كلمات وكلمات مايو 2019
الهدى 1209 مايو 2019
كلما رأيت مظاهر الاحتفال التي يقوم بها المسيحيون فى عيد القيامة ألحَّ عليَّ سؤال: هل القيامة حدث تاريخي نعيد ذكراه كل عام حتى لا ينساه الناس؟! أم أنَّ القيامة حقيقة يجب أن تظل متجددة في حياتنا كل يوم؟
يقول بولس: «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ.عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ.» (رو 6: 5 – 9)، وبولس يقدم لنا هنا ثلاث حقائق عن القيامة:
الحقيقة الأولى: إن القيامة حقيقة تاريخية ثابتة
فالقيامة حدث وقع فى إطار الزمان والمكان، واليوم يشكك الكثيرون فى هذه الحقيقة، لكن دعونا ننظر إلى هذه الحقيقة بأكثر واقعية، فلقد كتبت الأناجيل بواسطة أناس مختلفين ومنفصلين عن بعضهم البعض، وذكر كل واحد منهم أحداثًا عن القيامة تختلف عن الآخر، تحدث لوقا عن تلميذى عمواس ويوحنا عن توما وشكه ومتى ومرقس عن المريمات ولكنهم جميعًا لم يختلفوا على حقيقة الحدث الذي وقع وهو القيامة. وهذا فضلًا عن أن المسيحيين الأوائل قد قبلوا حدث القيامة بكل سهولة ويسر لأنهم عاصروه، وبولس فى حديثه عن القيامة إلى الكنيسة في كورنثوس يقول إن المسيح ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن «أَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ.» (1كو 15: 5، 6)، وهو هنا يستشهد بأناس كانوا أحياء فى ذلك الوقت ويمكنهم أن يُكذبوا بولس لو أرادوا.
بل وبمجرد نظرة إلى التلاميذ قبل وبعد القيامة نتأكد من وقوعها كحدث تاريخي، فالتلاميذ الذين عاشوا فى رعب وهربوا أثناء المحاكمة والصلب تحولوا إلى جبابرة بأس على استعداد للموت من أجل يسوع المقام. ومن المستحيل أن يموت إنسان لأجل وهم من اختراعه.
الحقيقة الثانية: أن القيامة حقيقة اختبارية فى حياة الفرد:
«فكل من اعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموته» أى كل من قبل فكر موت يسوع لأجل خطاياه صار تابعًا له. كما اعتمد الشعب لموسى فى البرية أى صاروا أتباعا له، فالمعمودية هنا: تعني قبول فكرة موت يسوع لأجل خطايانا وتحريرنا.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الدفن «فَدُفِنَّا مَعَهُ» (رو 6: 4)، المعمودية قبول والدفن درجة أخرى فى الاختبار وهو تأكيد الموت «إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ» (رو 6: 12، 13).
وبعد الموت والدفن تأتى القيامة وهي الهدف النهائي للنعمة، فلا حياة فى المسيح بدون قيامة، «حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ» (رو 6: 4).
وجدة الحياة هنا هي حياة القيامة. كما يقول: «وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ للهِ.» (رو 6: 13).
الحقيقة الثالثة: أن القيامة حقيقة إختبارية فى حياة الجماعة
فالقيامة ليست مجرد إختبار فردى بل هى أيضًا اختبار جماعي فعال.
فهي عامل النمو الجماعي وهي أيضًا الضمان الأبدي لحياة الجماعة يقول: «مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ.» (رو 6: 5)، وكلمة متحدين معه تأتي في الأصل بمعنى «مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ «فإتحادنا بالمسيح لا يعنى إنفصالنا عن بعضنا البعض بل إشتراكنا جميعا فى شبه موته وهو موتنا عن الخطية الذي يجمعنا لننمو معا فيه، وهذا النمو يكون فى أشكال روحية وعلاقات أخوية واضحة ودور الكنيسة اليوم هو أن تقدم الشكل الواضح للنمو معًا من خلال موت وقيامة المسيح.
وهنا يمكن أن تترجم الآية «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ.» (رو 6: 5).
وهنا نرى أن القيامة ليست حدثًا تاريخيًا فقط لكنها شئ ينمو فينا ويجعلنا ننمو معًا.
والقيامة أيضًا هي الضمان الأبدي لحياة الجماعة «عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ.» (رو 6: 9).
فإذا كان من المستحيل أن المسيح بعد ما قام يعود ليموت ثانية، فهكذا الكنيسة أيضًا لا يمكن أن تموت ولا يمكن أن يهلك المؤمن، فبعد القيامة من الأموات، لن يسود الموت لا على المسيح ولا على الكنيسة كجماعة أو كأفراد، وهذا هو الضمان الأبدي للنمو والحرية.
وهكذا نرى أن قيامة المسيح ليست مجرد حدث وقع وانتهى، ولكنها حقيقة متجددة في حياة الكنيسة. وهذه الحقيقة هى التى تدعوها للإبداع والإنطلاق والتجاوب مع قضايا الحاضر والمستقبل فمعرفتنا بالمسيح ليست معرفة جسدية لنعيد ذكراه فى كل عام فقط لكنها معرفة حية متجددة تتفاعل مع الأحداث المحيطة.
من منطلق القيامة ننتصر على كل ما هو سلبي ومظلم وأثيم ومنحرف وعقيم، وبإرادة القيامة تستطيع الكنيسة أن تحقق ذاتها في المجتمع الذي تعيش فيه وذلك لصراعها مع الموت المتمثل فى الفقر والجوع والظلم والخطية والمرض فتموت الكنيسة مع العالم لتقيمه معها. «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ.» (رو 6: 5 – 9).
«كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.» (رو 6 : 11).