مرثا والإيمان بالقيامة
الهدى 1209 مايو 2019
أعلنت مرثا إيمانها بالقيامة حسب العقيدة اليهودية عن الحياة القادمة. لكن يسوع زاد إيمانها بمفهوم جديد. «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟». قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا 11: 25-27).
وهنا لابد لنا أن نتعرف على قصد يسوع من كلامه إلى مرثا. أراد يسوع أن ينقل مرثا من الإيمان بعقيدة إلى الإيمان بشخصه فهو علة القيامة الروحية والقيامة الجسدية. فالقيامة الروحية من موت الخطية «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا 25:5)، وعن قيامة الأجساد «لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ. فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.» (يوحنا 5: 28-29).
لقد قصد يسوع أن يعرف مرثا أيضاً أنه هو القيامة الآن لا في اليوم الأخير فقط لأنه علة القيامة، وهي ممكنة وفي سلطانه حيث كان. وشرط التمتع بذلك هو الإيمان. وبذلك نقل يسوع مرثا من الإيمان بالمستقبل إلى الحاضر، وأيضاً آمن بالمسيح بعد إقامة لعازر من القبر كثيرون من اليهود «فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ آمَنُوا بِهِ» (يوحنا 45:11)، وأما رؤساء الكهنة والفريسيون قالوا «إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». (يوحنا 11: 48). وهنا يتضح لنا أن غير المؤمنين يبحثون عن مواقعهم ومصالحهم.
قصد يسوع أن يتدرج مع مرثا فأعلن لها إنه هو القيامة والحياة، وقد بدأ بالمادي ثم الروحي، ومن القيامة بوجه عام إلى أنه هو نفسه القيامة.
أراد يسوع المسيح أن يفتح عيني مرثا إلى أنه هو القيامة والحياة. أي أنه هو مصدر كل حياة جسدية وروحية، ولأنه هو مُبدئ الحياة يقدر أن يعيدها. قد أبدع الرب بحبه الشديد حياة المخلوقات من العدم. وأن كل من نال الحياة الروحيّة من البشر إنما نالها منه وهو يحفظها إلى الأبد. وأنه لا حياة لأحد من الناس بدونه.
أ ) موت بعد الحياة وإلى الأبد .. حياة بدون رجاء .. غير المؤمنين.
هؤلاء الذين يعشون يأكلون ويشربون ويموتون ومصيرهم الأبدي الهلاك. وهؤلاء غير المؤمنين بشخص المسيح واهب الحياة. وهذا هو المفهوم السلبي من كلام يسوع مع مرثا «مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا». وهذا يعنى أن غير المؤمنين بيسوع المسيح ليست لهم حياة أبدية. هؤلاء يسمعون كلمة الحياة ولكنهم لا يتأثرون بها مثل الأرض التي وقعت عليها الحبوب وأكلتها الطيور، أو مثل الأرض المحجرة ووقعت عليها الحبوب ونمت وإذ لم يكن لها أصل جف، أو مثل الأرض التي بها الشوك وقعت عليها الحبوب وعندما نمت فطلع الشوك وخنقه. (متى 1:13 – 7).
وهؤلاء الذين بدون رجاء يعيشون في العالم، ويعيشون للعالم وهم الذين يقول عنهم يسوع المسيح « .. لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ» (متى 13:7). والرب يسوع المسيح يحذر من السير في هذا الطريق. وهؤلاء الذين بدون رجاء يعيشون حاضرهم على الأرض فقط ويموتون مرتين الموت الأول هو موت الجسد والموت الثاني هو الموت الأبدي.
ب ) حياة بعد الموت وإلى الأبد .. رجاء الحياة .. المؤمنين.
كان كلام يسوع المسيح مع مرثا مضمونه أنه هو واهب الحياة الحاضرة، والحياة في المستقبل «الحياة الأبدية». فكان كلام الرب يسوع المسيح فيه الرجاء القريب، وقد قدم نموذج الحياة عندما أقام لعازر من الموت، وإن إقامة لعازر من الموت مسألة وقتية، لأن لعازر بعد ذلك عاد إلى القبر. ولكنه أعلن بذلك أنه هو مصدر الحياة للذين يؤمنون به.
قاد الرب يسوع المسيح فكر مرثا إلى أن موتى الخطية هم الذين لا يؤمنون به. وقد
أنار ذهنها إلى أن الإيمان به هو حياة حين قال لها: « مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا.»، وهو هنا يتكلم عن موت الجسد أنه هو له سلطان أن يقيمه، ثم يتكلم عن موتى الخطية فيقول: « وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ». فيسوع يتكلم عن الأحياء سواء مرثا أو المستمعين له. وفي الحال أعلنت مرثا إيمانها «أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ». فمرثا وكل الأحياء الذين يؤمنون بالمسيح يموتون موت الجسد مرة واحدة ولكنهم يعشون حاضرهم «الحياة في الجسد» ويعيشون مستقبلهم «الحياة بعد موت الجسد» في السماء. فكل من يؤمن بالمسيح ينال الحياة الأبدية. والحياة الأبدية تبدأ هنا على الأرض من لحظة الإيمان بالمسيح وتمتد إلى الأبد.
فكل من آمن بالمسيح وقبله مخلصاً ورباً لحياته، «فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ.» (يوحنا 24:5).