مقالات

لأنه عن يميني

الهدى 1246                                                                                                      أغسطس – ديسمبر 2022

«لأنه عن يميني» قد تسمع كثيرًا عن الثبات في الإيمان، أو الثبات في الرب، وقد تتساءل يومًا: كيف يمكنني أن أثبت في إيماني؟ أو كيف عاش رجال الله في الكتاب المقدس بهذا القدر من الثبات في الرب؟
في الحقيقة لكي نختبر هذا القدر من الثبات يجب أن نلقي نظرة على بعض النماذج المُشرفة من رجال الله في الكتاب المقدس، لننظر إلى نهاية سيرتهم فنتمثل بإيمانهم. (عبرانيين 13: 7). فعلى سبيل المثال يُعلن داود أن سر ثباته، ورسوخه، وعدم تزعزع إيمانه هو أنه جعل الرب أمامه في كل حين، وأنه أيضًا عن يمينه أي أنه يحتل مكانة كبيرة وهامة في حياته، لأن اليمين تُعبر عن القوة، والقيمة، والأهمية، والمركز الرفيع. فيقول: «جعلتُ الرب أمامي كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع.» (مزمور 16: 8) فعندما نجعل الله أمامنا في كل حين فهذا يجعلنا نخافه، ونقدره، ونتقيه، ونكرمه، ونعطيه الأولوية في حياتنا، ونُقَدّر وجوده وحضوره في حياتنا.
لذلك يقول الرب معاتبًا لشعبه في (ملاخي 1: 6): «الابن يُكرم أباه، والعبد يُكرم سيده. فإن كنت أنا أبًا فأين كرامتي؟ وإن كنت سيدًا فأين هيبتي؟». ويُعلمنا الكتاب أن «رأس الحكمة هى مخافة الرب» (مزمور 111: 10). ويوجد أيضًا نموذج مُشرف لإنسان شاب جعل الرب أمامه كل حين، فتعلم مخافته وإكرامه في السر وفي العلن، ألا وهو «يوسف» (تكوين 39 :9) فقال عندما عُرضت عليه الخطية: كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله.» وهكذا ما أكثر الخطية المحيطة بنا من كل ناحية، وكم نحتاج في كل حين أن نضع الله نصب أعيننا حتى نستطيع أن «نطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا» (عبرانيين 12: 1).
وأيضًا عندما نجعل الله أمامنا في كل حين فإننا نمشي ورائه كالقائد والمرشد، وعندما قال الرب لموسى: «وجهي يسير فأريحك» فقال له موسى: «إن لم يسر وجهك فلا تُصعدنا من ههنا.» (خروج 33: 15).
عندما نجعل الله أمام أعيننا باستمرار فإننا نتكل عليه، ونستند عليه، فنختبر قدرًا كبيرًا من الثبات، وخاصة عندما نواجه صعاب الحياة وتحدياتها، وعندما ندخل التجارب المتنوعة، ونجتاز في الآلام. «المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع» (مزمور 125: 1).
ويقول داود أيضًا في مزمور (62: 2، 6): «إنما هو صخرتي وخلاصي، ملجأي، لا أتزعزع كثيرًا.» فما أكثر الأصوات المزعجة من حولنا! والتي تحاول أن تهدد سلامنا، وتصيبنا بالخوف، والقلق، وتريد أن تزعزع إيماننا وثقتنا في إلهنا، وتُزعزع بالتالي كياننا الداخلي أيضًا. فيقول كاتب المزمور الثالث والتسعين: «من أصوات مياه كثيرة، من غمار أمواج البحر، الرب في العلى أقدر» (مزمور 93: 4). لذلك فما أحوجنا أن نضع الله نصب أعيننا باستمرار ونتكل عليه بعزم القلب، فلا نتزعزع. فمن يتزعزع وعن يمينه القادر على كل شيء!! وكم تعلو نغمة الفرح في حديث داود بعد ذلك بعد أن أعلن لنا سر ثباته وعدم تزعزعه، فيقول أيضًا في ابتهاج وهو مملوء بالرجاء، والأمل، والثبات بخصوص مستقبله: «لذلك فرح قلبي، وابتهجت روحي. جسدي أيضًا يسكن مطمئنًا» (مزمور 16: 9).
ويقول «القس منيس عبد النور» في شرحه لهذه الآية أن المرنم يتطلع إلى ميراثه الأبدي بسرور، وإيمان، وثقة بأن جسده سيسكن مطمئنًا في انتظار القيامة المجيدة. فالموت بالنسبة له كمؤمن ليس النهاية، لكنه بداية حياة جديدة كما قال المسيح: «أنا أمضي لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا فإني آتي أيضًا وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا. (يوحنا 14: 2، 3). وهكذا فالمؤمن يختلف عن الآخرين الذين يخافون من الموت حيث «لا رجاء لهم» أما هو فالموت لا يُخيفه «لأن لي الحياة هى المسيح والموت هو ربح» (فيلبي 1: 21). كما أنه يدرك تمامًا أنه الآن مستوطن في الجسد، ومتغرب عن الرب، لكن حين يرقد في الرب سيتغرب عن هذا الجسد ليستوطن عند الرب إلى أبد الآبدين (2كورنثوس 5: 6)؛ وهذا هو عين الرجاء، لأن «حبيب الرب يسكن لديه آمنًا» (تثنية 33: 12). كما أن هناك رجاء بأن المسيح في مجيئه الثاني «سيُغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده» (فيلبي 3: 21). لذلك فهل تصلي ليمنحك الله ثباتًا وقوةً في حياتك الحاضرة، وأيضًا سلامًا ورجاءً من جهة مستقبلك الأبدي؟ فإذا جعلتَ الرب أمامك وعن يمينك هنا؟ فسوف يجعلك هو عن يمينه في مجيئه الثاني..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى