كلمات وكلمات أبريل 2021
الهدى 1230 أبريل 2021
أطلقت عل الكنيسة العامة في كتابي الوجه الأخر للكنيسة، تعبير أو مصطلح «المجتمع المسؤول» إذ يقول يسوع في صلاته الشفاعية عن تلاميذه مؤسسي الكنيسة «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ.» (يوحنا ١٧ :١٥)؛ وفي يوحنا ١٧: ١٨ يقول أيضًا «كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَم» وفي هذين التعبيرين تتضح رؤية يسوع من نحو الكنيسة فهو لم يرد أن يفصلهم عن العالم المادي والاجتماعي والسياسي في الوقت الذي فيه يحفظهم من الشرير. والمعنى هنا أن مسؤوليتهم الأولى والأخيرة هي تغيير العالم من خلال هذه الجماعة التي أرسلها يسوع كما أرسله الآب. لذلك أطلقت عليها «المجتمع المسؤول».
وهنا يثور سؤالان الأول: ما هو المفهوم الكتابي للكنيسة؟ ثم ما هو المفهوم اللاهوتي للكنيسة؟
تُرى ماذا يعلمنا الكتاب المقدس عن الكنيسة؟!
كما كانت الأرض في بدء الزمان خربة وخاوية، ثم تدخل الله بقصد واضح ليحيل الخراب إلى نظام والدمار إلى بنيان والموت إلى حياة، وقد تكرر ذلك الفعل عدة مرات مع الله في صراعه ضد الخراب أو الموت أو الشر في أي مكان أو زمان، من هنا نستطيع أن ندرك بوضوح أو نكتشف في كل مرة حقيقة ملك الله للعالم منذ الأزل وإلى الأبد، ومن أعظم تجلياته كان إعلان خلاصه للبشر، من هنا نتحدث عن ميلاد المجتمع المسؤول.
يستخدم الكتاب المقدس مصطلح «الميلاد» ليعبر عن مفهوم إعطاء الحياة، وهو ما حدث مع آدم وحواء إذ أخذ الزوجان القدرة على إنشاء نسل، إلا أن مواصلة التناسل أصبح هبة لها دلالتها بإعطاء الحياة، ويتضح ذلك من قصة إبراهيم وسارة، بل وفي ولادة يوحنا المعمدان إذ نجد تشابهًا مع ولادة إسحق، وكذلك جاء ميلاد صموئيل من حَنة العاقر، وهؤلاء هم الكنيسة بمن قبلهم ومن بعدهم في نفس المسيرة.
هناك مصطلح آخر هو: ميلاد الشعوب أو إعادة خلق للشعوب التي تموت.
يقول إشعياء النبي «وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ» (13: 6)، فبابل التي وقفت كعدو لله سوف تُخَرب وتولد من جديد يقول النبي «امْتَلأَتْ حَقْوَايَ وَجَعًا، وَأَخَذَنِي مَخَاضٌ كَمَخَاضِ الْوَالِدَةِ….الخ (21: 3)، لم يكن هذا الألم نهاية بابل بل إعادة ولادة، وهو نفس ما حدث مع أورشليم ٨ ق.م، حيث تم فناء شعب الله ثم ولادتهم ثانية «اَلآنَ لِمَاذَا تَصْرُخِينَ صُرَاخًا؟ أَلَيْسَ فِيكِ مَلِكٌ، أَمْ هَلَكَ مُشِيرُكِ حَتَّى أَخَذَكِ وَجَعٌ كَالْوَالِدَةِ؟ تَلَوَّيِ، ادْفَعِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ كَالْوَالِدَةِ، لأَنَّكِ الآنَ تَخْرُجِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَتَسْكُنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَتَأْتِينَ إِلَى بَابِلَ. هُنَاكَ تُنْقَذِينَ. هُنَاكَ يَفْدِيكِ الرَّبُّ مِنْ يَدِ أَعْدَائِكِ.» (ميخا ٤: ٩)، إنه إعلان رحيل من أورشليم ثم عودة «مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ، بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا! هَلْ أَنَا أُمْخِضُ وَلاَ أُوَلِّدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَوْ أَنَا الْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ الرَّحِمَ، قَالَ إِلهُكِ؟» (أشعياء ٦٦: ٨، ٩).
كيف وَلد يسوع الكنيسة؟!
في (يوحنا ١٦: ٢) «تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ.» وكان تركيز التلاميذ في كلمة «ساعة» ففي عدد ١٦ يوضح يسوع قصده من كلمة «ساعة» أنها ساعة المخاض «بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي» سألوه في ع ١٨ «مَا هُوَ هذَا الْقَلِيلُ» (لم يفهموا) وكان جواب السيد في عدد 20 «إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ». ثم وضح أكثر بالقول في عدد ٢١ «اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ.» فحزن وبكاء التلاميذ هو الوقت الذي تتوجع فيه المرأة عند الولادة، لحظة انفصال الطفل عن الأم، لحظة موت غير مرئي، فالمرأة في المخاض تكون قريبة جدًا من الموت لكنها عندما تضع الحياة في طفل جاء إلى العالم ذلك يحول الألم إلى فرح.
في موت يسوع، حزن التلاميذ حتى الموت وماذا كانت نتيجة موت يسوع وحزن التلاميذ المفرط، كانت النتيجة ولادة إنسانية جديدة، «تفرح لأنّه وُلِد إنسان في العالم» فغياب المسيح المادي عن التلاميذ بالجسد هي آلام مخاض لميلاد شعب جديد وملكوت جديد، فألم الكنيسة يأتي في ولادة الأولاد وهكذا ولدت الكنيسة.
إذن كيف يملك الله من خلال الكنيسة؟
نقول ملكوت الله سابق على الكنيسة زمنيًا بل وأوسع منها مكانيًا، لذلك كانت مسؤولية الكنيسة هي إعلان ملك الله على العالم بعد أن كان محدودًا في شعب بعينه.
خبرة رعوية
خدمت رعويًا في الريف عندما كان بلادًا بلا كهرباء، والناس يستيقظون مع الشمس يذهبون للحقول ويعودون عند المغرب، وخدمت في المدينة الريفية في الصعيد، المدينة التي تخلط بين الريف والمدينة، ثم خدمت في العاصمة، القاهرة في كنيسة في حي شعبي مزدحم فقير، ثم أخذت طريقي للعمل العام كعميد لكلية اللاهوت الإنجيلية وبعدها عدت إلى كنيسة بالقاهرة ثم اتجهت للعمل العام في سنودس النيل الإنجيلي، رحلة طويلة اكتسبت منها خبرات كثيرة ومتنوعة، وإن كان الناس الذين أتعامل معهم مختلفين في المستوى الثقافي والاقتصادي والمجتمعي والكنسي، إلا أنه ما كان يجمعني معهم في الأساس هو خدمتهم كراع، فخدمة الراعي لم تتوقف عند كنائس الريف ولم تتوقف عند العمل العام الأكاديمي، بل العكس هو الذى حدث، فقد كانت خدمة الرعاية مع من أتعاطى معهم أكاديميًا من الأمور المكملة تمامًا للخدمة الأكاديمية، فالعلم الأكاديمي دون خدمة رعوية يكون جافًا، ويتوقف فقط على الأكاديميات من تدريس وأبحاث وتقييم أكاديمي، لكن كل ذلك لو اختلط وتفاعل مع الحس الرعوى سوف يفرق كثيرًا في نوعية وكيفية الخدمة الأكاديمية، وفي ذات الوقت عندما يتحول الأكاديمي إلى راع في كنيسته، فالناس تنتظر منه أن يقدم عظات تعليمية لأنه قادم من صرح أكاديمي، لذلك هم يطلبون الجديد دائمًا، هذا الصراع في التنقل بين الرعاية والأكاديمية والعمل العام يخلق داخل الإنسان أبعادًا وطرقًا وأعماقًا كتابية، ونفسية واجتماعية ورعوية، ذلك إذا كان الشخص واعيًا بهذه التنقلات، بمعنى أنه في الرعويات الأولية كانت الأهمية المطلقة للوعظ ورعاية الناس مع تراجع الأكاديميات وهنا يجب أن تترجم الأبعاد الأكاديمية التي تحتويها كلمة الله المقدسة إلى لغة الناس، أما في الصرح الأكاديمي تكون الأوليات للبحث الدقيق والمنطق العلمي وتتراجع الرعويات لذا يجب أن يكون الجانب الرعوي في حده المطلوب.
أما العمل العام فحسب طبيعته فإن كان في الإعلام فهو يركز على الأحداث والجديد واستخدام التقنية الحديثة.
وسوف نحاول أن نوضح في كل توجه من هذه التوجهات كيف سارت الأمور وكيف كان إحساس القسيس عندما كان راعيًا فقط أو أستاذًا أكاديميًا فقط في صرح مسيحي أكاديمي، أوفي صرح أكاديمي إسلامي… إلخ
حكاية لاهوتية
في الساعة التاسعة صباحًا قامت زوجة الراعي بهز كتف زوجها ليستيقظ من النوم فقام غاضبًا وذلك رغم أن قرص الشمس كان في كبد السماء. والطيور تزقزق على أغصان الشجر، والإفطار الساخن الذي أعدته الزوجة صار باردًا المهم استيقظ الراعي غاضبًا وصرخ في وجه زوجته: لماذا أيقظتيني الآن؟ ألم يكن عليك أن تصبري قليلًا؟! أجابت الزوجة: الشمس في كبد السماء، والطيور تزقزق على الأشجار وإفطارك صار باردًا.
قال الراعي: هذه حماقة منك لقد أيقظتيني وأنا أوقع عقدًا بمئات الألوف من الجنيهات، ثم رفع الغطاء على رأسه وعاد إلى النوم محاولًا أن يستكمل الحلم ويوقع العقد… بالطبع لم يعد إلى حلمه.
هنا قال الأستاذ لنفرض أن جناب الراعي عاد إلى الحُلم وبالتالي العرض تُرى ماذا سيختار؟ أمامكم ثلاثة اختيارات:
إذا رفض العرض يصير قديسًا.
إذا حاول من خلال هذه الأموال أن يعمل على تحرير الناس من العبودية سوف يُدعى اصلاحي.
أما إذا اكتشف وهو في منتصف الحلم بأنه يحلم فسوف يكون مجرد رجل استيقظ من النوم لا غير.
قال الأستاذ: لو أنت مكان هذا الرجل؟ ما هو أفضل اختيار؟!
قال طالب ليس من طموحي أن أكون قديسًا لذلك أقبل العرض لأكون مصلحًا دينيًا اجتماعيًا.
قال آخر أفضل القديس لأجرب حياة الإخلاء وهكذا تكون شهرتي تملأ الأفاق.
قال ثالث أفضل الفلوس ثم أفكر على مهل الأمر ليس سهلًا.
أخذ الأستاذ يجمع أوراقه ويرصها في حقيبته
وإذا بتلميذ يقول: سوف ألتفت لزوجتي بكل هيام وحب قائلًا وأنا أقبلها لقد رفضت كل الاختيارات والأموال واخترتك أنت.
هنا صاح الأستاذ وهو خارج هل ترون الزوجة وهي تركض وتضع الإفطار في الميكروويف مقبلة زوجها؟!
مختارات
كم قصور خَالَهُ الباني ستبقى وتدوم
ثابتًا كالرواسي خالدات كالنجوم
سحب الدهر عليها ذيله فهي رسوم
ما لنا نبني وما نبني لهدم؟!
لست أدرى. الطلاسم لإيليا أبو ماضى
«لقد أيدت الحركات الدينية الأصولية في العالم التحول عن الحداثة التي فشلت، وقد أرجعت انتكاساتها ونهاياتها إلى أنها استبعدت الله أو الدين، وهكذا لم تعد القضية قضية تحديث بالمرة وإنما قضية تديين أي «أسلمة وتنصير الحداثة»، وهكذا لم يعد الهدف هو تحديث الإسلام أو المسيحية أو الدين بشكل عام.»
جيلز كيبل