متى وماذا يعني عيد ميلاد المسيح؟
الهدى 1205-1206 يناير وفبراير 2019
لا يقدم الكتاب المقدس إجابة مؤكدة وواضحة لهذا السؤال، متى وُلِدَ المسيح؟ فلم يحدد تاريخًا محددًا، أو سنة محددةً، بالرغم من وجود تفاصيل كثيرة يذكرها كُتَّاب الأناجيل، فمثلًا:
يذكر البشير لوقا بعض الحقائق منها: «وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهَذَا الاِكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضاًمِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ. لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ» (لوقا 2: 16).
وبالدراسة التاريخيّة نعلم أنَّ أوغسطس قيصر حكم ما بين 27 ق.م إلى 14 م؛ كذلك نَعلم أنَّ كيرينيوس كان والياً على سورية خلال نفس الفترة، مع وجود سجلات بعمل إكتتاب يتضمن اليهودية حوالي عام 6 ق. م. كما يذكر لوقا أيضًا معلومة أخرى خاصة بالخط الزمني لحياة المسيح، فيقول: «وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً» (لوقا 3: 23). بدأ يسوع خدمته أثناء خدمة يوحنا المعمدان في البرية، وقد بدأت خدمة يوحنا «وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِياً عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ فِي أَيَّامِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا…» (لوقا 3: 1-2).
وعليه فإنّ الفترة الزمنيّة الوحيدة التي تتسق مع كل هذه الحقائق هي ما بين 27 – 29 م. فإذا كان المسيح «نحو ثلاثين سنة» عام 27 م، فإن ميلاده ما بين 6 و4 ق. م. يتناسب مع هذا التسلسل الزمني. وبتحديد أكثر، من المرجح أن عمر المسيح كان حوالي 32 سنة في وقت بداية خدمته (أي «نحو ثلاثين سنة»).
كذلك إن وضعنا في الاعتبار أيضًا ما ورد في إنجيل البشير متى أن المسيح وُلِدَ في أيام الملك هيرودس (متى 2: 1). وبما أنَّ هيرودس مات عام 4 ق. م. كما يذكر متى أنَّه بعد هروب يوسف ومريم بالطفل يسوع إلى مصر، أمرَ هيردوس بقتل جميع الأطفال أقل من عمر سنتين في كل أنحاء بيت لحم اليهوديّة. وربما يعني هذا أنَّ الطفل يسوع كان في الثانية من عمره قبل موت هيرودس. وهذا يجعل تاريخ ميلاد المسيح متوقعًا فيما بين عامي 4 و 6 ق. م.
ومن الواضح أنَّ يوم ميلاد المسيح يشوبه قدر كبير من عدم اليقين، إذ لا يزال غير محدد على وجه الدقة رغم الاهتمام الديني والتاريخي به.
لكن ماذا يعني ميلاد المسيح لنا؟ تتعدد المعاني التي نجدها في ميلاد المسيح، ومنها:
في ميلاد المسيح تحقق الوعد الإلهي بسحق رأس الحيّة، وإعلان النصرة على الخطيّة، كان الله قد وعد الجنس البشري في حواء بالغلبة على الحية القديمة قائلًا: «وَأَضَعُ عَدَاوَةًبَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تكوين 3: 15)، وقد تحقق هذا الوعد بميلاد المسيح نسل المرأة، إذ يقول الرسول بولس: «وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداًمِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداًتَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ» (غلاطيّة 4: 4-5).
في ميلاد المسيح أُعلِنَ الفرح والبهجة للإنسان، متمثلًا في الرعاة إذا بشرَّهم ملاك الرب قائلًا: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ؛ أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لوقا 2: 10، 11). وهكذا يختلف فرحنا عن العالم، وهو يدعونا دائمًا للتمتع بالفرح والسلام والغفران.