الكتاب المقدس وعيد الحب
الهدى 1240-1241 فبراير ومارس 2022
يحتفل العالم في الرابع عشر من شهر فبراير من كل عامٍ بـ «عيد الحب»، حيث تُقدَّم الهدايا والورود للمحبوبين، وما أجمل أن نحتفل بالحب، وأن تُعبِرُ حياتنا عن الحب، وأن يُدرِك مَن هُم حولنا محبتنا لهم، فالحب حاجة إنسانيّة، وجميعنا يحتاج لأنْ يُحِبُ، ويُحَبُ؛ وإذ كان البعض يختزل الحب في علاقةٍ عاطفية وانجذاب بين رجل وامرأة فقط، ويقضون السنوات في البحث عن معنى الحب الحقيقي، نجد أنَّ الكتاب المقدس مليء بمقاطع عن الحب، وهو أحد المواضيع الرئيسيّة للكتاب المقدس، وهو يستخدم كلم «حب» أكثر من ثلاث مئة مرة، بمعانٍ مختلفة ومتعددة. ويبقى «الحب» واحدًا من أهم فضائل الحياة المسيحيّة.
يُقدِّم الكتاب المقدس الحب فعلًا إلهيًا، فمنذ البدء كان الله محبة، وترجم محبته في خَلْقِه للعالم، وفي كل مرةٍ أضاف خلقًا جديدًا كان يفرح ويستمتع بخليقته، وكان يرى أنَّ ما عمله كان حسنًا، وعندما خلق الإنسان على صورته وشبهه، منحه من حُبه، واضعًا فيه بذرة الحب، والعاطفة، ورأى أنَّ ما عمله في هذا الأمر فاق كل ما سبقه، حتى أنَّ الكتاب المقدس يُسجِّلُ أنَّ الله رأى ما عمله أنَّه حسنٌ جدًا (تكوين 1: 31)، وهكذا عندما رأى آدم امرأته حواء لأول مرة تغزَّل فيها ونطق شعرًا قائلًا: ««هَذهِ الْانَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذهِ تُدْعَى امْرَاةً لأنَّهَا مِنِ امْرِءٍ اخِذَتْ» (تكوين 2: 23)؛ فمنذ البدء أوجد الله وصمم الإنسان على الحب، وأسس للعلاقة الزوجيّة بين آدم وحواء، وهذا يتضح كلما مررنا بحياة إبراهيم وسارة، إسحق ورفقة، ألقانة وحنَّة، سليمان وشوليمث، وغيرهم الكثير، لقد أعدَّ الله للإنسان أن يحيا مُتمتعًا بالحب، والرفقة والشركة، وأن يُثمر ويُكثر ويملأ الأرض، ويتمتع بما خلقه الله لأجله.
وإن كان الكتاب المقدس يستخدم الكلمة العبريّة «אהב، Aheb، أحب»، فهو يستخدم ثلاث كلمات يونانيّة تُعبِّر عن ثلاثة أنواع من الحب:
1. إيروس «ἔρως ،eros»، وهو حبٌ أناني، لا يُفكِر إلّا في إشباع ذاته، وهو يُصوِّر الشغف المرتبط بالرغبة الجنسيّة، ويُرجح البعض أنَّ نشأة هذا الحب يعود إلى إلهة الحب اليونانيّة، ونظيرها الإله الروماني «كيوبيد»، ومع أنَّ الحب والرغبة الجنسيّة في إطارهما الكتابي يُعتبرا بركة منحهما الله للإنسان، فمنذ البدء قال الله للإنسان: «اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلاوا الارْضَ»، لقد منح الله الإنسان القدرة على الإثمار والإكثار وملء الأرض، لكن إذا ضلَّ هذا المعنى عن إطاره، فيكون نموذجًا للتدمير الأخلاقي والإنساني والعائلي، ونرى فيما حدث بين أمنون وأخته ثمار أحد أوجه هذا الحب الأناني المُدمِر (2صموئيل 13).
2. فيلو «φιλέω ،Philia»؛ وهذا النوع أكثر نضجًا من حب الإيروس، ويقوم على تبادل المنفعة، فكل من الطرفين يجد إشباعًا في ممارسة هذا النوع من الحب، وغالبًا ما يُترجم هذا المصطلح بـ «الحب الأخوي»؛ وهذه المحبة ضرب فيها داود ويوناثان مثلًا يُقتدى به.
3. أجابى، أي المحبة غير المشروطة، «ἀγάπη ،agape»؛ وهذا النوع الأكثر نُضجًا، ويُعبِر عن الفعل الإرادي الذي يُقدِّم فيه المُحب لمحبوبة محبة غير مشروط ولا تتوقف على أيّة ظروف، ولا تعوقها أيَّة مُعوقات، حتى لو وصل الأمر إلى الموت في سبيل مَن نُحبه، والنموذج الأمثل لهذا الحب، قدَّمه الله للإنسان في شخص الرب يسوع المسيح، «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي 2: 6-8)؛ وهذه هي المحبة التي ينتظرها الله منا، فقد أوصانا، قائلًا: «.. تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ.» (تثنية 4: 4-5)؛ وهي المحبة التي ينتظر أن نُقدمها لأقربائنا، فيقول: «لاَ تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ. إِنْذَاراً تُنْذِرُ صَاحِبَكَ وَلاَ تَحْمِلْ لأَجْلِهِ خَطِيَّةً. لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. أَنَا الرَّبُّ» (لاويين 19: 17-18)؛ ولشركاء حياتنا، إذ يقول: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس 5: 22)؛ وهي نفسها المحبة التي يأمرنا أن نحب بها أعدائنا فيوصينا المسيح: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ .. وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ .. أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ» (لوقا 6: 27-35).