كلمات وكلمات أبريل 2020
الهدى 1220 أبريل 2020
يحكي أحد الأسفار المنحولة (المزيفة) والتي رفضها جامعو الكتاب المقدس في القرن الثالث الميلادي كيف أن أقرب التلاميذ للمسيح يوحنا الحبيب كان يقف باكيًا أمام صليب ولم يكن الصليب من خشب بل من نور، ولم يكن مصلوبا عليه رجل واحد بل آلاف الرجال والنساء والشباب والصبايا بل والأطفال، والكل يصرخون ويتوجعون، امتلأ التلميذ بالرعب وهو عاجز عن تحديد أو تثبيت أي من الأشخاص العديدين، كان الجميع يتغيرون باستمرار، يركضون ويختفون، وكان بعضهم يعود مرة أخرى، وبغتة تلاشى الجميع ولم يبق على الصليب أي شيء إلا «صرخة». لقد تذكرت هذه الأسطورة وأنا أتابع على شاشة التلفزيون العالم وهو يصرخ من الموت، وباء الكورونا الذى اجتاح العالم كله، وكيف أن العالم كله يصرخ نساء ورجال وأطفال، متعلمون وأميون، أغنياء وفقراء .. إلخ ورأيت على الشاشة كيف أن مظاهرة من بعض البشر خرجت لتمنع دفن طبيبة ماتت بالفيروس، ورأيت كيف أن رئيس أمريكا يحاول أن يُبرئ نَفسَه من التقصير في مواجهة الكورونا مما ضاعف أعداد المصابين والذين ماتوا بسببها، ورأيت العالم كله وهو يتطلع إلى العلاج الذى أنتجته الصين، أو فرنسا، لكن هذه الصرخة الجامعة كانت لأجل الخلاص من وباء الكورونا، ورأيت رجال الدين والمؤسسات الدينية وهم يصرخون خوفًا من الموت طلبًا للنجاة، لأنَّ أماكن العبادة أغلقت لأول مرة في التاريخ المعاصر بهذه العمومية (مساجد وكنائس من كل الطوائف) من هنا نستطيع أن نرصد عدة ملاحظات:
أولًا : لكل عصر صرخته الخاصة به: سعيد هو الإنسان الذى يسمع (صرخة) عصره ويعمل بالتعاون معها ويكون لديه الاستعداد أن يموت لأجل تحقيقها، وعندئذ سوف يجد خلاصه وحريته، في تصوير عبقري لمثل هذه الصرخة جاء المنظر الأخير لفيلم عادل إمام «النوم في العسل» إنها صرخة «آه» التي قادها عادل إمام من الشارع وأماكن العمل والمسجد والكنيسة حيث خرج خلفه نساء ورجال وشباب ورجال دين في منظر عبقري أبدع تأليفه وحيد حامد وأبدع إخراجه شريف عرفه، إن صرخة «آه» لا تعني معنى محددًا، لكنها مجرد صرخة شعب ما، في عصر ما، تقول إن هذا الشعب شعب حي يبحث عن خلاصه من الحاضر، ويبحث عن أسس جديدة لمستقبله، ولقد صعدت الصرخة من داخل الكنيسة والمسجد.
ثانيًا: هناك فارق بين الصرخة المجردة وبين تحقيقها على الأرض: عندما سأل اليهود يوحنا المعمدان من أنت؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب وهنا نقول نحتاج لإعداد طريق ومعرفة مشيئة الرب في التغيير المطلوب، إنها لحظة تاريخية لأن نتغير على مستوى الفرد والجماعة والمؤسسة نحو الحرية والعدالة، وأشياء أخرى كثيرة.
خبرة رعوية
بعد أن أنهى الراعي خدمته في القرية والتي بدأت بكنيسة واحدة وكان أول من رُسِم عليها كراعٍ وقد استمتع برعايتها أيما استمتاع رغم عدم دخول الكهرباء إليها حتى تركها، ورغم البساطة الشديدة لأعضائها إلا أنهم كانوا أحباء وبقدر بساطتهم بقدر حفظهم للكلمة عن ظهر قلب وبقدر تقبلهم للتعليم وتطورهم مع الراعي. وكما ذكرت قبلًا استطاع الراعي أن يفتح كنيسة في قرية مجاورة أغلقت منذ أكثر من ربع قرن، وبعد أن أنهى الراعي خدمته، انتقل لرعاية كنيسة المدينة التي كانت الكنيستان تابعتين لها لمدة عامين، وهكذا بعد عشر سنوات من خدمته بالريف والمدينة، بدأ خدمته بالقاهرة. في كنيسة بأحد أحيائها الشعبية وكان الراعي هو الثالث بعد المؤسس، بينما كان الراعي الثاني خريجًا حديثًا عندما بدأ في رعاية تلك الكنيسة لمدة منذ حوالى عشر سنوات ، وهى السنوات التي قضاها راعينا في الريف، وكان ذلك الراعي الثاني راعيًا متمكنًا من أدواته سواء في الوعظ أو درس الكتاب أو الإدارة الكنسية ، وإن كان يعِّلى الإدارة على الرعاية، فضبط الإيقاع إداريًا تمامًا ورسم حوالى 8 شيوخ من جيله عمريًا تقريبًا، وكان هناك أربعة شيوخ مرتسمين من قبل على يد الراعي المؤسس، وهكذا كان عدد الشيوخ قياسيًا مقارنة بعدد الحضور الذى كان لا يتجاوز الخمسين أو الستين على الأكثر. بدأ الراعي خدمته بالرعاية والبساطة والتقرب من الناس بابتسامته الشهيرة وروح المرح التي لديه، ومقارنة بالراعي السابق له يعطي انطباعًا بأنه سهل المنال وسهل القيادة دون أن يقصد، فبدأ كل واحد منهم يجلس مع الراعي يحكى له عن تصوره المستقبلي للكنيسة، ويحكى له عن الراعيين السابقين لأن الأربعة شيوخ الأوائل رسمهم الراعي الأسبق وكان الشيوخ التاليين في الرسامة في سن ثانوي وجامعة في ذلك الوقت، لذلك كان الحديث مع الراعي الجديد يتركز على الفارق بين المؤسس والراعي الذى تلاه، وكان راعينا لديه قدره على الاستماع الطويل دون إبداء أي رد فعل إيجابيًا كان أو سلبيًا في صالح الراعي الأول أو الثاني، أو في المقارنة التي كانوا يفعلونها بينهما، فظن بعض الشيوخ من القدامى والجدد أن الراعي الجديد من السهل قيادته، أما الشيوخ القدامى فقالوا لن نستطيع الحكم إلا بعد الاختبار الجاد في علاقة الراعي بكنيسته، بالطبع سارت الأمور في السنة الأولى سهلة وممتعة وجميلة، وذلك لأن الراعي كان يحفظ ما قيل له من د . لبيب مشرقي والقس إلياس مقار في كلية اللاهوت أن الراعي الجديد مهما كانت إمكانياته عليه أن ينتظر السنة الأولى كلها دون أن يتخذ قرارًا مؤثرًا أو يشجع فريقًا على آخر، أو شخصًا على آخر لأن الانطباعات الأولية في السنة الأولى عادة تتغير بعد ذلك، وكذلك لأن الراعي يكون فيها نموذجيًا كما درس الرعاية في الكلية مع خبرته السابقة إن وجدت ، ويكون الشيوخ والقادة يقدمون أنفسهم للراعي بطريقة نموذجية ويتسابقون لإرضائه، وكان الراعي يحقق ما سمعه بالحرف فظل صامتًا يشاهد ويلاحظ ويكتب في أجندته ما لاحظه حتى انتهت السنة الأولى كما حدث في الكنيسة السابقة تمامًا وبعد أن انتهت السنة الأولى بدأ يتكلم.
حكاية لاهوتية
كان درس اللاهوت عن مفهوم الخلاص، شرح الأستاذ أن خلاص الله لا يتم إلا بذبيحة.
سأل طالب ما هو مفهوم الذبيحة؟ أجاب الأستاذ أن يموت شخص لأجل حياة أخر أو حياة شعب أو حياة أمة، ولقد كانت الذبيحة حيوانية في اليهودية وفي المسيحية كان المسيح هو الذبيحة، وهناك أديان لا تؤمن أصلًا بوجود ذبيحة لكنهم يمارسونها مثل أن يضحى إنسان لإنقاذ إنسان أخر من الغرق أو النار أو الخطر فينقذه ويموت هو. والخلاص من الأعداء يدفع ثمنه عدد محدود من الشعب يتمثل في الجيش الذي يحارب وهكذا … إلخ
بل وهناك من يتحدث عن خلاص يظن أنه خلاصًا حقيقيًا وهو في الواقع ليس كذلك.
سأل تلميذ كيف نميز بين هذا وذاك، بين الخلاص الحقيقي والخلاص غير الحقيقي، بين الذي يُحيي والذي يميت.
قال الأستاذ: سأحكى لكم قصة:
رأى حكيم هندي قردًا ينزل للماء ويصطاد سمكة ويخرج صاعدًا بها إلى قمة الشجرة التي يجلس على أحد فروعها ويضعها أمامه ويلاحظها بعناية ومحبة وشفقة. هنا سأله الحكيم ما الذي تفعله يا سيدي بالسمكة؟ أجاب بكل حب وتركيز إني أنقذ السمكة وأخلصها من الموت غرقًا.
قال تلميذ: ما هذه الحكايات التي تسردها لنا نحن نسأل عن ما هو مفهوم الخلاص؟
ابتسم الأستاذ ولملم حاجياته وكتبه وتركهم وهو يقول ليس لدى سوى حكايات وعليكم أنتم أن تبحثوا تنَّظروا … وتركهم ومضى.
مختارات
هَزمَتك يا موت الفنون جميعها
هَزَمتك يا موت الأغاني جميعها
مسَلة المصري، مقبرة الفراعنة
النقوش على حجارة معبد … هزمتك
وانتْصرت. وأفْلت من كمائنك الخلود
من جدارية محمود درويش.