للحن الترنيمة، ولكن كيف تعرف أن الترنيمة سريعة أو بطيئة؟ بكل بساطة من سرعة نطق الكلام، فإذا كنت تنطق الكلام بسرعة، فالعازف قام بتسريع الترنيمة مما أفقد اللحن جماله، وإذا كانت السرعة بطيئة جعل الترنيمة بدون حيوية. لذا فكل لحن له سرعته المناسبة للمرنم وللجمهور أيضًا.
الهندسة الصوتية: يجب على كل من يقود فترة العبادة، أن يتواجدوا في الكنيسة مبكرًا بنصف ساعة تقريبًا، حتى يتمكنون من ضبط الصوت ووضع الآلات بشكل مناسب على المنبر أو تحت المنبر، وضبط الصوت بين الموسيقى والمرنمين، ويجب أن يكون أعلى صوت هو صوت المرنم، أو الفريق، يليه مباشرة صوت الآلة التي تحتوي على نغمات، ثم أخيرًا صوت الإيقاع، سواءً كان هذا الإيقاع (درامز أو إيقاع الأورج). ويجب أن يكون مستوى الصوت العام أعلى بشكل بسيط من مستوى صوت الشعب، فلو كان عاليًا جدًا، سوف يعاني الشعب من ارتفاع الصوت ولا يشارك في الترنيم. ولو كان منخفضًا جدًا، لن يستطيع الشعب سماع المرنم والآلات الموسيقية، لذا فيجب ضبط الصوت مناسبًا، وذلك لأن عدم ضبط الصوت تكون نتيجته هو فشل فترة الترنيم، إذ أن مقياس نجاح فترة التسبيح هو اشتراك الشعب في العبادة والتسبيح، وصوتهم المسموع، ولو حدث غير ذلك لفشلت فترة التسبيح.
خاتمة: بشكل عام القضية هنا هي قضية تدريب. يحتاج الموسيقيون والمرنمون جميعًا إلى التدريب المستمر، فيجب على المرنم أن يقوم بالتدريب مع العازف قبل أن يأتي موعد الخدمة، ويجب على العازفين أن يتدربوا باستمرار ولا يتوقفوا أبدًا عن التدريب، يتدرب العازف تدريبًا منفردًا، ويتدرب العازفون تدريبًا جماعيًا، ويتدرب المرنمون مع العازفين في كل كنيسة محلية باستمرار، ولا يُستثنى أحدٌ من هذا الأمر مهما كانت مهارته وخبرته.