نهاية السنة أم سنة النهاية؟
الهدى 1238 ديسمبر 2021
اعتدنا دائمًا في نهاية السنة أن نتذكر كل الأحداث التي واجهناها خلال السنة. وتختلف الأحداث من شخص إلى آخر، ومن أسرة إلى أخرى. فهناك من تكون السنة المنتهية بالنسبة له سنة سعيدة بسبب الأحداث السعيدة والمفرحة التي حدثت له خلالها سواء كفرد أو كأسرة من نجاح، أو زواج، أو ولادة مولود جديد في الأسرة، أو الإلتحاق بفرصة عمل جيدة، أو شراء شقة أو سيارة أو …إلخ. ومن هذه الفئة هناك من يذكر إحسانات الرب معه فيقدم الشكر لله، ويستقبل سنة جديدة. وهناك من ينسى ويتناسى ولا يذكر أي شيء ولا يشكر على أي شيء.
لكن هناك أيضًا من تكون السنة المنتهية بالنسبة له سنة أليمة، صعبة، قاسية، حزينة، وذلك بسبب ما تعرض له خلالها من أحداث مؤلمة سواء كفرد أو كأسرة من مرض أو فقد أحد الأحباء من داخل الأسرة أو من خارجها، أو فشل في عمل ما أو دراسة ما، أو احتياج مادي، أو كسرة معينة وإحباط، أو أي ألم من أي نوع، وما أكثر الآلام خاصة في هذه الأيام الصعبة التي انتشر فيها المرض والوباء.
ويبقى التحدي بصفة خاصة لدى المتألمين كيف يشكرون على سنة أليمة قاسوها في الألم والحزن؟ كيف يشكرون على سنة لم يدق الفرح بابهم فيها كغيرها من السنوات؟ كيف يشكرون وهم لم يتذوقوا فيها طعم بهجة أو سرور يزيل طعم العلقم والمرار الذي ملأ أفواههم في تلك السنة؟ كيف يستطيعون أن يروا معية الرب معهم من أول السنة إلى آخرها» (تثنية 11: 12).
وهنا يجدر بنا أن نلقي الضوء على ما قاله إرميا في حالة مماثلة في مراثيه، فيبدأ الأصحاح الثالث من مراثي إرميا بذكر الألم والمذلة والإنحناء بسبب خراب أورشليم، والحزن الذي خيّم على الشعب من عدد (1) إلى عدد (20) فيقول: «ذكر مذلتي وتيهاني أفسنتين وعلقم. ذكرًا تذكر نفسي وتنحني فيّ.» (مراثي 3: 20–21).
وهنا يُصور مشاعر الإنسان الطبيعية تحت وطأة الألم، وربما يكون هذا حال كثير من الناس اليوم في ظل المرض والضيق والفقد والظروف المختلفة المُحزنة خلال السنة أو السنتين الماضيتين، فما يذكرونه هو الألم، وذكره بالطبع يكون مُرٌّ، وأفسنتين، وعلقم. يذكرونه فتنحني فيهم نفوسهم.
لكننا هنا أيها الأحباء نرى أيضًا إرميا في وسط كل هذا الحزن، ومن قلب مرثاته التي أقامها على حاله وحال شعبه، يتشبث برحمة الله، فنراه يحول نظره إلى الله، ليتحول له العلقم والأفسنتين إلى حلاوة عند ذكر إحسانات الرب. فيقول: «أُردد هذا في قلبي من أجل ذلك أرجو: أنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ، لأن مراحمه لاتزول. هى جديدة في كل صباح. كثيرةٌ أمانتك.» ( مراثي 3: 21–23).
وكلمة إحسانات في الأصل العبري ترد حوالي 250 مرة في العهد القديم لتشير إلى رحمة الله ومحبته، ونعمته، وصلاحه، وشفقته على الإنسان. فالله دائمًا يذكر عهده وميثاقه مع الإنسان بالرحمة، والأمانة، والإحسان.
فلأنه صالح فإنه يغمر الإنسان بإحساناته، وإذا تأمل الإنسان المتألم الذي ما زال على قيد الحياة في إحسانات الرب، فإنه يستطيع أن يضم صوته مع إرميا ويقول بالرغم من ذلك الألم والحزن لكني سأردد هذا في قلبي «أنه من إحسانات الرب أننا لم نفن»، بل أيضًا يستطيع أن يبارك الرب قائلًا: «باركي يانفسي الرب ولاتنسي كل حسناته» (مزمور 103: 2).
وأيضًا لأنه إله رحيم فإنه لا يمنع مراحمه «مراحمه لاتزول» وكلمة «لاتزول» تأتي في الأصل بمعنى «لا تنقطع»، ويؤكد هنا ليس فقط أنها «لا تنقطع» بل هى «جديدة في كل صباح». كما أن ما يضمن ذلك هو أمانته، فهو إله الأمانة «كثيرة أمانتك» هو أمين في كل وعوده بغض النظر عن حالتنا أو أمانتنا لدرجة أن «عدم أمانتنا لا تبطل أمانته.»
قد تكون السنة المنتهية هى سنة النهاية لحياة وخدمة بعض الأحباء الغاليين الذين فارقونا فيها ليذهبوا إلى بيتهم الأبدي، ويستوطنوا عند الرب، فهى أيضًا تعتبر سنة البداية لانطلاقهم ليكونوا مع المسيح إلى أبد الآبدين.
لكن إذا كنا بعد أحياء وخدمتنا مازالت باقية ونحن نودع السنة ونستقبل سنة جديدة، فيليق بنا في نهاية السنة أن نتذكر إحسانات الرب ونردد في قلوبنا وعود الرب وكلمته التي تملأنا بالتعزية والرجاء، وأن نتحد مع إرميا في نهاية حديثه في هذا الأصحاح في إتخاذه الرب نصيبًا له «نصيبي هو الرب، قالت نفسي، من أجل ذلك أرجوه.» (مراثي 3: 24). وهكذا نستطيع أن نقدم الشكر له كل حين، وخاصة في نهاية السنة حتى ولو كانت أليمة مليئة بالأحداث المحزنة، فإننا ننتظر الرب وتعويضاته ويده القديرة المُخلّصة في سنة جديدة كما انتهى إرميا أيضًا بهذه الحقيقة: «جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب» (مراثي 3: 26).