رأي حر

لوثر والعلمانية

الهدى 1209                                                                                                                               مايو 2019

لم تقف العلمانية عند حد ثورة كوبرنيكس التي دارت حول العلاقة العضوية بين العلمانية ودوران الأرض باعتبار أن النسبية تؤلف بينهما بل تجاوزتها إلى الثورة الدينية التي سميت بـ «الإصلاح الديني»، وكان الراهب الكاثوليكي لوثر هو رائد هذا الإصلاح. وقد احتفل العالم في 2017 بمرور خمسمائة عام على ذلك الإصلاح الذي كانت بدايته في سنة 1520 وهي السنة التي علق فيها لوثر خمسة وتسعين قضية على باب كنيسة فيتنبرج فى ألمانيا، تدور كلها حول توهم السلطة الدينية أنها مالكة للحقيقة المطلقة، وبالتالي مالكة لتوزيع البشر بين الجنة والنار. وقد ترتب على ذلك اتهامه بالهرطقة في عام 1521. والمفارقة هنا أنه إثر ذلك العام تحرر لوثر وأصدر كتابه المعنون «عن السلطة العلمانية» في عام 1523 وفيه دعا الكنيسة إلى أن تكون جماعة حرة ويكون فيها كل مسيحي ملكاً وكاهناً ونبياً، أي يكون فيها مستمتعاً بالحرية والمساواة. وكان في ذلك كله لا يريد تأسيس كنيسة جديدة بل إصلاح كنيسة قائمة فى سياق التسامح وليس في سياق التعصب الديني وعلى الحكام العلمانيين بعد ذلك أن ينشغلوا فقط بالمحافظة على السلام والالتزام بالقانون، ومن ثم تمتنع الفوضى.
وفى هذا السياق فإن الإصلاح الديني، في رأى لوثر، يعنى «الفحص الحر للإنجيل» أي تأويل النص الديني من غير معونة من سلطة دينية. يقول: «يرغب الرومانيون في أن يكونوا هم وحدهم المتحكمون في الكتاب المقدس مع أنهم لم يتعلموا شيئاً من الإنجيل في حياتهم. وهم يفترضون أنهم وحدهم أصحاب السلطان ويتلاعبون أمامنا بالألفاظ في غير ما خجل أو وجل لإقناعنا بأن البابا معصوم من الخطأ في أمور الإيمان. وإذا كان ما يدعونه حقاً فما الحاجة إلى الكتاب المقدس؟ وما نفعه؟ ولهذا فإن دعواهم بأن البابا وحده هو الذي يحق له أن يفسر الإنجيل هي دعوى مثيرة للغضب.
يبين من النص السابق أن تأويل الإنجيل من حق أي إنسان، ومن ثم فالدوجماطيقية ممتنعة، ومع امتناعها لا يحق لأحد أن يتهم الآخر بالهرطقة أو الكفر. وتأسيساً على ذلك الحق في التأويل تعددت المدارس اللاهوتية إلى الحد الذي أفضى إلى نشأة علم لاهوت علماني، وعلم لاهوت إلحادي من داخل المؤسسة الدينية. بل إن الفكر العلماني تجاوز الحد العلمي والديني إلى السياسي بريادة الفيلسوف السياسي مكيافلي وفكرته المحورية تدور على أن السياسة لا تستند إلى قيم دينية أو قيم أخلاقية مطلقة وإنما إلى المصلحة والمنفعة.
والجدير بالتنويه هنا أنه بمناسبة الاحتفال بمرور خمسمائة عام على الإصلاح الديني أصدر القس رفعت فكرى رئيس سنودس النيل الإنجيلي في عام 2017 كتاباً عنوانه «الإصلاح الديني بين الغرب والشرق» جاء فيه أن مصطلح الخطاب الديني مصطلح بشرى الدلالة من حيث هو نتاج بشرى لعقول يمكن أن تصيب وتخطئ، لذا يجب ألا يكون الخطاب الديني متحجراً على أصل تأويلي بعينه ويرفض وضع هذا الأصل موضع المساءلة بل يجب أن يعترف بأن هناك تأويلات أخرى، ومن ثم يجب عدم إلغاء الآخر المختلف في التأويل.
المصري اليوم 19/4/2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى