آراء

القس حلمي قادس …. إبراهيم الجديد

الهدى 1207                                                                                                                                 مارس 2019

على مدار نصف قرن قدَّم واعظ شهير ما يقترب من 5000 عظة روحية في شتي الموضوعات المسيحية لاهوت وعقيدة ودراسات كتابية وتأملات. وهي عظات مسجلة على شرائط الفيديو ومحمله علي موقع اليوتيوب ومفرغة في العديد من الكتب. هذا شخص واحد قدم كل هذا الكلام الجميل.
ومن أمثلته يمكن أن يسرد لك أي مسيحي اسماء عديدة. ولكن الحاجة التي يبحث عنها مسيحيون كثيرون هي الفعل. أي القدوة انطلاقًا من معني الأية: «يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!» (1يوحنا 3: 18) يمكن ان نقول يا أولادي لا نحب بالعظات بل بالعمل والحق. وهو الامر الاصعب. وانا فعليا لا اتذكر عظة سمعتها للقس الراحل «حلمي قادس» وليس السبب في ذلك كوني لا أنتمي للطائفة الانجيلية أو لأنني لست من رعية كنيسته ببورسعيد. اطلاقا. ولكن السبب في ذلك أني وجدت في القس حلمي عظة متحركة مازالت أثارها الجميلة تحمل نور الإنجيل المعاش في داخلي. فالباقي من هذا النور هي أفعال هذا الرجل وهي أفعال عميقة صادقة متجذرة لذلك لن ترحل برحيله إلى الفردوس. بل سوف تظل دروسًا تسكب تجسد المسيح الذي فينا بما هو أقوى من الحروف بكثير. لقد أعاد القس حلمي صورة أبو الاباء ابراهيم إلى واقعنا المعاش فكان واعظًا بالكرم النادر الذي يجعلك تخجل من قوة محبته وصدق معاشرته. هذا الكرم جعلني فعليًا امتنع عن الذهاب إلى بورسعيد. لعدم قدرتي على تحمل هذه المحبة الخالصة والتي تجعلك تتذكر كيف استحق إبراهيم أن يستضيف المسيح في أحد ظهوراته بالعهد القديم مشهد استقبال إبراهيم للمسيح يشرح لكل نفس تتمثل بإبراهيم وتدخل مع الله في صداقة حب تجلس عند باب خيمتها (الغربة عن العالم). هذه النفس تستقبل رب السماء وملائكته. عندما تستقبل الغرباء كما يقول الكتاب «إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا» (يو 23:14). أو «هأنذا واقف علي الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه» (رؤ 20:3). ودخول المسيح، الشخص الأول والبارز من الثلاثة إلى خيمة إبراهيم يرمز لتجسده (أي أخذ خيمة بشرية). كان الظهور في «بلوطات ممرا» ممرا أي الرؤية أو البصيرة «طوبي لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله» وبولس الرسول يعطي درسًا من هذه الحادثة أنه بإضافة الغرباء استضاف إبراهيم ملائكة وهو لا يعلم ركض لاستقبالهم: هنا إبراهيم يتوجه للثلاثة ولم يميز حتى الآن تَمَيُّز أحدهم عن الباقين .. كان القس حلمي قادس يركض مستقبلا ويركض مودعا. حاملًا ابراهيم في كتابه الحي والمسيح في قلبه النقي ويقدمهما معا للغريب قبل ان يقدم الماوي والغذاء والراحة. لذلك يبقي المسيح من افعاله موجودا بقوة لكل من تعامل معه. وهو وجود ابقي من الوعظ والكلمات السهلة. وفي الوقت الذي نرثي فيه رحيل القس حلمي من عالمنا نتمنى ان نتعلم من حياته وسلوكه لإثراء الحياة الروحية الحقيقية من خلال روح التلمذة المسيحية التي تتطلب معلم وتلميذ أو شيخ مختبر وشخص مبتدي يتلمس من خلال سيرته الطريق ويسير مجاهدا نحو النور الحقيقي. القس حلمي بحياته علمنا درس مهمًا وجميلًا «كفانا وعظًا .. نريد أفعالًا وسلوكًا» .. رحمك الله يا أبي وعزاء قلوبنا بكثيرين على شبهك.

روبير الفارس

* كاتب صحفي وروائي.
* صدر له أكثر من أربعين كتابًا بعضها في اللغة الإنجليزيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى