الهدى 1256- 1259 مايو – أغسطس 2024
«لأَنَّ هَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ.» (1تسالونيكي ٤: 3)
إذا جاء صوت الاعتزال من صديق قلنا واجب الصداقة يدعونا لإجابة الطلب، وإذا جاء الصوت من ملك قلنا كلام الملوك ملوك الكلام وأطعنا باحترام وإكرام، وأما إذا جاء صوت الاعتزال من الله الأب قلنا واجب البنوية يكلفنا أن نطيع الأب، ها صوت الأب ينادي كل مؤمن قائلًا: قد اخترتك من الأزل ودعوتك دعوة مقدسة وفديتك بدم الفادي ومسحتك بالروح القدس ووعدتك بسماء القداسة، فكل هـذا يوضح لك قصدي وإرادتي ويدعوك للاعتزال وتكريس الحياة لله الأب. قد أحسَّ الكل خادم ومخدوم بحاجة الكنيسة الضرورية للانتعاش وللنهضة. وطريق النهضة الواضح بل الطريق الاسهل والمضمون هو طريق الاعتزال، ولماذا نرى كل شيء خارج الكنيسة يتحرك والكنيسة واقفة لا تنتقل من دور الكلام إلى دور العمل والجد والاجتهاد. فليست النهضة معجرة بل هي قيام بشروط مقدسة ومعينة.
ما هو هذا الاعتزال الذي يريده الله؟
ليس هو اعتزال الفريسي الذي ينقي خارج الكأس وداخلها مملوء سُمًا. وقد تلبس الثياب البيض ويكون القلب أسود، وتتظاهر بالقداسة أو الطهارة وفي الداخل نجاسة. وقد يعرفك القوم بأنك جواد وكريم، وتكون مرائيًا أو سارقًا أو مختلسًا كحنانيا وسفيرة. أو محبًا للمال كججيزي. وليس الاعتزال الذي يريده الله، هو اعتزال الناسك أو الراهب، فلا يريد الله منّا أن نهجر العالم إلى الأديرة والصوامع، والتاريخ أصدق شاهد على شرور الرهبنة وأنها نظام لم يفِ بالغرض المقصود.
وصلاة المسيح الشفاعية في يوحنا تبين لنا أن فكر الله من جهتنا أن نبقى في العالم ونُحفظ من الشرور، فكما لا يستغني العالم عن الشمس والنور والملح هكذا لا يستغني عن المؤمنين أيضًا. وقيمة المرء تظهر في مقدار ماله من التأثير والنفع والفائدة للآخرين.
وليس المقصود بالاعتزال، التظاهر بالتقطيب والحزن أو نبذ المجتمعات عامة، فقد عاش المسيح في العالم وعاشر الخطاة وأكل معهم. وحفظ نفسه طاهرة ورفع الهيئة التي عاش فيها إلى المستوى الأقدس الذي عاش هو فيه. وقد نزل يوحنا المعمدان وتهافت الكل لسماع صوته فجاهر ونادى بملكوت السموات بكل شجاعة وأمانة وحُفِظ حارًا في الروح، قويًا في الشهادة للمسيح حتى استطاع أن يوبخ الملك، والحاجة شديدة وماسة إلى قوم يستطيعون أن يعاشروا الناس ولا تبرد حرارتهم ولا تفتر غيرتهم المقدسة.
إذًا ما هو الاعتزال المطلوب؟ كثيرون يسألون اليوم عما نعتزل، وعما لا نعتزل وهل يوجد في الكتاب المقدس نصٌ صريحٌ وقول فاصل بين هذا وذاك؟ ولأجل الفائدة والاختصار أقدم لحضراتكم ما قاله قس مشهور هو القس ف. ب ماير. قال: إذا أردنا أن نطيع إرادة الله الواضحة ونعتزل لله فعلينا:-
أولًا: أن تمتنع عن كل أمر يناقض علاقتنا بالمسيح
أنت عضو في الجسد فأطع الرأس. أنت غصن في الكرمة فلا تسمح للخطية أن تفصل بينك وبين الكرمة. كن غصنًا حيًا مثمرًا. طُلب من اسكندر ذي القرنين أن يدخل السباق مع قوم أصاغر فأجاب على الفور: «أنا ابن ملك ويلزمني أن أحافظ على شرف العائلة.» فيا أيها المؤمن احرص على شرف العائلة. أنت ابن ملك الملوك، بل أنت ملكٌ وكاهنٌ فلا تأتِ من الأعمال ما يناقض هذه العلاقة والنسبة المقدسة.
ثانيًا: تجنب كل ما ينتقدك عليه العالم
قد وُضع العالم في الشرير، والعالم يكره المسيح والتعاليم المسيحيّة، ولكن كم من مرة خجَّلنا وأخجلنا، لأننا سمعنا الانتقادات المرة والأقوال القارصة والشديدة من أهل العالم. ألم نقل مرارًا أن الربا حرام، وأن الخمر مستهزئة، ولكن كم مرةٍ خالفنا مبادئ الكتاب الصريح. «طوبى لنا إذا قالوا علينا كل كان شريرة من اجل اسمه وكانوا في قوله كاذبين، وويل لنا إذا انتقدونا وكانوا في انتقادهم صادقين.
ثالثًا: تجنب المعاشرات
قال المسيح وفيه يتعطر بأقدس التعاليم «ويل لمن تأتي بواسطته العثرات»، وقالت الشريعة قديمًا: وقدام الأعمى لا تجعل معثرة»، هذا هو الاعتزال بمعناه الأعمق والأقوى، أن نعتزل عن كل ما كان جائزًا في ذاته ولكن يعتر به الآخرون.
رابعًا: تجنب كل هيئة ومجلس يُبلد الضمير ويفقد منك أو يُطفيء فيك روح الشهادة بالمسيح
قال المسيح: «وتكونون لي شهودًا. وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء»، إن كل مجلس لا نقدر أن نشهد فيه بحق المسيح علينا أن نبتعد عنه، فلا نجلس مع بطرس وسط المستهزئين بل نقف معه في يوم الخمسين لنشهد بحقيقة صليب المسيح وقيامته.
من الحقائق الكتابية التي تثبت لنا إرادة الله في الاعتزال؛ دعوة إبراهيم. دعي فأطاع، وأطاع بدون تردد، أطاع فورًا وترك البلاد والأهل والأقارب والعشرة، ترك الكل، ترك عبادة الأصنام غير آسفٍ عليها واضطر أخيرًا أن ينفصل عن لوط لأنَّ لوطًا طلب الانفصال ونقل خيامه إلى سدوم. فترك ابراهيم الكل وذهب إلى بلادٍ لم يسبق له أن وُجِد فيها. ذهب إلى بلاد غريبة، وعاش في الخيام طائعًا لأمر الله.
ولقد صدرت الأوامر والنواهي مكررة ومشددة من قبل الله لكل شعب إسرائيل أن يعتزلوا الأمم اعتزالًا كاملًا، فكان من الواجب عليهم أن يلاشوا المرتفعات، ويهدموا الهياكل، ويزيلوا الرجاسات، وألا يختلطوا بالأمم خوفًا من أن يتنجس الزرع المقدس بالزرع المُنجِس، وكانت مملكة اسرائيل في تقدمٍ وفلاح في الأيام التي عاشت فيها عيشة العزلة بعيدة عن الأمم.
والكنيسة وهي الجماعة المدعوة من الله مكلفة بأوامر صريحة أن تعتزل الخطية والخطاة. فجاء القول الواضح في رومية 12: 2 «ولا تشاكلوا هذا الدهر»، ثم جاء في أفسس 5 : ١١ «ولا تشتركوا في أعمال الظلمة الغير مثمرة بل بالحري وبخوها»، وفي رؤ ٤:١٨ «أخرجوا منها يا شعبي لثلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها»، ألا يؤسفنا أن يتزاوج أعضاء الكنيسة ببنات العالم، وأن يختلط المؤمن بغير المؤمن؟ ألم يجلب هذا الخطأ طوفان غضب الله حتى أهلك الكل في أيام نوح؟
كما أنَّه لا يوجد اتحاد بين الكنيسة والعالم، لا يمكن وجود توافق بين رئيس هذا العالم ورأس الكنيسة، فهما عدوان لدودان لا يمكن لهما عمل هدنة أو عقد صلح. وتستمر الحرب بينهما إلى يوم النصرة حيث يعترف كل لسان ان يسوع رب لمجد الله والآب.
الاعتزال في جوهره اعتزال الخطية أيضًا، وهل آتيكم بجدول طويل يصنف لكم الخطايا الشنيعة من كذب ونفاق وحسد ومكر ودعارة ونجاسة؟ خطايا فينا كمؤمنين، نراها ظاهرة في كنائسنا. تشخص أمام أعيننا كل يوم ولا نحرك لها ساكنًا ولا تدمع لها عين. خطايا تزيد عن أهل العالم شناعة وأسودادًا لأنها تصدر من أهل النور.
حَلِم قسٌ بأن رأى في رؤيا منظر شخص واقف وفي يديه جدول مكتوب فيه أسماء أعضاء كنيسته وأمام اسم كل شخص علامة. فالواحد أمام اسمه علامة زائد + والآخر علامة ناقص، فسأل القس وما مغزى هذه العلامات وما القصد منها؟ فأجابه أن كل عضو كتب أمامه علامة ناقص هو عضو مُفسدٍ ومُتلف، يُنقص كل يوم من الكنيسة قوتها الروحيّة، والعضو المكتوب أمام اسمه علامة زائد هو عضو نافع ومفيد يضاعف القوة الروحية للكنيسة. فيا أيها القارئ العزيز، ماذا يُكتب أمام اسمك؟
وما لنا نلوم الكنيسة والأعضاء والعيب فينا، واللوم علينا. ألا توجد لنا كخدَّام وعمال، كمرسلين ووطنيين، خطايا قبيحة في منظرها وشكلها ألا توجد؟ حقًا ألا توجد وأن النهضة لا تأتي إن لم نعتزلها. وبينما أفكر في ماذا أقول وقع بين يدي كتاب للقس باكستر المشهور كتابه الخاص بالخدمة والخدام. وقيل أن القس سيرجن اعتاد أن يقرأ هذا الكتاب في سهراته، ويذرف الدموع بلا حساب، عدَّد هذا الرجل في كتابه خطايا كثيرة وعديدة، نذكر بعضًا منها:
أول عيب في الخدمة أو الخدَّام، أن يدخل الخدمة قوم غير متجددين. يا للعجب أليس من المدهش أن ينادي أحد الخدام بخلاص المسيح وينصح الناس بترك الخطية وهو عبدٌ لها! أو أن يُعلِّم عن شر الخطية وينادي بعذابات الجحيم وعن أفراح السماء ولا يعرف عن هذه الحقائق غير الاسماء؟ مثَل هذا مثَل طباخ يطبخ ويجهز المائدة الملوكية لغيره، ويكتفي هو بشم الروائح اللطيفة أو لحس الاصبع.
عيب آخر للخدمة أن يدخلها شخص لم يتحقق الدعوة الإلهية للخدمة، إن في المنابر اليوم قومًا دخلوا الخدمة ولم يدعوا إليها من الله، دخلوا خلسة، هم فضوليون، ونسينا أو تناسينا القول: «ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضًا»، تخوفنا وارتجفنا لأنه لم يدخل صف اللاهوت هذا العام إلا شخص واحد، ولكن كم خفنا من خطايانا وكم ارتعبنا من ذنوبنا؟ قد نشن الغارة على عضو في الكنيسة ونلومه ونقول إن الكتاب يعلمنا ضرورة عزل الخبيث من الهيئة، فماذا عملنا لما تحققنا أن الخبيث متوظف في الكنيسة عامل أو خادم بين الخدام ذئب تزيّي بزي الخروف؟
وللمنبر عيب كبير، ألك أيها المنبر عيوب، أنخطي ونحن أمام المنبر؟ نعم، إن للمنبر عيوًبا كثيرة. إننا قدمنا مرارًا على المنير خنزيرًا نجسًا وأدخلنا تعاليم غريبة، إننا قد نعظ عن كل شيء إلَّا المسيح واياه مصلوبًا، ومَن يرضى أن يعزم كبولس الرسول ألَّا يعظ إلا بالمسيح المصلوب، ولا يشهد إلَّا به وله؟ جاء صوت من السماء لراعٍ يقول له بمن تعظ؟ فقال أعظ بالعلوم العصرية الراقية، وأجهد نفسي أن لا أغلط في اللفظِ، أو التعبير. وقد سمعت المدح والإطناب من الكبير والصغير. فجاء الصوت ثانيًا بمن تعظ؟ قال أعظ بالمبادئ القويمة والفلاسفة القديمة والتعاليم الصحيحة وأجهد نفسي في الدرس والاستعداد فتأتي العظة على أحسن حال. فجاء الصوت ثالثة إليه سؤالي لك بمن تعظ؟ عن أي شخص تعظ؟ فنكس الراعي الرأس والدمع في العين، وقال: «أضعت الحياة سدى إني غلطان. وغيَّر خطته في الوعظ، ووجَّه وجهته إلى أن يجعل محور عظاته يسوع المصلوب والدم والكفارة، فربح للمسيح في عامٍ واحد أضعاف ما ربحه في الأعوام الماضية، إن سرَّ نجاح الخدمة في بولس أو مودي أو سبرجن أو غيرهم هو أنهم كانوا ينادون بصليب المسيح.
من عيوب الخدمة؛ العظمة الكاذبة في الخادم. أما تساءلنا مرارًا عن من هو الأعظم فينا؟ ألم نقل من هو الأكبر والأعظم بين الخدَّام؟ أننا بذلك نشبه التلاميذ قبل يوم الخمسين، لقد نسينا أنَّ العظمة الحقيقية تقوم في التضحية وانكار الذات وأن الأعظم فينا مَن كان كالخادم بين أخوته، والمسيح لم يأتِ ليخدم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن الآخرين. عيب آخر في الخدَّام هو عدم الامتلاء بالروح القدس. قال أحد الأفاضل، أن تسعة أعشار الأتعاب والمجهودات في الخدمة ضائع سدى لأننا اعتمدنا في مجهوداتنا على القوى العقلية. وبينما الرسول يوحنا يقول لناه لكم المسحة من القدوس فإنّ الكثير بن بيننا لا يعرفون عن مسحة يوم الخمسين الا اسمها فقط.
اشتاقت سيدة مؤمنة وتعطشت لحياة الامتلاء بالروح القدس، فصلَّت أيامًا وبدموع غزيرة طالبة علامة من الله على امتلائها من الروح، فكانت إذا تقدمت للطعام لا تجد لها شهية الأكل، وكثيرًا ما اختلت مع الرب مجاهدة بروح الايمان. وفي إحدى الليالي رأت منظرًا مقدسًا. رأت شخصًا واقفا وبيده ختم مغموس بالدم وقال لها ماذا تريدين أيتها السيدة وما هو شوق قلبك؟ قالت أريد حياة الامتلاء بالروح القدس. أريد ان تكون لي حياة الفيضان.
فاقترب منها وختمها في جبهتها بهذا الختم المقدس ثم رأته مقتربًا إلى زوجها وختمه أيضًا في جبهته، فأيقظها هذا المشهد فجلست مذعورة وبدأت تمسح الدم من جبهتها ظنًا منها أن ما رأته كان حقيقيًا، ثم تحققت أنَّ هذا الختم أُعطي لها عربونًا لحياة الامتلاء. وهي لا تزال مشغولة شديدة الشغف بمحبة النفوس ومحبة فاديها وفيض الروح طافح على وجهها اللامع.
خطية أخرى هي خطية عدم النمو في النعمة، فقد نُعلِّم الشعب ونعظهم قائلين لهم انموا في النعمة، ونسينا أن نُقدم لهم مثالًا للنمو في حياتنا. لسنا نسوق الأغنام سوقًا أننا نقود الغنم، فاطلع أيها القائد واقتحم جبل الصعوبات وإذا نزلت من جبل التجلي بوجهك اللامع عَرِف الكل مقدار عشرتك بالرب واقتدوا بك.
إذا نظرنا للاعتزال من وجهته الإيجابية، قلنا أنَّ الاعتزال يتضمن أولًا تكريس الحياة لله، التكريس والتقديس صديقان حميمان لا يمكننا فصلها. ويتضمن التكريس التسليم الكلي الله. فاذا قمنا بواجب التسليم قام الرب بتقديس حياتنا.
إن الارملة التي جاءت بالأواني فارغة ووضعتها أمام منبع الزيت امتلأت جميعها. فالحاجة عظمى وشديدة لوضع أنفسنا في محل البركة، قد أوضح الله ارادته في أمر التكريس فكرَّس لذاته تعالى يوما سماه سبتًا، ثم أعيادًا يهوديّة، ثم كرس أيضًا أماكن وأواني، فكان كل ما وجد في الخيمة قديمًا من مذابح وأواني مقدسًا، أي مكرسًا ومخصصًا لعبادة الله ثم كرس أيضًا شعبًا. ثم ضيق الدائرة واختار سبطًا ثم شخصًا. وقد جاء المسيح من السماء مكرسًا لله الآب، فأوضح لنا إرادة الله في العيشة والحياة وكان طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله.
والحاجة ماسة إلى تكريس العمر وهو قصير، وتكريس الحياة بجملتها، فنكرس الأجساد والأرواح، والمواهب، والأموال لمن اشترانا وخصصنا لذاته. لماذا استطاع بولس وهو الخيَّام أن يؤسس ويبشر الألوف والملايين؟ السبب يرجع لتكريس الحياة للمسيح.
جاء رجل هندي بعد أن تجدد وتعمَّد، وقال للمرسل ها حربتي أكرسها لله. فقال له المرسل لا يريد الله منك الحربة. فجاء ببندقيته وقال له ها بندقيتي اكرسها للرب. فقال له كلا. رجع إلى بيته وجاء بعائلته وأولاده وطلب من المرسل أن يكرّسهم للرب. فقال له المرسل الحاجة الأولى إلى تكريس نفسك لله.
يتضمن الاعتزال لله حياة العيشة الدقيقة والطاهرة. فليست قوة الواعظ في ما له من الفصاحة والبلاغة بل سرّ القوة في اتمام القول: «عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح»، فالقدوة أعظم معلم، والمثال الصالح أبلغ من العظات الرنانة، وماذا ينتفع العالم منا إذا بلغنا وأبلغنا في أيام الآحاد وقهقهنا وهذينا وأطلقنا لأنفسنا العنان في باقي أيام الأسبوع؟
أيها الواعظ، إنك بغلطة واحدة في الحياة تضيع تأثير عشرات العظات. فكن قدوة صالحة في التصرف والعيشة كما في التعليم والوعظ. إرادة الله أن نحيا لخدمته، ألا تعتبره تنازلًا من الله أن يرضى بك خادمًا له ومعه؟ إن كل الذين دعوا للخدمة أقروا واعترفوا بعدم استحقاقهم وبعدم أهليتهم لخدمة النفوس فقال أحدهم: «أنا ولدٌ»، وقال غيره: «ومن هو كفء لهذه الأمور»، والخدمة التي يريدها الرب منّا هي خدمة حرية ومحبة. إذا جاء يوم عيد اليوبيل كان السيد اليهودي ملزمًا ان يطلق سراح عبده ويتركه حرًا كيف شاء، أما إذا ارتضى العبد وقبل أن يمكث في بيت سيده ويخدمه خدمة حرية، فكان على العبد أن يسلم نفسه لسيده فيأخذه السيد إلى الباب ويثقب أذنه بمسمار علامة على أنّه رضيَّ بحريته الشخصيّة أن يخدم في هذا البيت طول الحياة. إننا بعد أن عرفنا وتحققنا محبة السيد يلزمنا أن نخدمه إلى الأبد بفرح وحرية.
إذا راقبت الفلاح في محراثه ترى ما يشرح لك الخدمة. اعتاد الفلاح أن يختار ثورين لمحراثه أو نورجه، والعادة أن يكون أحدهما ضعيفًا والآخر قويًا شديدًا، فيضع الحمل ومعظم الحمل على الثور القوي وما على الضعيف إلَّا أن يساعد في الخدمة. وما أحلى أن نسير في الخدمة ونحمل الصليب بجانب يسوع. والصليب لما فيه من العار والأتعاب والآلام يهون متى تحققنا أننا نحمله بجانب يسوع. فنيره هين وحمله خفيف.
ماذا نريد أيها الاعزّاء بعد أن اتضحت لنا إرادة الله في اعتزال خطايانا وتكريس الحياة بجملتها له؟ قد صلينا كثيرًا، عطشت نفوسنا واشتقنا إلى نهضة وانتعاش. بدأت النهضة في يوم الخمسين من التلاميذ ظهرت النار المقدسة في عظة بطرس. ولما ازدادت النار وحميت أشعة اللهيب المقدسة مست القريبين والبعيدين؛ إذا امتلأت قلوبنا من نار الغيرة المقدسة وفاضت ينابيع النعمة في حياتنا ظهر الفيض في خدماتنا وفي حياتنا، إنَّ الذين جرحوا أجسامهم وكتبوا تعهداتهم من دم أجسامهم عادوا ونكثوا العهود، أمَّا الذين بالاتكال على نعمة الله قطعوا العهود ثبتوا واعتزلوا لله في الخدمة والحياة، لندخل باحترامٍ في بستان جشيماني، ونضم أصواتنا مع المسيح قائلين: «لتكن لا إرادتي بل إرادتك».