القيامة والصعودمدير التحرير

ظهورات المسيح الأسباب والأهداف

الهدى 1232                                                                                                                               يونيو 2021

يُسجِل العهد الجديد أثنتي عشر ظهورًا للمسيح بعد قيامته من الموت ظافرًا منتصرًا، حيث تنفرد البشائر الأربع بذكر عشر مرات ظهر فيها المسيح لتلاميذه، سواء كانوا أفرادًا أم جماعات، بينما يُسجِل الرسول بولس ظهورًا ليعقوب، وظهورًا خصَّه المسيح به، حيث يكتب في رسالته الأولى إلى أهل كنيسة كورنثوس، أنَّ يسوع المسيح المُقام مِن الموت «وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا» (1كورنثوس 15: 5-8).
بدأت ظهورات المسيح فجر أحد القيامة، واستمرت لمدة أربعين يومًا، قبل أن يصعد أمام أعين تلاميذه من فوق جبل الزيتون، وقد ظلَّوا شاخصين إليه حتى أخذته سحابة عن أعينهم، ثم ظهر لهم ملاكان، قالا: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ» (أعمال 1: 11)؛ أمَّا ظهوره لبولس فقد كان بعد صعود المسيح إلى السماء.
أربعون يومًا والمسيح المُقام يظهر لتلاميذه، فما هي الأسباب والدروس التي نتعلّمها من هذه الظهورات المتتاليّة؟ في اعتقادي أنَّ هناك أسبابًا دعت المسيح المُقام يظهر لتلاميذه، منها:
1. تأكيد حقيقة قيامته، كان رجال الدين اليهود، الكتبة والفريسيون، يخشون أن يكون تعليم المسيح عن قيامته صحيحًا، فبذلوا جهدهم أن يضمنوا حراسة مشددة على قبره، لكنَّ المسيح «قَامَ كَمَا قَالَ» (متى 28: 6)، وبعد أن شعر الحرَّاس بزلزلة عظيمة، ورأوا ملاك الرب يُدحرِج الحجر الموضوع على قبر المسيح، ذهبوا وأخبروا «رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَاجْتَمَعُوا «رؤساء الكهنة» مَعَ الشُّيُوخِ وَتَشَاوَرُوا وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ». فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ فَشَاعَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ» (متى 28: 2، 11-15)؛ لذا كان أحد أسباب الظهورات المتكررة للمسيح المقام، هو التأكيد على حقيقة قيامته، ونفي الإشاعات المُغرِضة لرجال الدين اليهود.
2. التأكيد على حقيقة كونه ابن الله، يكتب الرسول بولس في رسالته إلى أهل كنيسة روميّة، «وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا» (1: 4)؛ يشرح د. وليم إدي في تفسيره الكنز الجليل في تفسير الإنجيل والجزء الخاص برسالة رومية، هذه الآية، فيقول: «تَعَيَّنَ»، أي تأكد وأُعلن لنا بالدليل القاطع، أنَّ يسوع هو ابن الله، تلك البنوة الأصيلة والأزلية التي طالما تكلَّم عنها، وإن قيل كيف تكون قيامة المسيح دليلاً على أنه ابن الله قلنا أنه قام بقوة نفسه لأن له «سُلْطَانٌ أَنْ يضَعَهَا وَلِه سُلْطَانٌ أَنْ يأخُذَهَا أَيْضاً» (يوحنا ١٠: ١٨). وأن يسوع كان لا يفتأ مصرّحاً بأنّه ابن الله فأقامه الله من الأموات تصديقًا لدعواه وإلا فلو بقيَّ تحت سلطان الموت لكان ذلك بمنزلة نفي الله أنّه ابنه فإقامته إياه إثباتٌ لتلك الدعوى.
3. لتأسيس وبدء الكنيسة، جماعة الرب، كان يسوع يحث تلاميذه على الخدمة والإرسالية، وكم مرة أرسلهم في خدمات متنوعة، وفيهم استثمر حياته وتعليمه، ودعاهم أن يذهبوا ويتلمذوا ويعلموا جميع الأمم، لكنَّ هؤلاء التلاميذ عندما رأوا مُعلِمهم يساق إلى الصلبِ، فمنهم مَن خان، ومنهم مَن أنكر، ومنهم مَن شكَّ، وجميعهم شعروا بالذعر والخوف، فكيف تتأسس الكنيسة، بهؤلاء، وهكذا كانت ظهورات المسيح بعثًا جديدًا لهؤلاء الرسل الذين سوف يحملون رسالة المسيح إلى العالم أجمع، ومن خلال خدمتهم ستتأسس الكنيسة.
ويمكن أن نرى أيضًا أسبابًا أخرى في ظهورات المسيح، فمثلًا، في ظهوره الأول للمجدليّة، كان مكافأة لإيمانها وحبّها الذي جعلها تخرج مع نسمات فجر يوم الأحد، والظلام مازال باق، دون خوفٍ من الحرَّاس الأشداء، ولا أي شيء أخر سوى رؤيتها لجسد يسوع، وإكمال ما يلزم من حنوط، فكانت أول مَن رأى المسيح المُقام، حتى قبل ظهوره لتلاميذه مثل بطرس وغيره، وقد كانت أول مَن كُلفت بحمل الرسالة وتبشير التلاميذ، كما كان في ظهور المسيح للتلاميذ في العليّة والأبواب مُغلَّقة، سببًا ينزع منهم خوفهم، ويُعيد لهم إيمانهم بالمسيح الحي، المُعلم، والقائد، ابن الله الظاهر في الجسد، ولا يمكن أن ننسى ظهور المسيح لتوما ليُعالج شكَّه، وبطرس ليسترده بعد ضعفٍ، وظهوره ليعقوب ليشدده قبل موتٍه، وهكذا توالت ظهورات المسيح، التي اكتملت بصعوده مع وعد بإرسال الروح القدس الذي سيملأ التلاميذ ويحلّ في كنيسته، واختتمت الظهورات بتعويض يهوذا الخائن وإكمال عدد الاثني عشر تلميذًا باختيار شاول الطرسوسي ودعوته ليكون بولس الرسول العظيم، رسول الأمم.
وإن كان المسيح لم يعد يظهر كما ظهر للتلاميذ والرسل، لكن وعده مازال قائمًا، لكل تلميذٍ: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ. فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ» (متى 28: 18-20).

د. القس نصرالله زكريا

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 1989م.
* سِيمَ قسًا وراعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أبو حنس المنيا
* المدير التنفيذي لمجلس الإعلام والنشر
* مدير تحرير مجلة الهدى منذ عام 2006
* مؤسس موقع الهدى، وموقع الإنجيليون المشيخيون.
* له من المؤلفات ما يزيد عن أربعين كتابًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى