القيامة والصعودقضايا وملفاتملفات دينية

إقامة لعازر .. النموذج الأول للقيامة

الهدى 1231                                                                                                                                    مايو 2021

يخبرنا البشير يوحنا أنَّ لعازر، أخو مرثا ومريم العائلة التي كانت قريبة من المسيح، قد مرض مرضًا شديدًا. فأرسلت الأختان وراء صديقهما يسوع لكي يأتي ويشفيه. لكن يسوع كان في قرية أخرى. وقد تأخر، فمات لعازر ودفن في القبر. وبعد أربعة أيام من موته، توجه يسوع باتجاه بيت الفقيد في قرية بيت عنيا. وعندما علمت مرثا بأنه قادم ليعزيهما، قد تركت البيت ولاقته في قرية أخرى، قبل أن يصل إلى بيت عنيا. وعندما رأته مرثا عاتبته قائلة «يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي. لماذا تأخرت؟ ألم نرسل خبرًا لك، منذ أربعة أيام أن أخي لعازر مريض جدًا؟
لكن بالرغم من هذه الخسارة، فقد آمنت مرثا بقدرة يسوع. قال لها يسوع «سيقوم أخوك» (يوحنا 11: 23). فأخذت مرثا هذه الكلمة على أنها كلمة عزاء، كما نعزي بعضنا البعض عند فقدان، ابن أو أخ أو أخت لنا. وربطت عزاءها بإيمانها بعقيدة قيامة الأبرار اليهودية في اليوم الأخير. لكن يبدو أن تلك العقيدة لم تقدم لمرثا التعزية التي تحتاجها في تلك اللحظة، بل كانت تعزية للمستقبل. وكانت مرثا تحتاج أن تتعزى، الآن، اليوم. فالمصاب كبير والميت أخ، ودموع مرثا ومريم تنهمران بغزارة على وجنتيهما. فمن يعزيهما في حزنهما الأن؟ ألا تستطيع أنت يا يسوع أن تعزيهما الآن؟ عندما رأى يسوع الأختين في هذه الحالة من الحزن الشديد، شرع في وضع أساس آخر للعزاء. أساس حي لا يعتمد على العقيدة الجامدة، لأن العقيدة بطبيعتها لا تتفاعل كثيرًا مع أحاسيسنا ومشاعرنا وحياتنا. العقيدة لا تستطيع أن تخاطب أعماقنا. فأبدل يسوع العقيدة بشخص. أبدل الإيمان بعقيدة القيامة بالإيمان بشخص القيامة، لأن الشخص، يتفاعل معنا، يتألم لآلامنا، ويواسينا في أحزاننا. وهذا الشخص هو يسوع المسيح نفسه، الذي «بكى على لعازر» كما يقول يوحنا في العدد 35 من يوحنا 11، ولفت نظر اليهود المتواجدين فقالوا: «أنظروا كيف كان يحبه».
عندما أشارت مرثا الى عقيدة القيامة اجابة على قول المسيح لها «سيقوم أخوك». أجابت مرثا، «أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير». فأجابها يسوع قائلا، «أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيا وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد» (يوحنا 11: 26).
فيسوع بشخصه هو القيامة. الذي مات وقام من الموت ومنح الحياة للذين في القبور. ثم قال يسوع لمرثا أتؤمنين بهذا يا مرثا؟ هل تؤمنون بهذا يا أهل الفقيد؟ هل نؤمن بأنّ شخص القيامة الرب يسوع المسيح قادر أن يقدم، للعائلة ولنا عزاء حقيقيًا، الآن، واليوم، وفي المستقبل؟ لقد أجابت مرثا على سؤال يسوع لها قائلة، «نعم يا سيد. أنا قد آمنت، أنك أنت المسيح ابن الله الآتي الى العالم» (يوحنا 11: 27). ولما قالت، هذا سبقت مرثا يسوع، وتوجهت إلى بيتها في بيت عنيا، وأخبرت أختها مريم سرًا بأنّ يسوع المعلم قد حضر وهو يدعوها. فتركت المعزّين في البيت، وأسرعت للقاء يسوع، ولما وصلت اليه، سجدت عند رجليه باكية، وقالت «يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي» (يوحنا 11: 32). فلما رآها تبكي. وبعد أن انضمت مرثا إلى أختها مريم في لقاءهما ليسوع وكان هناك مجموعة من الناس متواجدين. أراد يسوع أن يُري الأختين والجمع المتواجد نموذجًا أوليًا عن القيامة. فسأل يسوع عن مكان المدفن قائلًا، «أين وضعتموه؟». فأخذوه الى القبر، الذي كان مغارة وضع عليه حجر. لكن لعازر دفن منذ أربعة أيام، وبحسب التقليد اليهودي، الدفن يحصل في يوم الوفاة، وقد كان يظن أن روح الميت تحوم حول القبر لثلاثة أيام، على رجاء أن تتّحد بالجسد ثانية. لكن مضت أربعة أيام، وروحه فارقته. عندها أراد يسوع أن يظهر للأختين قدرته على إقامة الأموات، اذا ما آمنوا بشخصه. فقال يسوع لليهود المتواجدين «ارفعوا الحجر» (يوحنا 11: 39). فقالت مرثا، «يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام». فأجابها يسوع: «ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله» (يوحنا 11: 40). ولما رفعوا الحجر، رفع يسوع عينيه إلى السماء، مصليًا إلى أبيه السماوي، وقائلًا: «أيها الاب أشكرك لأنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني» (يوحنا 11: 41-42). عندها صرخ يسوع بصوت عظيم، «لعازر هلم خارجًا». وبعد لحظة من الصمت، عادت الحياة الى لعازر، وخرج الميت حيًا من القبر وكانت يداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع، «حلّوه ودعوه يذهب» (لوقا 11: 44).
وهكذا أظهر يسوع بإقامة لعازر النموذج الأول للقيامة. لكن مما لا شك فيه، أن لعازر عاد ومات ثانية. لقد مات ثانية كما يموت جميع المؤمنين والمؤمنات في هذا العالم، لكن ليس دون وعد ورجاء، بل على وعد المسيح، «من آمن بي ولو مات فسيحيا». وعلى رجاء القيامة والحياة الأبدية في اليوم الأخير. آمين.

القس سهيل سعود

* لبناني الجنسيّة، وهو راع للكنيسة الانجيلية المشيخية الوطنية في بيروت،
* مسؤول رعوي لكنيستيّ الجميلية ومجدلونا المشيخيّة في الشوف.
* حاز على شهادتي: البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، والدبلوم في التعليم من جامعة هايكازيان في بيروت عام 1986. وشهادة الماجستير في العلوم الإلهيّة من كليّة اللاهوت الانجيليةّ في الشرق الأدنى عام 1989.
* تولى العديد من المناصب فس سينودس سوريا ولبنان،
* كاتب لأكثر من ستة عشر كتابًا يدور معظمها عن تاريخ الإصلاح الإنجيلي،
* كاتب صحفي في جريدة النهار اللبنانيّة. والعديد من المجلات المسيحيّة الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى