مدير التحرير

المسيح صورة الله

الهدى 1212                                                                                                                              أغسطس 2019

يتفق جميع المؤمنين على أن الله موجود بذاته، وكل موجود له صورة تعلن وجوده، وتظهر هيئته، وتدل علي جوهره، فمن المؤكد أن الله له صورة خاصة به، تتوافق مع طبيعته الروحية الخالصة، وحيث أنه لا يوجد فاصل بين الله وصورته، فإن صورة الله هي في الواقع عين جوهره، وإظهار لجلاله، وعظمته، أو أن صورة الله هي الله نفسه، ولأن الله عظيم القدرة، ولا يُحد، وهو حب في ذاته، لذلك فأمكنه أن يُظهر ذاته للإنسان، بصورة لا تقلل من جوهره، ولا تسحق الإنسان فتميته، وهذا يبقى سر من سرائر الله، يقول رسول المسيحية بولس «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَسِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، اومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ» (1تيموثاوس 3 : 16).
إنَّ الحقيقة التي نؤمن بها هي أن الله صار إنسانًا، العظيم تواضع، العلي تنازل. لم نقل أبدًا أن الإنسان صار إلهًا لكننا نؤمن أنَّ الله صار إنسانًا لكي يجعل من الإنسان شريكًا للطبيعة الإلهية، وهذا ما صنعه الله لنا في المسيح يسوع.
أي أنَّ الله في المسيح تنازل متجسدًا، وحل بيننا، وعاش معنا كواحدٍ منا، إلا أنه احتفظ بجوهر لاهوته، وقدرته، فالمسيح بطبيعته اللاهوتية «هُوَ بَهَاءُ مَجْدهِ (الله)، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ ..» (عبرانيين 1: 3). أي أن المسيح هو الضوء المرئي الذي أظهر مجد الله غير المرئي، والرسم أي الشكل المدرك الذي أعلن جوهر الله غير المدرك، وهو الابن المرسل ليخبر عن سرائر الله. يقول السيد المسيح بفمه الطاهر «الَّذِي يَرَانِي يَرَى الَّذِي أَرْسَلَنِي. (يوحنا 12: 45). ويردف «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا 14: 9). وهذا ما يسجله الروح القدس أيضًا في الإنجيل بحسب يوحنا «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا 1: 18).
إنَّ الله الذي ليس له صورة بالمعني المتعارف عليه أعلن ذاته في ملء الزمان، وبملء إرادته الحرة أعلن صورته لنا وجاء متجسدًا في الإنسان يسوع المسيح، الذي تشارك مع الإنسانية في كل شيء ماعدا الخطية، حيث أن طبيعته الإلهية تعلن قداسة الله، ومجد الله غير المدرك، فالمسيح هو ابن الله، هو صورة الله غير المنظور هو المعلن لذات الله، إنه الله نفسه .. الله الظاهر في الجسد .. الله في صورة إنسان منظور.
وعندما يتحدث الإنجيل عن صورة الله، فالمقصود هنا السيد المسيح، فلم يذكر عن أحد آخر أنه صورة الله غير المنظور، أما الإنسان، كل إنسان، مخلوق على صورة الله، يقول الكتاب المقدس عن الإنسان أنه على صورة الله، صنعه الله على صورته كشبهه، والفرق واسع شاسع بين من هو على صورة الله وبين من هو صورة الله.
إن الإنسان مخلوق على صورة الله، هذا الأمر يمنح الإنسان نوعًا، وعلاقة متميزة، فريدة معه، إنها علاقة تختلف وتسمو عن نظائرها من العلاقات بأي من الكائنات الأخرى.
إن صورة الله في الإنسان تعني أنَّ للإنسان بعضًا من صفات الله، بمعنى أن:
الله قدوس وكامل
الله بار ورحيم.
والإنسان مطالب بأنْ يكون قديسًا (لاويين 11: 44) وكاملًا (متي 5: 48) والإيمان هو طريقة حياة الإنسان البار (روميه 1: 17). أما الرحمة والشفقة والمسامحة وأحشاء الرأفات فهي من سمات شخصية الإنسان الذي محور حياته المسيح (أفسس 4: 32 – 5 : 1، 2).
فهل تمتعت عزيزي القارئ بتلك الصورة التي حققها لنا المسيح وكانت لنا في فكر الله حينما خلق الإنسان؟

د. القس نصرالله زكريا

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 1989م.
* سِيمَ قسًا وراعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أبو حنس المنيا
* المدير التنفيذي لمجلس الإعلام والنشر
* مدير تحرير مجلة الهدى منذ عام 2006
* مؤسس موقع الهدى، وموقع الإنجيليون المشيخيون.
* له من المؤلفات ما يزيد عن أربعين كتابًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى