رأي الهدى

أزمات وأفراح

أزمات وأفراح

الهدى 1254-1255                                                                                                          مارس وأبريل 2024

هل اجتزت فترة من حياتك يمكن أن تُسميها «أزمة»؟ هل كانت هذه الأزمة شخصيّة، أم مجتمعيّة؛ فالأزمات حين تضرب تطال جوانب حياتنا الاجتماعيّة والسياسيَّة كافةٌ، الاقتصاديّة والماديّة، الصحيّة وحتّى الروحيّة، حتى يشعر بعضٌ أنَّ الله نسيّهم، وربما يتساءلون: أين الله؟ هل يشعر بنا؟ هل يمكن أن يتدخل ويعبرُ بنا هذه الفترة/ الفترات العصيبة؟
يجتاز العالم خلال هذه السنوات عدة أزمات وحروبٍ أثَّرت في جوانب حياتيّة واقتصاديّة شعر بها الكثير منّا، أفرادًا، أو عائلات، أو كنائس، ووسط موجات الغلاء، وعدم استقرار الأسعار، وانتشار أمراضٍ تعصفُ بأحبائنا، أصبح الحاضر مُحبط وغير مستقرٍ، فكيف سيكون المستقبل؟ وهنا يتجدد السؤال: أين الله؟ لكنَّ، دائمًا تأتي الإجابة من كلمة الله، لتؤكد أنَّ الله ليس بعيدًا، وهو يرى ويتدخل في الوقت المناسب، وبطريقة قد تختلف عن تصوُراتنا، وتوقعاتنا.
نقرأ في سفر الملوك الثاني (6، 7)، كيف عانى الشعب قديمًا، أزمات سياسيّة واقتصاديّة، فمن الخارج حِصارٌ، ومن الداخل غلاءٌ يضربُ، «حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِثَمَانِينَ مِنَ الْفِضَّةِ ..ِ»؛ وجوعٌ مُميت وصل بالأمِ لأن تأكل فلذة أكبادها، وحين بلغ الخبر الملك، لم يكن بيده حيلة، فمزق ثيابه، وقال، من أين لي أن أُخلِّص؛ وبعدما ضاق الناس ذرعًا، جاءت كلمة الرب على فم نبيّه قائلة: «فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ غَداً تَكُونُ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِلٍ وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِلٍ»، لم يُصدِقُ بعضُ، وتمنى كثيرون تحقيق تلك الأمنيَّات، وقد حدث، وتدخَّل الربَّ بطريقةٍ معجزيّة، وانتهت الأزمة وتبدَّل الحال، وهكذا اجتازت بلادنا كثيرًا من الأزمات، حتى أنَّ التاريخ يُذكّرنا بالشدة المستنصريّة في نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، لكنَّ الأزمة انتهت، وها نحن الآن، ويبقى الله دائمًا أمسًا واليوم وإلى الأبد.
كما يُمكن أن نرى في اختبار التلاميذ، نموذجًا آخر للأزمة التي يمكن أن تعصف بأفضل الأمنيَّات، وتزلزل الواقع الذي بدأ مُشّرِقًا، فمن التساؤل عمن سيكون على يمين ويسار يسوع الملك، ها هو يُقبضُ عليه، ويُصلب ويموت، وفي الوقت الذي شعروا بخيبة الأمل، وأنَّ أحلامهم تحطمت، كان فجر القيامة، وانتصار المسيح على الموت، وقيامته الظافرة، وقد استردَّ إيمان تلاميذه، فتحوّلت الأزمة في حياتهم إلى انطلاقة للشهادة، وانتشار الكنيسة، التي يشهد التاريخ عن استمرارها عما يزيد عن ألفي عام، إنَّه الله الموجود والحاضر في كل آنٍ، صاحب السلطان والذي في يده مقاصير الأرض، إنَّه يستبدل خوفنا بثقة، ويُبدِّل نوحنا إلى فرح، في وسط الأزمة تمسّك بالله، وأمن به، فستختبر سلامًا في الضيق، وفرحًا في الحزن.

(المُحرِّر: نون زين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى