الكنائس تتكاثر في دول الخليج المسلمة نموذج دولة الكويت
الهدى 1905 نوفمبر 2008
كاتب المقال: أ.د. محمد رجائي جودة الطحلاوي
أستاذ بكلية الهندسة، جامعة أسيوط
الأخ الفاضل القس باقي صدقة
تحياتي وشوقي لرؤياكم، أرجو أن تكونوا في أحسن صحة وعافية، تقابلت خلال الأجازة بزميل دراسة وصديق عزيز، وكنا نعمل في الكويت في نفس فترة إعارتي، وهو لا يزال هناك حتى الآن، تحادثنا عن ذكرياتنا وما اعتري المنطقة من تطورات جذرية، ومن بين ما سألته كان عن أحوال التطرف والتطور الذي حدث في منطقة الخليج بالنسبة للمجتمع المسيحي. إن صديقي مسيحي متدين وصاحب رؤية مستنيرة. تحادثنا طويلًا ودوّنت كثيراً من المعلومات أضفت إليها ما كان مسجلاً لديّ من ذكريات الماضي، وسمحت لنفسي أن أكتب عن الكنائس في المجتمع الخليجي وخاصة في دولة الكويت. ولم أتردد كثيراً في أن أبعث لكم بالمقال فإن وجدتم فيه ما يفيد القارئ أكون شاكرًا لو أذنتم بنشره، أو لعلها خواطر صيف قائظ، شديد الحرارة، عالِ الرطوبة. مع حبي وتقديري لكم وللعائلة الكريمة. أخوكم رجائي الطحلاوي
في مملكة البحرين، تقع أقدم كنيسة في منطقة الخليج أسسها الإنجيليون الأميركيون عام 1906 م، وهي الكنيسة الإنجيلية الوطنية (بروتستانتية، كما تضم البحرين حاليًا كنائس للكاثوليك والأرثوذكس ونحو ثلاثين كنيسة مسجلة رسميًا للجاليات الأجنبية، ولكنها لا تملك مبانٍ، ومن بينها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ويقوم أتباع هذه الكنائس بممارسة شعائرهم في كنائس الطوائف الأخرى. وتخدم هذه الكنائس جاليات كبيرة من الوافدين الغربيين والآسيويين والعرب. وعدد المسيحيين البحرينيين يصل إلى نحو ألف شخص، والجدير بالذكر أن السيدة أليس سمعان وهي مسيحية عينت في تسعينيات القرن الماضي عضوًا في مجلس الشورى البحريني.
وسبق أن بُنيت في الكويت والإمارات وسلطنة عمان كنائس للمسيحيين القلائل الذين يحملون جنسيات الدول الخليجية وأيضاً لأجل مئات الآلاف من المسيحيين المقيمين ولطوائفهم.
كما تضم الإمارات العربية المتحدة- والتي تفاخر بانفتاحها وتعدديتها الثقافية- عدة كنائس، منها كنيسة انجليكانية وعدة كنائس بروتستانتية وأرثوذكسية، ولعله ليس بعيداً عن الذاكرة تلك الكنيسة الجديدة والضخمة التي دشنها في أبو ظبي البابا شنودة الثالث في أبريل 2007 م. ويمارس فيها العبادة الآن مئات الآلاف من المسيحيين الوافدين، ومعظمهم من الهند والفليبنيين والعرب والغربيين، ويقيمون شعائرهم بكل حرية. ويشكل الكاثوليك غالبية المسيحيين المقيمين في الإمارات، ولديهم سبع كنائس تنظم فيها الصلوات والقداسات بلغات مختلفة.
وفي سلطنة عُمان، حيث التاريخ الطويل للتسامح الديني، يشكل الهنود الكاثوليك غالبية المسيحيين المقيمين، حيث تمارس جميع الملل شعائرها في كنائسهم الخاصة.
وها هي قطر تلحق بالبحرين والكويت والإمارات وعمان وتفتتح أول كنيسة كاثوليكية ولا تزال في انتظار تشييد خمس كنائس أخرى. وهذه الكنيسة هي الأولى في هذا البلد المسلم المحافظ، الذي يتمكن المسيحيون المقيمون فيه من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية كغيرهم من أبناء دينهم في دول الخليج الأخرى (باستثناء السعودية التي ما زالت تمنع ممارسة شعائرأي دين غير الإسلام). ومع أن قطر تتبع المذهب الوهابي مثل السعودية، فقد أظهرت خلال العقدين الماضيين انفتاحًا متزايدًا على الأديان الأخرى.
أما دولة الكويت، فتضم نحو عشر كنائس تقريبًا، بينهما مجمع كنائس في قلب العاصمة تم ترميمه مؤخرًا. وهناك حوالي مائتا كويتي مسيحي غالبيتهم من أصول عراقية وفلسطينية، مثل عائلة شماس وتعود جذورهم إلى مناطق مختلفة. وهناك أيضا عائلات مسيحية قدمت منذ سنوات طويلة من فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها من الدول. وبينما يصل عدد مواطني الكويت إلى مليون نسمة تقريبًا إلا أن البلد يستقبل أيضاً حوالي 400 ألف وافد مسيحي من الهند والفلبين ومصر ولبنان والدول الغربية. وقد عاش كاتب هذا المقال خمس سنوات في الكويت معارًا لجامعتها الشهيرة ويشهد أن المسيحيين يمارسون داخل كنائسهم شعائرهم بكل حرية، وهذا يحسب للكويت أميرًا وشعبًا وحكومة في احترامهم لحقوق الإنسان والحريات الدينيّة.
والكنيسة الإنجيلية الوطنية في الكويت -ومقرها الكويت العاصمة-هي عضو في مجلس كنائس الشرق الأوسط. ويقدر عدد رعاياها في الكويت بحوالي 15 ألف نسمة. كان يشغل منصب راعي الكنيسة قسيس مصري والآن يشغله قس كويتي الجنسية، وهو أول قس خليجي معاصر يشغل هذا المنصب كما أنه أول قس معاصر يرتدي زى الكنيسة، إضافة إلى الكوفية الكويتية الشهيرة، خلال أداء الطقوس الدينية.
يعيش في الكويت حوالي نصف مليون مسيحي من عدة جنسيات؛ آسيوية وأفريقية وأوروبية وأمريكية، ولكن الغالبية من الجنسية الهندية والفلبينية. وتوجد في الكويت عدة كنائس أقدمها الكنيسة الإنجيلية الوطنية. وقد بنى الأمريكيون هذه الكنيسة عام 1931 على يد المرسلين الذين قدموا إلى الكويت في بداية القرن الماضي، عندما بدأت شركات النفط أعمالها في التنقيب وابتدأ بعد ذلك تدفق الناس على أساس المشاركة في البناء والتطور. وفي ذلك الوقت تقريباً بدأ الحضور المسيحي في الكويت في الظهور.
وينص دستور دولة الكويت على أن: “حرية إقامة الشعائر مكفولة للجميع في حدود القانون”. والكويت بلد منفتح يضم خليطًا متنوعًا من الأديان، وأي إنسان يتم قبوله إذا كان يحترم خصوصيات البلد ويحترم القانون، وقد لمست بنفسي حرية ممارسة العبادة دون أي مضايقة.
ويبلغ عدد أعضاء الكنيسة الإنجيلية في الكويت حوالي 60 عضوًا. والاجتماعات الكنسيّة تشمل العبادة يوم الأحد، واجتماع للعبادة في كنيسة الرسول بولس بالأحمدي يوم الاثنين، ويوجد اجتماع عام يوم الأربعاء، وآخر للشباب الناشئ يوم الخميس، واجتماعي مدارس الأحد وشباب متوسط يوم الجمعة، هذا بالإضافة إلى اجتماعات لدراسة الكتاب المقدس. وتقدم الكنيسة خدمات المكتبة بالتعاون مع دار الكتاب المقدس في الخليج، مع خدمة الأشرطة المسجلة.
وتستضيف الكنيسة الإنجيلية الوطنية حوالي 50 كنيسة وجماعة مصلية أخرى من مختلف الجنسيات والطوائف؛ من الهند والفلبين وباكستان وكوريا وبنغلادش وسريلانكا، ويبلغ عدد المصلين في مبانِ الكنيسة أكثر من 10000 (عشرة آلاف) شخص في الأسبوع.
وقد تم حديثًا إنشاء ديوانية للكنيسة الإنجيلية، تستقبل جميع طوائف المجتمع الكويتي من سنة وشيعة ومسيحيين، وكذلك بعض القيادات في البلاد وسفراء الدول، حيث تدور في الديوانية حوارات حول الوضع داخل البلاد وخارجها، ومما يميز هذه الديوانية عن غيرها وجود العنصر النسائي في الديوانية.
وفي كل رمضان تقيم الكنيسة احتفالاً بين الفطور والسحور يسمونه “الغبقة الرمضانية” ويدعون له شرائح المجتمع الكويتي المختلفة من عرب، وأجانب، ورجال دين سنة وشيعة، وأساتذة الجامعة والمعاهد العليا، وصحافيين، وفنانين، وغيرهم.
لقد بدأت نظرة المجتمع الخليجي تتغير عن الكنيسة. فباللقاءات الاجتماعية وزيارة الديوانيات والحوار والتواصل مع المسؤولين تتلاقي الأفكار. والجميع يعيش على هذه الأرض الطيبة في سلام ومحبة دون النظر إلى الاختلافات العقائدية. والدول الخليجية. والحمد الله، فهي بلاد آمنة ومستقرة والقانون فيها يحفظ للجميع حقوقهم.