في مدرسة الزواج 1
الهدى 1234 أغسطس 2021
احتفلت منذ أيام بعيد زواجي الثلاثين، ومناسبة مثل هذه لا يمكن أن تعبر دون أن أتوقف لأنصب «حجر معونة» كعلامة على الطريق، ولأتذكر نعمة الله ورعايته ومعونته لنا كزوجين قبل أن نخطو معًا إلى المزيد من السنوات التي أتمنى أن نقضيها في مخافة اللـه وخدمته. وبينما كنت أردد في قلبي «إلى هنا أعاننا الرب»، عدت بذاكرتي للوراء وفكرت فيما تعلمته خلال الأعوام الماضية في مدرسة الزواج.
تعلمت أن السعادة لا يمكن أن تكون البرهان الوحيد على نجاح الزواج! «لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام» (أمثال ١٧: ١). إذا كانت السعادة هي كل ما نرجوه في زواجنا سنعيش حياتنا ونحن نظن أننا فشلنا في تحقيقها. اللـه يعدنا بالسلام والحب والمغفرة، وبألا يتخلى عنا في أوقات الضيق، لكنه لم يعدنا بالسعادة المستمرة. فهمنا لهذه الحقيقة يجعلنا قادرين على تحمل المتاعب والأحزان، ويقوينا لنختبر المعنى الحقيقي للسعادة.
تعلمت أن العلاقة الزوجية، مثل كل العلاقات الإنسانية، مهمة صعبة .. فلم نفاجأ منذ بداية زواجنا أن علاقتنا تحتاج لعمل جاد، ولم نظن أن دوام الزواج هبة نضمنها لأنفسنا بلا تعب؛ بل كان علينا أن نعمل بجد لنجنيها! الزواج مثل ملكوت اللـه له طبيعة زراعية .. يحتاج لوقت ورعاية حتى ينضج ويثمر، ويفشل متى تعاملنا معه بالمفهوم الميكانيكي السريع للبيئة الصناعية!
تعلمت أن التغيير لا يتحقق بقائمة النصائح أو الممنوعات .. بالجدال أو بالصوت المرتفع، والغضب والخصام .. «الحديد بالحديد يحدد، والإنسان يحدد وجه صاحبه» (أمثال ٢٧: ١٧). العشرة بين الزوجين تخلق التوافق، والقبول غير المشروط يحقق التآلف.
تعلمت أن الحب وحده لا يكفي لدعم الزواج .. وجود هدف كبير يختاره الزوجان لحياتهما ويسعيان معًا لتحقيقه، ولو تطلب هذا أن يخوضا بالإيمان مغامرة محفوفة ببعض المخاطر، يوحد بينهما، ويجعل اختلاف توجهاتهما الفكرية وميولهما الشخصية تعمل معهما وليس ضدهما .. «بلا رؤية يجمح (يهلك) الشعب» (أمثال ٢٩: ١٨)، ونفس الشيء يحدث مع الزواج.
تعلمت أنه لا فيض قبل الملء .. كثيرًا ما نردد «فاقد الشيء لا يعطيه»، لكننا قليلًا ما نطبق هذا القول الحكيم على زواجنا. كيف تفيض حياتنا بالحب ما لم يمتلئ القلب بمحبة اللـه؟ هل يمكن للسلام أن يسود العلاقة بين الزوجين قبل أن يحفظ سلام المسيح قلبيهما وفكريهما؟ هل يمكن أن نتمتع بفرح يدوم بدون الامتلاء بفرح الرب الذي هو قوتنا؟ لكن من أين لنا بالحب والسلام والفرح؟ بالعلاقة الاختبارية مع المسيح، والتوبة المتجددة من خلال وسائط النعمة، وباللقاء اليومي مع اللـه بالتأمل في كلمته.
الزواج المقدس
تعلمت ما معنى أن «النفس الشبعانة تدوس العسل، وللنفس الجائعة كل مر حلو» (أمثال ٢٧: ٧). الشبع هنا مصدره التكريس الإرادي الكامل لشريك الحياة .. فهي، وليس سواها في كل الكون، المرأة الوحيدة التي أبادلها مشاعري، وأعطيها نفسي بلا حدود. هي مَنْ أفتخر بها في قرارة نفسي عن اقتناع بقيمتها كإنسانة، قبل أن أكرمها أمام الناس في المجتمعات التي نتواجد فيها. الجوع هو ما يجعل الإنسان في مصاف المتسولين، مع أن مصدر غناه يعيش تحت سقف واحد معه!
قرأت عن مزارع إيراني كان يملك ما يجعله راضيًا بحسب مقاييس البيئة التي يعيش فيها .. وفي أحد الأيام، زاره شخص حكى له عن «الألماس»، وكيف أن القليل منه يساوي كل ما يمتلكه بل وأكثر! وسبى حديث الزائر عقل الرجل ومشاعره؛ فباع بيته ومزرعته، وذهب ليستثمر أمواله مع شركة للتنقيب عن الأحجار الثمينة، وتنقل من بلد إلى آخر، حتى مات فقيرًا بعد ست سنوات في شمال أفريقيا! الغريب في هذه القصة الحقيقية هو اكتشاف عروق من الأحجار المملوءة بأفضل أنواع الألماس في فناء نفس البيت الذي باعه الإيراني، وذهب بعيدًا ليبحث عنه!
تعلمت أن الثقة بلا حدود تُخرج من الزوجة أفضل ما عندها، وتؤكد قيمتها كشريك للحياة على قدم المساواة .. أنا لا أعرف ما في دولاب زوجتي أو حقيبة يدها .. ولا أنظر إلى الرسائل التي تصلها، أو أسألها عمَنْ كانت تحادثه تليفونيًا .. ولا أراجع أي قرار تتخذه بالعطاء، أو أستهين برأي تبديه في حواراتنا، لأني أثق في شخصها وحكمتها. عندما ذهبت للشهر العقاري لأصدر لها «توكيلا عامًا» سألني الموظف هل تعطيها حق التصرف منفردة في كل شيء؛ فأجبته برغبتي في ذلك بكامل إرادتي .. الراجل ابتدأ يطلب من المزدحمين حولنا: «حد يعقلّه يا ناس!» وكان ردي على صياحه أقوى شهادة عن المعنى المسيحي للزواج!
تعلمت ألا أكون مسؤولاً عن زوجتي فقط، بل أن أكون مسؤولاً أمامها .. فتعهدت لها، بالاتكال على نعمة اللـه، ألا أفعل في السر أو العلن ما يمكن أن يجلب عليها أو على أبنائنا أي خزي أو عار .. ولكي أكون مُسائلًا أمامها سمحت لها بحرية أن تسألني أي سؤال يخطر على بالها عما يتعلق بسلوكي، وأفكاري، ودوافعي؛ ووعدت أن أجيب على أسئلتها بكل صدق وشفافية. وأعترف أن هذا الالتزام الأخلاقي قد حماني من الوقوع في فخ التجارب التي تهدم عادة العلاقات الزوجية، وتفصلنا بالخطية عن اللـه.
تعلمت أن بساطة العيش تجلب السعادة، فشكرت زوجتي على كل طعام وُضع أمامي .. تعلمت أن المشاركة في تحمل الأعباء المنزلية لا يقلل من شأني، لكن يؤكد لها عمليًا أني أهتم بها وأقدر تعبها .. تعلمت منها أن أفرغ دولاب ملابسي من كل ما يمضي عليه موسم لم يُلبس فيه مرة واحدة .. تعلمت معها أن الخضوع المتبادل بيننا يضمن لنا بركة ألا تعاق صلواتنا .. ومن بين ما تعلمته أن العلاقة الحميمة معها وسيلة رائعة للتقارب والتوحد معها، لكنها ليست بديلاً للحوار الجاد الذي به نحل مشاكلنا، وفي كل مرة أخذتها في حضني تذكرت أنها إنسان مثلي .. لقد تعلمت الكثير مع زوجتي، وتعلمت الكثير منها أيضًا.
امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك … هكذا يبارك الرجل المتقي الرب (مزمور ١٢٨: ٣-٤).
https://www.focusonthefamily.me