دعوة إلى القيادة المسيحية 2-2
الهدى 1212 أغسطس 2019
في العدد السابق قدمّت بعضًا من إشكاليات القيادة المسيحية وندرتها وسبل علاجها، فقد تناولت بعضًا من مقومات القيادة التي يحتاج إليها العالم؟ ومنها الرؤيا، الكد والعمل، المثابرة. وفي هذا العدد استكمل هذه المقومات بدء من الفكرة الرابعة، وهي:
رابعاً: الخدمة.
القيادة بين أتباع يسوع ليست مرادفة للسيادة –نحن مدعوون لأن نكون خدّاماً لا رؤساء عبيداً لا سادة– ونحن لا ننكر أن هناك قدرًا من السلطة يرتبط بجميع القادة وبدون هذه السلطة تصبح القيادة مستحيلة، وهذه السلطة قد منحها يسوع للرسل وهم مارسوها في تعليمهم وتأديبهم الكنسي؛ ولكن تأكيد يسوع لم يكن على سلطة الحاكم القائد بل على تواضع الخادم القائد، أن السلطة التي يُمارس بها القائد المسيحي دوره ليس سلطة النفوس، لكن قوة المحبة، ودور القائد المسيحي ليس بالقوة ولكن بالقدوة، ليس بالإكراه بل بالإقناع العقلي. القادة يملكون قوة ولكن هذه القوة تكون مأمونة فقط بين أولئك الذين يتواضعون في خدمتهم للأخر.
والسؤال هنا ما هو سبب التشديد على خدمة القائد؟ يعود هذا جزئياً الى الخطر المهني الرئيسي للقيادة وهو الكبرياء فالنموذج الفريسي لا يصلح في الجماعة الجديدة التي أراد يسوع أن يؤسسها. لقد أحبّ الفريسيون الألقاب المميزة مثل «الآب»، أو «المعلم»، أو «السيد»، ولكن هذه الألقاب إساءة إلى الله الذي تخصه هذه الألقاب، إنها تمزق الإخوة المسيحية إذا ما أطلقت على البشر (متى 23: 1-12).
غير أن السبب الرئيسي الذي جعل يسوع يؤكد على دور الخادم هو أن خدمة الأخرين هو إقرار ضمني بقيمتهم ولنذكر أنَّ الخدمة في ملكوت الله ليست معبراً الى النبل أنها النبل ذاته.
لماذا ساوى يسوع بين العظمة والخدمة؟ ذلك بسبب قيمة البشر المخدومين. فإذا كان البشر قد خُلقوا على صورة الله فيجب أن لا يُستغلوا ولا أن يُستخف بهم بل أن يُحترموا ولا يمكن الوصول إلى العظمة الحقيقية عن طريق الحط من قيمة الناس ليخدموا القائد بل عن طريق بذل النفس في خدمة بعيدة عن الأنانية لهم.
ولكي تكون الخدمة على نحو أفضل يجب أن تتم ضمن فريق، فالفرق القيادية أكثر سلامة من القيادة الفردية لعدة أسباب: –
1. لأن أعضاء الفريق يكمل بعضه بعضاً.
2. لأن أعضاء الفريق يشجع كل منهم الآخر فالقيادة المسيحية ليس لها علاقة بتأكيد الذات بل لتشجيع الأخرين على تأكيد ذواتهم.
3. إن كل أعضاء الفريق مسؤولون بعضهم تجاه الأخر فالاشتراك في العمل يعنى الاشتراك في المسؤولية.
وفي التأكيد المسيحي على الخدمة يسعى التلميذ إلى اتباع معلمه فمع أن يسوع كان ربّ الجميع إلا أنّه صار خادماً للجميع ارتدى مئزر العبودية وانحنى على ركبتيه ليغسل أقدام الرسل وهو الأن يأمرنا أن نفعل كما فعل ونتسربل بالتواضع ونخدم بعضنا بعضاً بالمحبة، إن القيادة التي لا تتميز بروح التواضع لا يمكن أن تعد خدمة شبيهة حقاً بخدمة المسيح.
خامساً: الانضباط.
إن الصفة الأخيرة للقائد المسيحي هي الانضباط. وليس المقصود بالانضباط هنا هو ضبط النفس بصفة عامة (مع أن هذا مطلوبًا) لكنه الانضباط الذى يجعل القائد يخدم الله ويعرف ضعفه ويعرف عظمة مهمته وجسامتها ويعرف قوة المعارضة. كل هذه يجب أن يعرفها القائد ولكنه يجب أن يعرف أيضاً غنى نعمة الله التي لا تنفذ.
إن أولئك الذين يدربون أنفسهم على طلب وجه الله هم وحدهم الذين يحتفظون برؤاهم مشرقة أما أولئك الذين يظنون أنهم أقوياء فهم أضعف الناس بصورة تدعو للشفقة والرثاء -الذين يعرفون الله يستطيعون أن يصبحوا أقوياء بقوة المسيح.
لقد عيّن الله لكلٍ منا دوراً قيادياً بدرجة ما وأننا نحتاج الى السعي لمعرفة إرادته بكل قلوبنا والتضرع لكي يعطينا رؤيا لنعش من أجله والصلاة لننال نعمته فنكون أمناء في طاعتنا للرؤيا السماوية.
هذه هي مقومات القيادة الناجحة: الرؤيا – العمل – المثابرة-الخدمة – الانضباط.