الحكمة في زمن كورونا (2)
الهدى 1220 أبريل 2020
علمتني الأزمة أن الحياة لا تمتلك إجابات لكل أسئلتي (ربما لأني أطرح السؤال الخطأ)، وأنني كلما قبلت هذه الحقيقة صرت أكثر قدرة على طرح الأسئلة الصحيحة.
يمتلئ الفضاء الإلكتروني والبث التلفزيوني وحوارات الحظر بهذا السؤال، لماذا؟
والمشكلة هي في الإجابات التي تأتي من الجميع في محاولة القضاء على القلق من عدم المعرفة، فتارة يتحدث البعض عن عقاب السماء للخطاة، ولكن عندما يصيب المرض مؤمنين تتحول كلمة عقاب إلى تأديب ومحبة.
هذه طريقة في التفكير تأتي بفرضية جاهزة في الأذهان لتصب فيها الأزمة في محاولة لإخضاع الأزمة وملابساتها لنمط تفكيرنا التقليدي فنحن مثلًا إذا اصاب المرض شخصاً يصف نفسه بأنه مؤمن نقول «المؤمن منصاب».
وإذا نجا نفس الشخص من الإصابة بالمرض رغم المخالطة نقول «النار ما تحرقش مؤمن»،
ثم نجلس متحيرين غير مستوعبين هل المؤمن منصاب وإلا النار ماتحرقش مؤمن، المشكلة أننا نضع الله في وسط حواراتنا مستميتين في ايجاد نسق لتفسير الأحداث ينطبق على كل الحالات، الأمر الذي لا نقدر عليه.
تعالوا نُعيد الصياغة فنحضر الحقائق الثابتة ونصب فيها الأزمة وليس العكس.
الحقيقة الأولى: الله محبة
الله يحب الإنسان لأن الإنسان خليقة يديه العزيزة على قلبه منذ القدم، ومع استيعاب البشر لمحبة الله لهم ظهر سؤال رأيناه يتكرر، عبرت عنه مريم بإيجاز وهي ترسل للمسيح قائلة هوذا لعازر- الذي تحبه – مريض!! وكأن المحبة والألم لا يجتمعان، بالرغم أننا نرى أمهات كثيرات يمسكن بأولادهن بإحكام لكي يتلقوا حقنة ما مؤلمة يرفضها الطفل ويتعجب كيف تفعل أمه المحبة هذا، لكن هذا نموذج بسيط يقول أن الحب والألم يمكن أن يترافقا. ومثلما لم تكن الأم سبب المرض الذي ألم بابنها، فالله ليس هو سبب الشر في العالم وانما عصيان الإنسان منذ القدم ورفضه طاعة الله أتى بكل الشرور الذي يعاني منها البشر.
الحقيقة الثانية: الله كلي السلطان
لا شيء يحدث في العالم للبشرية أو للأفراد بعيد عن عيني وقدرة وسلطان الله، والله في سلطانه يرى شر الإنسان وكسره الوصايا، يرى الحروب والصراعات، الحروب البيولوجية والفقر، التوزيع الغير عادل للثروات والإرهاب، يرى كل ذلك ويحترم الإرادة الحرة للإنسان والتي لا تلغي وجود حساب سيعطيه كل إنسان عن نفسه، وفي كامل سلطانه هو يختار كيف يتدخل ومتى، هو يسمح في بعض الأوقات أن يجني الإنسان – والبشرية – نتيجة الشر المرتكب وفي مرات أخري يختار أن يتدخل ليوقف حماقة الانسان والبشرية، الله ليس سبب الشر ولكنه يسمح به.
الحقيقة الثالثة: الله كلي الصلاح
يصنع الخير دائمًا يرى شر اخوة يوسف لكنه يسمح به ويستغله ويحوله بحسب قصده إلى خيرٍ وفير في حياة يوسف.
الله وهو يصنع الخير لنا لا يصنع ما نطلبه أو نظنه، نقرأ عن أبطال إيمان نجوا من حد السيف، بعدها نقرأ عن أبطال إيمان ماتوا بحد السيف.
والسؤال الإشكالية: لماذا لا يتدخل الله بنفس الطريقة مع الكل، فينجو الكل، أو يموت الكل.
والإجابة هي، لا أعرف، أو بأكثر دقة لا نعرف، وهذا ما طرحه الكاتب فيليب يانسي في ثلاث كتب كاملة عن الألم.
لا يحق لنا فرض استجابة وتدخل بعينه على الله، أو تفسير تدخلات الله بحسب فهمنا، لنصنع منها قانوناً عاماً.
في مرض حماة بطرس شفاها في الحال.
في مرض لعازر تأخر عليه أيام عديدة فمات ثم أقامه.
ولعازر الفقير على باب قصر الغني مكتوبٌ عنه أنه مات المسكين وحملته الملائكة إلى أحضان ابراهيم
لا تستطيع الجبلة أن تقول لجابلها لماذا فعلت هذا أو لماذا لم تفعل؟
لكن تستطيع الجبلة أن تخضع تحت يد الله وأن تثق في أنّه دائمًا ما يصنع الخير الذي يراه لها.
الله كلي المحبة، كلي السلطان، كلي الصلاح يفعل الخير لأبنائه دائمًا حتى وإن سمحت قدرته ومحبته بالألم في بعض الأوقات؛ ماذا نفعل؟
هذا هو محك العلاقة التي فيها اختبار شخصي مع الله، العلاقة الواثقة التي تأتي في اتضاع لتردد مثل هذه الكلمات
يا أبتاه إن شئت تقدر أن تعبر عني هذه الكأس، لكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك
يا أبتاه فساد الإنسان والطبيعة قصد بي شرا، لكن سلطانك قصد به –في كل الأحوال- خيرًا.
يا أبتي لا تجعل محبتك لي تغيب عن ذهني لأنها المحبة الكاملة التي ستطرح خوفي خارجاً
«لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ». (2تيموثاوس 1: 12).