سنودس الإصلاح وضرورة تحوير الدستور!!
الهدى 1236 أكتوبر 2021
يعقد في نوفمبر القادم سنودس خاص للإصلاح اللاهوتي والإداري ومما لا شك فيه أن الإصلاح يكون أمرًا إيجابيًا متى كان يهدف لإصلاح المؤسسة ونموها لا لتحجيمها وتقزيمها ومتى كان بهدف توسيع رقعة المشاركة لا إقصاء أشخاص بعينهم.
وفي تقديري إن الإصلاح يحتاج إلى تحوير الدستور متى كان ضروريًا، فعلى مدار السنوات الماضية هناك عدد من المطالب التي تتكرر والتي لا يمكن إغفالها بأي حال من الأحوال، وذلك مثل المطالبة باقتراح يتضمن تفعيل دور المجامع في متابعة مجالس الكنائس المحلية والتقييم الدائم لآدائها، وتعديل مدة رئيس السنودس ونائبه، وكذلك تعديل مدة رئيس المجمع ونائبه، وكذلك المطالبة بتمثيل أقوى للمجامع في اللجنة التنفيذية السنودسية، وتعديل المدد التي يقضيها الشيخ في مجلس الكنيسة، هذه الأمور وغيرها تتطلب منا أن نجري تحويرًا في عدد من المواد الإدارية للدستور، في حالة إقرارها. ومن المعروف أن الدستور يتضمن أساسًا لاهوتيًا وقسمًا إداريًا .
أما عن الأساس اللاهوتي يقول الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس في مقال له منشور في أغسطس 2018 بمجلة الهدى العدد 1200 ص 40 – 43 «من المعروف لنا جميعًا أن دستور الكنيسة المطبوع والمتداول في الكنيسة هو الذي تمت طباعته عام 1985 ولاشك أن هناك ما استدعى طباعة جديدة، وفي تقديري أن من أهم ما حدث هو أن الكنيسة لمست أن إقرار الإيمان المطبوع في دستور الكنيسة سنة 1985 والذي يعود فعلًا لسنة 1925 (كملحق لإقرار الإيمان الوستمنسترى) -وكان سنودسنا في ذلك الوقت أحد سنودسات الكنيسة المشيخية المتحدة في أمريكا الشمالية،- قد تجاوزه الزمن وذلك عندما استقلت كنيستنا على أثر اندماج الكنيسة المشيخية المتحدة في أمريكا الشمالية التي كنا جزءًا منها مع الكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1958، ورغم أن الكنيسة التي كنّا جزءاً منها قررت الاستغناء عن هذا (الملحق) إذا بِنَا نتمسك به، جنبًا إلى جنب مع إقرار الإيمان الوستمنسترى، واختصارًا لقصة طويلة، قررنا التمسك بالملحق وحده! وكان يتكون من 44 مادة، ولم تكن ترجمتها كلها دقيقة، مما أدى لمشكلات نتجنب الخوض فيها، إلا أن ما يهمنا الإشارة إليه هو أن السنودس لمس أن (الملحق) الذي اعتبره إقرار إيمان الكنيسة الإنجيلية بمصر لا يُعبر فعلًا عن إيماننا اليوم لأسباب كثيرة، فهو لا يتعامل ولا يتفاعل مع مجتمعنا في البلاد العربية والديانة السائدة، ولا يأخذ في الاعتبار الضلالات الحديثة المؤثرة مثل شهود يهوه والسبتيين وغيرهم، كذلك المذاهب الإنجيلية غير المشيخية، وغير ذلك الكثير مما استدعى الدعوة لإعداد إقرار إيمان إنجيلي مصري معاصر، مما استغرق إعداده عشر سنوات في اجتماعات ومشاورات كثيرة إلى أن أقره السنودس سنة 2006.
………. واحتدمت المناقشات حول المادة الثالثة من دستور 1985وبصفة خاصة عبارة «لفظًا ومعنى» بالإشارة للوحي، استمرت المناقشات حتى قرر السنودس لإنهاء الجدل أن يلتزم الجميع بإقرار إيمان الكنيسة الذي أقره سنة 2006 ……………
ويستكمل الدكتور عبد المسيح اسطفانوس كلامه فيقول :»تقول المادة رقم (5) نعلن أن الإعلان الإلهي والإيمان والثقة ترتبط جميعًا بالروح القدس والكلمة المكتوبة، وأن الروح القدس لا ينفصل أبداً عن الكلمة، كما أن الكلمة لا يمكن أن تنفصل عن الروح القدس، فنؤمن أن الذين قاموا بتدوين الكتب المقدسة أناس أفرزهم الله، ودفعهم روحه القدوس وهيمن عليهم، مستخدمًا مواهبهم المتباينة، والأسلوب والمفردات المميزة لكل منهم ولعصرهم، حتى أمكن أن تنسب كلمات الكتاب المقدس للروح القدس، ونؤمن أن روح الله هو الذي أوحى بالكلمة المقدسة، وكأن الله نفخ في الكلمات البشرية نسمة منه، كما نفخ قديمًا في آدم، فأصبحت هذه الكلمات حية ومحيية، صادرة من فمه هو، كما يتحدث إقرار الإيمان عن فاعلية الكلمة فيقول: «ونؤمن أن روح الله القدوس مرتبط بفاعلية الكلمة، فالروح هو الذي ينير الأذهان لقبول الكلمة».
ويؤكد الإقرار على عصرنة الكلمة فيقول: «كما نؤمن أن الروح القدس لازال يتحدث إلى المؤمنين اليوم من خلال الكلمة المقدسة، لا من خلال رؤى أو أحلام أو اختبارات أو إعلانات أو رسائل جديدة، فالكلمة النبوية أثبت تمامًا ودائمًا، لذلك فهي الدستور الوحيد المعصوم ذو السلطة الكاملة للإيمان والعمل، والرؤيا والاعلانات التي نقرأ عنها في العهد الجديد وكانت كلها قبل اكتمال تدوين الكلمة، لذلك نحن نرفض كل ما يتعارض مع نص أو روح تعليم الكتاب المقدس، مهما كان مصدره أو تاريخه، ويؤكد الإقرار استمرارية الالتزام التام بالكلمة المقدسة فيقول: «والروح القدس لا ينفصل أبداً عن كلمة الله، فأي توجيه أو تعليم أو اختبار لا يتوافق مع الكلمة يجب رفضه، فقد ترك الروح بصماته المميزة لشخصه في الكلمة المقدسة، فلا يمكن أن يصدر منه أو عنه ما يتعارض مع ما سبق أن قدمه، يختتم الإقرار حديثه بدور الروح القدس والكلمة المقدسة في حياة المؤمنين فيقول: « كما نؤمن أن الروح القدس الذي أوحى بالكلمة المقدسة هو الذي يمنح المؤمنين الثقة واليقين في صحة الكلمة وصدق وعود الله للمؤمنين به». انتهى الاقتباس.
وما قاله الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس يتماشى مع ما قاله طيب الذكر الراحل القس الياس مقار في كتاب إيماني:» إن العلاقة الإلهية البشرية في الكتاب المقدس أشبه بذلك الضوء الذي ينفذ خلال زجاج الكاتدرائيات الملون الذي وإن كان في حد ذاته نورًا علويًا يأتي من الشمس، إلا أنه يحمل معه لون الزجاج عندما ينفذ إلى داخل الكاتدرائية، وإن نسمة الله في الوحي ونفخته تعني في الواقع تلك العناية الإلهية الدافعة والحافظة والمنقية والمحددة لما يُكتب سواء كان تفصيلًا أو إجمالًا، ونؤمن أن روح الله هو الذي أوحي بالكلمة المقدسة، وكأن الله نفخ في الكلمات البشرية نسمةً منه كما نفخ قديمًا في آدم، فأصبحت تلك الكلمات حية ومحيية صادرة من فمه هو والكلمة النبوية هي الدستور الوحيد المعصوم ذو السلطة الكاملة للإيمان والأعمال» انتهى الاقتباس.
بمعني آخر يمكننا القول أن كل الكتاب هو زفير الله هو تنفسات الله وحَمَل الله الكتبة بروحه إلى الهدف الذي كان يريده ويقصده، وإذا كان من الطبيعي أن نطلق على الكتاب المقدس بعهديه أنه كلمة الله، فإن كلمة الله تعني أيضًا شخص المسيح كلمة الله المتجسد (اللوجوس) فهو الذي قال عنه يوحنا «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله والكلمة صار جسدًا»، وكلمة الله هنا ليست صفة ولا وحيًا مكتوبًا ولكنها شخص المسيح، المسيح هو كلمة الله والذي من خلاله أعلن الله لنا عن نفسه بأجلي صورة وأوضح بيان، المسيح هو كلمة الله فهو قمة الوحي، وكمال الإعلان الإلهي، فهو الوحي وموضوعه بدؤه وملؤه كماله وغايته.
إن المسيح هو كلمة الله الأخيرة التي أوحى بها الله عن نفسه للبشر، هو الله المتكلم، وكلمة الله ذاته أي المسيح هو الوحي وموضوعه في آن معًا، وكما قال كالفن إنه لا يمكن معرفة المسيح بشكل صحيح إلا من خلال الكتاب المقدس، فلا يمكن أن نعرف الكلمة المتجسد إلا من خلال الكلمة المكتوبة، وكلمة الله هنا ليست صفة ولا وحيًا مكتوبًا ولكنها شخص المسيح.
وعن المسيح والكتاب المقدس قال الدكتور القس إبراهيم سعيد في كتابة الهام «لماذا أؤمن»: «هذا الكتاب الذي أؤمن بأنه كلمة الله، فهو ليس متضمنًا كلمة الله وكفي، ولكنه كلمة الله بالذات، نعم استخدم الرب في كتابه علم موسى، وشاعرية اشعياء، وسذاجة عاموس، وحكمة سليمان، وفلسفة بولس، وتصوف يوحنا، وبساطة بطرس، فانطبعت شخصية كلٌ على كتاباته، لكن روح الله كان يسوق الجميع في ما كتبوا، فكتاب الله يتمشي مع مسيح الله، كلاهما كلمة الله، فالكتاب هو كلمة الله المكتوبة، والمسيح هو كلمة الله المتجسد، وكلاهما متأنس، فكتاب الله هو فكر الله متأنسًا في بشرية من كتبوه، والمسيح متأنس في شخص ابن الانسان، فكما أن المسيح كلمة الله له لحم وعظم ولاهوت، كذلك لكتاب الله لحم وعظم ولاهوت، أما لحمُه وعظمُه فهما شخصيات كُتَابه، وأما لاهوتُه فهو فكر الله، وعندما نقول إن الإيمان المسيحي هو الإيمان بيسوع المسيح، فإننا نقصد ضمنًا إنه هو الإيمان بالكتاب المقدس، فحيث لا كتاب مقدس لا مسيح « انتهي الاقتباس»
وعندما يقول البعض إن المسيحية ليست دين كتاب، ولا المسيحيون أهل كتاب، وأننا نقدس الشخص لا النص، فهذا الكلام قد يكون منطقيًا وجذابًا من الوهلة الأولى، ولكن من أين عرفنا الشخص؟ أليس من النص؟ أيها الأحباء حيث لا كتاب مقدس، لا مسيح.
ويلخص اللاهوتي بيتر إنس نظريته في طبيعة الكتاب المقدس في هذه العبارة (كما أن المسيح هو الله وهو أيضًا إنسان، فهكذا أيضا الكتاب المقدس إلهي وانساني في نفس الوقت بكل إنسجام».
إن ما كتبه الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس -وهو رجل محافظ- في مجلة الهدى يدعونا لأن نضع إقرار الإيمان الذي أقره السنودس عام 2006 محل المواد اللاهوتية (44 مادة) الموجودة في الدستور الحالي والذي أعيد طباعته هذا العام.
وفي حالة الإقرار بوضع إقرار الإيمان الذي أقره السنودس عام 2006 محل ال 44 مادة، فسيكون لدينا إقرار إيمان مصري معاصر رصين معبر بوضوح عن فكرنا اللاهوتي، ومن ثم فهو لن يحتاج لتغيير أو تحوير، أما القسم الإداري فهو الذي سيحتاج إلى تحوير، ولا سيما وأن الدستور ليس نصاً منزلاً، وهو غير موحى به من الله، ولعل ما قامت به مصر من تعديل في بعض مواد الدستور، يدفعنا لأن نراجع بعض مواد دستورنا الكنسي، وهنا يمكننا الاستعانة باقتراحات لجنة القضايا الإدارية والمالية التي شكلها السنودس، كما يمكن الاستعانة بمقترح لجنة إعداد الدستور والذي كان مرفوعًا للسنودس في الدورة 126 والتي توقف عملها بحكم من مجلس الشؤون القضائية والدستورية.
وكذلك يتطلب الإصلاح تمكين المرأة الإنجيلية، فمن المكاسب المهمة لثورة 30 يونيو هو حرصها الشديد على وضع المرأة في الدولة المصرية، وكان من نتاج ذلك أن تمثيل المرأة في مجلس النواب ارتفع للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية المصرية إلى 14.9% من نسبة النواب في البرلمان كما أن الحكومة سارت على نفس النهج، بوجود 8 وزيرات في تشكيلة حكومة الدكتور مصطفي مدبولى، أى ما يعادل ربع أعضاء الحكومة، وهو ما أعطى انطباعًا قويًا بأن مصر تكرم المرأة، وتُعيد تصحيح مسارها في الحياة السياسية.
اتساقًا مع ذلك، جاءت التعديلات الدستورية المقترحة والتي تشهد نقاشًا حضاريًا وديمقراطيًا داخل مجلس النواب، لتزيد من النجاحات التي تحققها المرأة، بعد فكرة زيادة نسبة تمثيلها في المجلس وتضمينها في دستور 2014، بضمان نسبة تمثيلها إلى 25% وهو ما يعنى ربع عدد المقاعد.
هذا الاتجاه يأتى في إطار ما تلاقيه المرأة المصرية من دعم كبير في كل المجالات، وفي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية كذلك، وذلك ترجمة ورد فعل على إثبات نجاحها في كل الوظائف التي تتولاها المرأة، والمهام التي تُكلف بها، سواء نائبة عن الشعب أو وزيرة، أو محافظة أو غير ذلك.
كل هذا يدعونا لأن نتساءل عن مكانة المرأة المصرية الإنجيلية داخل السنودس، وعن نسبة تمثيلها في المجامع وفي السنودس، بدون شك إن الأمر يحتاج منا لوقفة صادقة مع أنفسنا حتى نحقق كلام الكتاب المقدس في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 28 لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
إن الحضارة المصرية من أقدم حضارات البشرية وأعرقها، «فهي قامت منذ البداية على المساواة بين الجنسين، وعلى ارتفاع مكانة المرأة الاجتماعية ارتفاعاً كبيراً، لذا فإنه من غير المناسب أن يكون نصيب المرأة داخل مجلس النواب 25% بينما نصيبها في المجامع والسنودس هو التمثيل بسيدة واحدة أو اثنتين على الأكثر، إن الأمر يحتاج إلى مراجعة، إن كنيستنا الإنجيلية منذ بداية تاريخها وهي كنيسة تنويرية رائدة، لذا فإن ما يجب أن نذكره دائمًا، أن مكاننا هو الريادة لا الردة، وأن وجهتَنا لابد أن تكون صوب التقدم لا التقادم. هذا إذا أردنا إصلاحًا!!