الصليب وعدالة الله
الهدى 1230 أبريل 2021
هل من العدل أن يتحمل المسيح البار دينونة الأشرار؟
في الواقع أن الصليب هو تجسيد لعدالة الله المطلقة، وحكمته ومحبته، وكمال صفاته الإلهية حتى أنه من المؤسف حقًا أن بعض المغرضين يرون في صليب المسيح ما يتنافى مع العدالة الإلهية، زاعمين أن في الصليب تذنيبا للبريء وتبريئا للمذنب. والحقيقة أنه في الصليب تتجلى حكمة الله وقوته حتى تبيد حكمة الحكماء فهم الفهماء. فالرسول بولس يقول « فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ وَأَرْفُضُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ». أَيْنَ الْحَكِيمُ؟ أَيْنَ الْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هَذَا الدَّهْرِ؟» (1كو1 :18-20).
ويؤكد الكتاب الكتاب المقدس في سفر الأمثال هذه الآية «مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ» (أم17: 15) وحاشا لله أن يفعل ما يكرهه. وعندما نتأمل في موضوع الصليب يجب علينا التأكيد بالقول أنَّ المسيح البار لو كان قد أجبر على حمل دينونة الأشرار ومات ضد إرادته لكان ذلك فعلًا منافًيا للعدالة، أمّا وأن الرب يسوع قد اختار برغبته وبدافع محبته أن يحمل عار البشر وخطيتهم فإننا نرى في صلبه عدالة الله الكاملة لأنه إذ سبق وأعلن أن أجرة الخطية هي موت، ولم يخفف الآب هذه الأجرة عن ابنه الوحيد الحبيب حين «وضع عليه إثم جميعنا» (إشعياء 53: 6) لكي يصير «لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي» (عبرانيين 5: 9)؛ ويخطئ الناس إذ يظنون أن الرب يسوع قد صلب كشهيد لأن تعاليمه تعارضت مع تقاليد المجتمع، وينسون أنه مات كفادٍ لأنه «كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى» (يوحنا 13: 1) فالمسيح لم يمت شهيدًا كأنه عن ضعف، لكنه مات حبًا لخاصته ليقدم فداءً للكنيسة لكل مَن يؤمن به، وقد شهد المسيح نفسه مؤكدًا ذلك بالقول « لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يوحنا 10: 17-18)؛ وهنا نرى أنَّ المسيح بسلطانه اختار أن يضع نفسه ولم يأخذها أحد منه. وإذ حاول بطرس مساعدة المسيح بسيفه «قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. .. أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟». (متى 26: 52-54)؛ وعندما قد سبق المسيح وأخبر نيقوديموس أنّه ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان (يوحنا 3: 14)؛ كما قال لليونانيين أيضًا، « اَلآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجاً. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ». قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ.» (يوحنا 12: 31-33) وهذه الآية ترينا أن المسيح قد اختار أن يرتفع عن الأرض ويعلق على الصليب ليجذب إليه الجميع، جميع من يؤمنون به.
إنَّ الصليب يعلن لنا عدالة الله لأن المسيح إذ ارتفع عن الأرض قد رفع خطية الإنسان وأعاد الشركة بين الإنسان وبين الله ورد الإنسان إلى ملكوت الله، وهكذا هزم الشيطان بالصليب، بل ومن خلال الصليب فتح الطريق للإنسان ليعود إلى محضره وللشركة معه بل لينال «شركة الطبيعة الإلهية» (2بطرس 1: 4).