الرحمة والعدل يلتقيان
الهدى 1234 أغسطس 2021
الإغراءات والتجارب الجنسيّة، من الأمور التي يتعرض لها البشر، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، عبيدًا أو ملوك، من عامة الناس أو رجال دين، ومع اختلاف ردود الفعل البشريّة أمام هذه الإغراءات، تختلف النتائج أيضًا، ويُخبرنا الكتاب المقدس عن قصصٍ لرجال ونساء تعرضوا لتلك الإغراءات، منهم من نجح، ومنهم مَن سقط، وفي حين تعافى البعض، فشل البعض في التعافي، وهذا ما حدث مع يوسف وشمشون وداود، ويبقى أنَّ أحدًا ليس بعيدًا عن سهام تلك الإغراءات، أو السقوط في تلك التجربة.
وتُخبرنا الخبرة الإنسانيّة، أنَّه لا يوجد شخص محصن من السقوط في مثل هذه الخطية، فالجميع يتعرضون لتلك الإغراءات، ويصارعون الخطيئة؛ ويحتاجون لنعمة الله؛ حتى خدَّام الكلمة والمسبحين وقادة الكنائس بصفة عامة، وعندما يخطئ أحدهم، فإنَّ هذا يضع المؤسسة الكنسيّة بجملتها أمام تحدي القيام بمسؤولياتها أمام الله والمجتمع، والتاريخ، ولا تكتفِ فقط بتوجيه النصح واللوم والعلاج وكأنَّ شيئًا لم يكن، لكن يجب أن تشتمل على التصحيح والمساءلة التي قد تصل إلى المحاكمة والعزل، ويجب على الكنيسة أن تتذكَّر أنَّ الله لم يتسامح مع الخطية، _أيَّة خطية_ أبدًا، وقد دفع ثمنًا لم تستطع البشرية قاطبة أن تدفعه، في سبيل منح الغفران للإنسان، فالغفران لم يكن أبدًا مجانًا.
لكنَّ علينا أن نراعي بعض المبادئ الهامة ونحن نعالج مثل هذه المواقف والخطايا، ومنها:
1) الشفافية، في عالمٍ أصبح قرية صغيرة، يعلم في ذات اللحظة ما يحدث في شرقه وغربه، شماله وجنوبه، بفعل شبكات التواصل الاجتماعي، فإنَّ التزام الصمت والتغطية والتستر على المُخطئ يؤدي إلى كارثة، اخلاقيّة واجتماعيّة قد تعصف بالكنيسة وبالرسالة المسيحيّة ذاتها.
2) نقد الذات، يجب أن يكون لدينا رغبة في التأكيد على نقد الذات، والصرامة في مواجهة هكذا خطايا، ولنحذر من أن نلجأ إلى إعلان الأحكام القضائيّة، وهنا لابد من مراعاة العدالة والرحمة، مع الأخذ في الاعتبار كافة الجوانب التي تُساعد على أن يأتي الحكم مُتسقًا مع تعاليم المسيح؛ وتمكين المحبة، والإصلاح والاسترداد.
3) الاتساق في استخدام النصوص الكتابية، دون الافراط في استخدام النصوص التي تؤكد على الرحمة أو التفريط في النصوص التي تركز عل العدالة، والعكس صحيح.
4) توحيد المعايير، فمع أنَّ الخطية واحدة، مهما اختلفت مسمياتها أو أماكن فعلها أو شخوص مرتكبيها، إلاَّ أنّها تبقى ذات الخطية وذات الجُرم، لذا يجب توحيد القياس الذي تأتي عليه ومن خلاله الأحكام، فليس مُستساغًا أن يتم التعتيم على قضيّة ما، أو يأتي الحُكم مُخففًا، في قضيّة ثانيّة، ومُشددًا في قضيّة ثالثة، بينما يتم علاج المُخطئ، والتماس الأعذار له في قضيّة رابعة، وهكذا تتعدد القضايا. فليحذر كلُ مَن بيدهم الأمر، من تعويج القضاء، حتى تأتي الأحكام كلها متسقة مع نموذج حياتنا، شخص المسيح، يقول الحكيم: «مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ» (أمثال 17: 15).
أخيرًا، علينا أن نُدرك أن الخطايا الجنسيّة هي أكبر انتهاك للرابطة الزوجية المقدسة، وهي تُسئ للعلاقات، وتُدمر عائلاتٍ بأكملها، لأنَّها الخطية الوحيدة التي سمح الله فيها بالطلاق وانفصام العلاقة الزواجية بين الرجل والمرأة، وإذا ارتكبها إنسان ما،ٍ فإنّه لا يُسئ فقط لنفسه وبيته أو عائلته، بل إلى إلهه، وكنيسته، ودينه، ويفتح الباب للاستهزاء برسالة الإنجيل، ومع أنَّ باب التوبة، مازال مفتوحًا، وغفران الله الذي دفع المسيح ثمنه غاليًا، مازال مُتاحًا، إلا أنَّ عواقب تلك الخطية يبقى أبدًا مُدمِرًا، ولنا في قصة داود عِبرة.