القيامة والصعودقضايا وملفاتملفات دينية

الاختيار .. المعنى والأسس الكتابيّة 2

الهدى 1249                                                                                                                        مايو ويونيو 2023

في العدد السابق شرحنا معنى الإختيار الإلهي ، وذكرنا أنه مؤسس على أسس كتابية ذكرنا منها: إنه مؤسس على النعمة المخلصة، وأنه مؤسس على سلطان الله، وأنه بحسب حكمته ومسرة مشيئته.
وفي هذا العدد نستكمل موضوعنا:

رابعًا: الاختيار ليس للجميـع
وهذه حقيقة يؤكدها الرسول بولس بقوله: «لأن الإيمان ليس للجميع»(2تس3: 2)، ويقول السيد المسيح: « لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون» (مت20: 16، 22: 14، لو13: 24)، وقوله أيضا:» إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون» (لو13: 24) لأنهم غير مختارين. وقوله أيضاً: « لا يقدر أحد أن يأتي إليَ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني….»(يو6: 44) وقوله أيضاً: «لهذا قلت لكم: إنه لا يقدر أحد أن يأتي إليَ إن لم يعط من أبي»(يو6: 65)، «وليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له» (مت11: 27، لو10: 22).
بناءً على عقيدة الاختيار الإلهي وقضائه الحكيم تتجلي الحقائق التالية :
1- الاختيار يشمل جميع الأطفال من أي دين أو مذهب أو عقيدة، وذلك حسب قول المسيح: «دعوا الأولاد ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات» (مت19: 14 ، مر10: 14 ، لو18: 16)، وعلى أساس أن كفارة دم المسيح على الصليب قد شملتهم أيضاً.
2- الاختيار يشمل أناساً لا يخطر على أحد بخلاصهم ! يقول السيد المسيح: « ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين، وآخرون أولين» (مت19: 30 مع مر10: 31 ، لو13: 30).
3- الاختيار يشمل خطاة من أي دين تجددت حياتهم وأعلنوا إيمانهم حسب قول المسيح : « فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.» (مت10: 32-33 مع لو9: 26 ،12: 8-9 ) انظر أيضاً (1يو2: 23).
4- الاختيار الإلهي قد يشمل أناساً خطاة تجددوا ولم يمكنهم إعلان إيمانهم لظروف يعلمها الله وحده، كأن يتوفاه الله مباشرة عقب إيمانه، أو من يتعرض للاضطهاد والتعذيب والله أعلم بالضعف البشري
«لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن» (مزمور103: 14). وقد يكون هذا هو الاستثناء الوحيد من قاعدة وجوب إعلان الإيمان.
5- الاختيار الإلهي قد يشمل أناساً يتعبدون – في جهل وإخلاص- في ظل ناموس الضمير الطبيعي الأخلاقي، ويجهلون الإنجيل لظروف فوق إرادتهم وامكانياتهم منعتهم من معرفة حقائق الإنجيل ورسالة الخلاص بالإيمان بربنا ومخلصنا يسوع المسيح، والله وحده أعلم بهذه الأعذار، لا نحكم عليهم.
وما أعظم قول الرسول بولس في هذا الصدد: «لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ.
لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ،
الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً، فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.» (رو2: 13-16).
منذ عدة سنوات، في حوار تلفزيوني للمذيع عمرو أديب مع د/القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية السابق، سأله هذا السؤال: هل المسلمون يدخلون النار؟! فأجابه بالقول: لا نستطيع أن نحكم على أحد، وهذا ليس من حقنا.
6- الاختيار قد يشمل أناسًا من طوائف مسيحية أخرى.
7- مع توافر وسائط النعمة ووسائل الكرازة العديدة (كالنهضات وغيرها)، ومع ذلك لا يخلص الكل بل البعض، « لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون» وذلك بسبب الاختيار الإلهي العجيب !!
لهذا ليس في المسيحية:
– تكفير للآخرين واجبارهم على عقيدة ما.
– عدم الحكم على ضمائر الناس فيما يعتقدون «لا تدينوا لكي لا تدانوا» (مت7: 1).

خامساً: الاختيار والكرازة بالإنجيل
لا يعني إيماننا بالاختيار الإلهي أن يتقاعس المؤمنون عن الكرازة بالإنجيل وتعليم المؤمنين الجدد حقائق الإيمان السليم، يقول الرسول بولس: «لأَجْلِ ذلِكَ أَنَا أَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ، لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أَيْضًا عَلَى الْخَلاَصِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، مَعَ مَجْدٍ أَبَدِيٍّ.»(2تي2: 10) وفي أعمال الرسل يقول الوحي:
«فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ. وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.»(أع13: 48). هذا بالإضافة إلى أن الكارزين بالإنجيل -كبشر- لا يعلمون من هو مختار ومن هو غير مختار، وحتى الخاطئ نفسه -قبل نواله الخلاص- لا يعرف شخصياً إن كان هو مختار أم لا، ولا يليق بالخاطئ أن يعزف عن الإيمان بيسوع المخلص لعدم معرفته إن كان مختاراً أم لا، بل عليه أن يقبل الإيمان فيختبر خلاص المسيح وحقيقة اختيار الله له بالنعمة المخلصة. يتبع

القس رأفت مهني

الراعي السابق للكنيسة الإنجيلية في إدفو، واستمر في الخدمة لمدة أكثر من أربعين عامًا منها ثمتنية وثلاثون عامًا في إدفو. وهو الآن متقاعد ويخدم في بعض المناطق الجديدة في القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى