المجمع ودوره .. خطوة في طريق الإصلاح الكنسي
الهدى 1236 أكتوبر 2021
يشهد تاريخ مصر الحديث على الدور الكبير الذي قامت به الكنيسة الإنجيلية المشيخية وأبنائها في شتى المجالات، فعلى المستوى الروحي سعت الكنيسة الإنجيلية منذ يومها الأول لتقديم رسالة الخلاص بالنعمة، وكذلك التلمذة والتعليم الكتابي الصحيح لكل من يقبل المسيح ربًا ومُخَلِصًا. وعلى مستوى العمل الاجتماعي سعت الكنيسة لتقديم التعليم والعلاج لكل إنسان، ولا ننسى دور أبناء الكنيسة كذلك في المشاركة السياسية، والدور التثقيفي التنويري، والحوار المجتمعي… الخ.
ومثل هذه الأمور وغيرها الكثير هي التي قادتها ليكون لها التأثير الكبير على المجتمع المصري. وهذه الأمور التي تمثل تحدي بالنسبة لنا نحن قادتها اليوم، إذ ينبغي علينا أن نقود الكنيسة للمزيد من التقدم، ولا نكون سببًا في عودتها للوراء.
ويعتمد دستور الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر والمتضمن في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، بجانبية الروحي من جهة والإداري والمالي من جهة أخرى، حيث يتميز هذا النظام الإداري بالديمقراطية، وينظم الجانب الإداري والمالي في الكنيسة المشيخية من خلال ثلاث حلقات مترابطة ومتشابكة، هي الكنيسة المحلية والمجمع والسنودس. ونستطيع أن نرى بكل وضوح أنه إن وجدت إحدى الحلقات ضعيفة، فإنها تمثل خطرًا كبيرًا على كل الكيان.
في هذا المقال سوف أتحدث عن دور المجمع الذي أقره وقننه دستور الكنيسة الإنجيلية بمصر. فقد أعطى دستور الكنيسة للمجمع توصيفًا وتكليفًا. التوصيف هو أن المجمع هو « الهيئة الكنسية التي تعلو مجلس الكنيسة، في الدرجة، ويتألف(يتكون) المجمع من سائر القسوس في إقليم معين (منطقة جغرافية محددة يحددها السنودس عند تكوين المجمع)». مواد 221 من دستور الكنيسة.
التكليف، للمجمع سبعة تكليفات أساسية بحسب المادة 226 من دستور الكنيسة وهي:
1- يسوس ويراقب روحيًا خدامه (القسوس، الشيوخ، الشمامسة).
2- يسوس ويراقب روحًيا وتعليميًا الكنائس التابعة لدائرته.
3- أن يكون على بيّنه من التعاليم المُضلة، والحكم في الأمور التي تخص العقيدة.
4- تنظيم الجمعيات وقبولها والعمل على تقدم الحياة الروحية فيها.
5- اتساع نطاق الكنيسة في دائرته لامتداد العمل (الخدمة الكرازية).
6- الاتصال والتواصل مع السنودس.
7- تقسيم المجمع لدوائر رعوية.
هذه التكليفات هي الدور الرئيس للمجمع والتي يجب أن تكون هي شغله الشاغل، ويجب أن يهتم بجميعها. ولكن إن نزلنا على أرض الواقع سنجد أن المجامع الثمانية لسنودس النيل تهتم ببعض هذه التكليفات، بينما تهمل بعضها، فمثلا نجد مجمع يهتم بالعمل الكرازي والامتداد بينما لا يقوم بدوره في متابعة الكنائس روحيًا، وتجد أخر يقوم بالإشراف على الكنائس التابعة له بينما يهمل الامتداد والعمل الكرازي، وهكذا. لكن بحسب الدستور فإننا نجد أن الاهتمام بهذه التكليفات السبعة هو أمر في غاية الأهمية، لأنه يضمن صحة الكنيسة المحلية ونجاحها في توصيل رسالتها وتحقيق السبب من وجودها على أرض الواقع. بينما الإخفاق في القيام بأي من هذه التكليفات سيساهم في فقدان الكثير.
فمثلا اهتمام المجمع بخدامة القسوس والشيوخ ومتابعة خدمتهم بصورة دورية من جهة، وكذلك اهتمام المجمع بالكنيسة المحلية وإشرافه عليها ومتابعة خدمتها عن قرب من خلال النواحي التعليمة والعقائدية سيساهم بكل تأكيد في نمو الكنيسة بصورة واضحة، لأن جودة الخدمة تقود للنمو العددي أيضًا وهو الأمر الذي سيقودها للخروج خارج أسوارها وامتداد العمل وتطوير الخدمة وزرع أماكن جديدة للخدمة. وبالتالي تعثر المجمع وتقاعسه عن دوره الإشرافي سيكون فيه ضرر كبير للكنيسة المحلية.
بعض المعطلات التي يلاقيها المجمع لإتمام دوره
يرى البعض أن اشراف المجمع على الكنيسة المحلية هو تدخل في شئونها الداخلية، وهو أمر غير مقبول، فلماذا يتدخل المجمع في الأمور المالية للكنيسة المحلية؟ ولماذا يعرف ما هي قيمة التبرعات، والعطايا، وما هو حجم ميزانياتها وعدد الأعضاء… الخ؟ وهل يجب أن يكون المجمع على علم بالمشكلات والخلافات التي تحدث داخل الكنيسة المحلية؟ ألا يجب أن تظل هذه الخلافات داخل الغرف المغلقة ليتم حلها بصورة ودية؟ أليس من الممكن أن تدخل المجمع ربما يساعد على تفاقم هذه المشكلات بدلًا من حلها؟ ألسنا قادة كنائس مؤهلين بما يكفي ويمكننا أن نحل مشكلاتنا بأنفسنا؟ كما أنه في حال قيام المجمع بمتابعة خدمة الكنيسة المحلية، هل سيتفهم المجمع ظروف كل كنيسة محلية على حده أم سيكون له مقياس واحد عام قد لا يناسب كل الكنائس؟ هل عند قيام المجمع بمراجعة كشوف حسابات الكنيسة حسب مواد الدستور سيقوم بمراجعتها متخصصين؟ أم أن الأمر هو مجرد نشاط معين لتتميم مادة دستورية؟ وهل يريد المجمع بالفعل معرفة ظروف الكنيسة لمساعدتها على إتمام خدمتها في حال وجود معطلات لذلك؟ أم أنها مجرد مراجعة لمعرفة أسرار الكنائس المحلية؟ من سيقوم بمراجعة دفاتر الكنيسة المحلية من المجمع؟ وهل هو شخص محل ثقة أم سيفشي أسرار الكنيسة؟ وهل عند المجمع آليات فعلية لمساعدة الكنائس على التصدي لمشكلاتها والتغلب عليها؟ والكثير من الأسئلة والأمثلة التي لا تنتهي، والتي غالبا ما تؤدي إلى تحديد ملامح العلاقة بين المجمع والكنيسة المحلية إلى:
• وجود احتياج لراعي أو فك ارتباط رعوي.
• وجود طلبات مالية لدى المجمع أو الكنيسة.
• وجود مشكلة لا تستطيع الكنيسة حلها بنفسها تستدعي تدخل المجمع في الكنيسة.
مما سبق نستطيع أن نكتشف أن دور المجمع أصبح بالنسبة للكثيرين هو دور عقابي، وكل الأسئلة السابقة تشير إلى أن هناك أزمة ثقة غير عادية بين المجمع وكنائسه المحلية. الأمر الذي ينذر بالخطر. لأن الحال قد تبدل وبدلًا من أن تشعر الكنيسة أن دور المجمع هام لمساعدتها، أصبحت مقتنعة تماما أن دور المجمع هو معطل لها. وأيضًا استبدل المجمع دوره في الاطمئنان على كنائسهِ، إلى الاكتفاء بمناقشة تقارير اللجان المجمعية، وحل المشكلات فقط. ونتيجة لذلك أصبحت الكنائس كأنها مجموعة من الجُزُر المنعزلة، تفعل ما يحلو لها.
التوصيات التي نستطيع أن نعمل على تفعليها لنصل لتكامل الأدوار ونجاح خدمة الكنيسة المحلية هي:
1-بالنسبة للمجمع:
أ-يحتاج المجمع أن يتواصل مع الكنائس المحلية واستعادة العلاقة مرة أخرى معها، وتدعيم الثقة بينهم، والاهتمام بشئونها أكثر من الاهتمام بالتقارير والعمل الإداري.
ب-يحتاج قادة المجمع العمل على تنفيذ مواد الدستور الخاصة بمراجعة دفاتر الكنائس المحلية، مع إدراك كامل أن الهدف من هذه المراجعة هو الوصول لصورة وافية عن حالة الكنيسة بصفة عامة، وذلك بحسب مادة 210 من الدستور وإن هذه المراجعة لا تتم فقط لتصفية دفاتر الكنيسة أو تصيد الأخطاء بها. بل لمعرفة التغيرات التي تطرأ على عضوية الكنيسة المحلية، ومدى تحقيق رؤيتها. مع شرح هذه المواد الدستورية التي تشير لأمر الإشراف المجمعي لمجالس الكنائس إن تطلب الأمر.
ت-يحتاج المجمع لأن يعمل على رفع الوعي لدى الكنائس المحلية عن أهمية إشرافهِ عليها، والفوائد المتعددة التي تعود عليها من هذا الإشراف. وأيضًا التوعية بأن الإشراف ليس نوعًا من الوصاية أو التسلط أو العقاب أو طمع من جانب المجمع في أموال الكنائس المحلية.
ث-يحتاج المجمع الإجابة على الأسئلة التي تدور داخل الكنائس المحلية بشأن إشراف المجمع عليها، ويتم ذلك من خلال قيام المجمع بعمل نظام واضح للإشراف على الكنائس المحلية من خلال:
1- تحديد من سيقومون بهذا الدور (وهل سيكونون متفرغين أم لا؟)، ويجب أن يكون لديهم من الخبرة والحكمة والاستقامة ما يكفي لأداء هذا الدور، دون أن يكونوا السبب في حدوث مشكلات بين المجمع والكنيسة المحلية. كما يحتاج المجمع أن يقوم بتحديد مهام عمل من سيقومون بالدور الإشرافي على كل الكنائس المحلية بصورة واضحة. وأيضًا تحديد كيف سيقومون بهذا الدور الإشرافي.
2- كما يحتاج المجمع لوضع خطة واضحة، ومحددة بتفاصيل وتواريخ واضحة للإشراف على الكنائس.
3- تحتاج قيادات المجمع أن تتفهم طبيعة الظروف الخاصة بكل كنيسه محليه على حده لمعرفة كيفية تقديم العون والدعم لها متى كانت في احتياج لذلك.
أ- كما يحتاج المجمع للعودة لاستخدام السلطة الدستورية على الكنائس المحلية مرة أخرى لما فيه صالح الكنيسة المحلية والمجمع.
ب- يحتاج المجمع لأن يقوم بمعاملة كل الكنائس على حدٍ سواء دون تمييز. والإشراف على الكنائس المحلية كما يقوم بالإشراف على الجهات الكرازية.
2-بالنسبة للكنيسة:
أ-تحتاج الكنائس مراجعة مواد الدستور المتعلقة بدور كل من (مجلس الكنيسة، الجمعية العمومية، المجمع)، وذلك حتى يمكنها أن تنمي داخل مجالسها ثقافة قبول الإشراف والمراجعة والمحاسبة أمام الجمعية العمومية أولًا، وفي علاقتها بالمجمع في إشرافه على دفاترها. على أن تلتزم مجالس الكنائس المحلية بتتميم هذه المواد الدستورية كما أقرها الدستور وليس كما تريدها هي.
ب-تحتاج الكنائس المحلية لأن تدرك أن التكامل بينها وبين المجمع والسماح له بالإشراف عليها يساهم في نمو خدمتها التي تقدمها لأعضائها، وكذلك الارتقاء بالدور الإداري والمالي داخل الكنيسة. مما يعود عليها بالنفع المباشر. لأنه:
1- سيساعدها على أن تقوم بوضع رؤية سنوية والالتزام بتحقيقها.
2- سيساعدها على تدريب وتطوير خدامها للقيام بأعمال الخدمة داخل الكنيسة.
3- تطوير العملية الإدارية داخل الكنيسة لتتم بشفافية كاملة.
4- تطوير فكر الكنيسة اللاهوتي ورفضها للأفكار اللاهوتية الغريبة التي لا تقبلها الكنيسة المشيخية.
ب- على الكنائس أن تعتاد على ممارسة الديمقراطية بمفهومها الصحيح والشامل في خدمتها.