مركزية المسيح والروحانية
الهدى 1256- 1259 مايو – أغسطس 2024
وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلًا: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ (وبعد عدَّة إجابات للتّلاميذ) فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!» فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (مت 13:16-17) أعلن بطرس بوضوح لاهوت المسيح فالإيمان المسيحي يعتمد أساسًا علي شخص المسيح القدّوس وحده له كل المجد فبشاره الملاك للعذراء “الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظلّلك. فلذلك أيضًا القدّوس المولود منكِ يُدْعَى ابن الله” (لو1: 35). ويمكن إيجاز نقاط أخرى عن قداسته:
1- وبطرس يوبخ اليهود “ولكن أنتم أنكرتم القدّوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل” (أع3: 14)
2- والكنيسة كلها صلّت بعد إطلاق بطرس ويوحنا وقالت “امنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة… ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدّوس يسوع” (أع4: 30). أنظر أيضًا (أع4: 27).
3- قبل موقعه الصليب الرّهيبة قال الرب يسوع: “رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء” (يو 14: 30) “رئيس هذا العالم”: فقد هيّج الكهنة والشّعب، ودبّر خيانة يهوذا، وكل المحاكمات، وهذا ما أعلنه المسيح في (لو 22: 53) “هذه ساعتكم وسلطان الظّلمة.” “ليس له فيَّ شيء”: فأنا القدّوس الكامل.
4-ونري أنّ الرّب يسوع أمام الكتبه والفريسيين في الهيكل قد أعلن وبوضوح قداسته قائلًا: “من منكم يبكتني على خطية؟ فإن كنت أقول الحق، فلماذا لستم تؤمنون بي؟” (يو 8: 46)
5- في الرّسائل: «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (1بط2: 22). فاستشهد بإشعياء (إش53: 7). ورسالة العبرانيين توضح أفضليّة المسيح وتميّزه: “لأَنْ ليس لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ” (عب 4: 12) فالمسيح أتى بذبيحة نفسه «لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ.» (عب7: 26)
وركّز الرب يسوع علي تكريس الحياة في قداسة فعليّة وارتباط ذلك بالسّلوك كما في متي 6 في الموعظة على الجبل “لِذلِكَ قَوِّمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ، واصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمه لكيلا يعتسف الأعرج، بَلْ بِالْحَرِيِّ يُشْفَى اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ.” (عب 12: 12-14) وسنتأمل في هذا الموضوع من خلال النّقاط التّالية:
أوّلًا: سمو الصَّدقه (العطاء) وسلوك أبناء الملكوت (مت 6: 1-4):
“احْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ.َالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.”
إنّ للعطاء أهميَّة كبيرة في كلمه الله فالعطاء هو اللّحن الخالد الجميل، لأنّه ينقلنا لحالة من الحب العميق لمن أحبنا وفدانا بعمل نعمته “فشكرًا لله علي عطيته التي لا يعبّر عنها” (2 كو 9 : 15) فعندما نعطي نتذكر أعظم عطيّة على الإطلاق شخص الرّب يسوع عطيّة العطايا لفداء العالم أجمع فالعطاء له معنى تكريسيّ عميق لذا نقرأ قول المسيح للسّامريَّة: “لو كنتي تعلمين عطيّة الله ومن هو الذي يقول لك اعطني لأشرب لطلبت أنتِ منه فأعطاك ماء حيًا.” (يو 4: 10) هو أسلوب حياة وليس مجرد عمل عادي أو خدمة هامشيّة
(أم 21: 13) تَخَيَّل مَعي صُعوبَة مَنْ يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ صُرَاخِ الْمِسْكِينِ، فَهُوَ أَيْضًا يَصْرُخُ وَلاَ يُسْتَجَابُ
أن يَحجُب الله وَجههُ عَنكَ وأنتَ في أمَسّ الحاجة إلَيه، حالَكَ سَيَكون َكحَالِ المُحتاج الذي قَصَدَكَ لأنَّ لَدَيهِ
مُشكِلة لا يَملِك حَلّها “مَنْ يُعْطِي الْفَقِيرَ لاَ يَحْتَاجُ، وَلِمَنْ يَحْجِبُ عَنْهُ عَيْنَيْهِ لَعَنَاتٌ كَثِيرَةٌ” (أم 28: 27)
هناك عدّة أمثلة على العطاء في الكتاب المقدّس. في قصَّة قايين وهابيل (تكوين 4: 1-16). قدم قايين قربانًا لله، لكنّه لم يكن مرضي لله، كانت تقدمة هابيل مرضيّة لله لأنه أعطى بقلب نقي. إنّ تقدمة الأرملة ذات الفلسين في (مر 12: 41-44) هي أيضًا مثال مهم على العطاء لأنها أعطت كل ما عندها.
ثانيًا: الصلاة وتشكيل السلوك: (مت 6: 5- 15)
في الإيمان المسيحيّ الصّلاة ليست فرضًا أو واجبًا، بل أسلوب حياه لذا هي مرتبطه تمامًا بكيف نسلك؟
“وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ.. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ
الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ”. “أعلى أحد بينكم مشقات فليصلّ” (يع 5: 13) أما ما نطلق عليها الصلاة الرّبانيَّة فتعبر عن روح البنوية وتنبّر على السّلوك: (أبانا الذي…) فنتضرع للآب:
– ثلاث طلبات تختص بالله: (ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك). الأولى، أن يقدّس البشر اسم الآب في قلوبهم وعلى ألسنتهم. الثانية، سيادة الملكوت، أما الطلبة الثالثة، فتعني تسليم الإنسان ذاته كليًّا لله.
– ثلاث طلبات تختص بالإنسان، 1- (خبزنا كفافنا أعطنا اليوم)، لاحتياجات الجسد. 2- (اغفر لنا ذنوبنا) تختص بالغفران 3- (لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير) تعالج اغراءات الخطيّة. فالصّلاة ضرورة مطلقة، فنري الرب يسوع يصلّي على الجبل وفي موضع خلاء “وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردًا ليصلّي” (مت 14: 23). “وفيما هو يصلّي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضًا لامعًا” (لو 9: 29).
ثالثًا: الصّوم وتشكيل السّلوك: (مت 6 :16- 18)
في الإيمان المسيحيّ الصّوم ليس فرضًا أو واجبًا، بل أسلوب حياة لذا هو مرتبط تماما بكيف نسلك؟
وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً
الصوم هو تقديم الجسد ذبيحة حيّة في حضرة الله في توبة حقيقيّة أما الفريسيين فقد بحثوا عن حب الظهور. “ادهن رأسك واغسل وجهك”: المقصود أن تظهر نفسك بشكل طبيعي كما في الأحوال العاديَّة
فنحن كمؤمنين مختلفين لأن “سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ” (في3: 20). ونقرأ شاهد مهم في إشعياء:
“أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ، أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ وَمَجْدُ الرَّبِّ. حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ بِالأصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ. وَمِنْكَ تُبْنَى الْخِرَبُ الْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ: كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ، مُرْجِعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى” (إش 58 : 6- 12)
ومن خلال الشاهد السّابق يؤكد على أنّ الصوم ليس فقط وسيلة لعبادة الرب والتّمتع به، بل هو يحرك الصّائم لسلوك عملي محب للآخرين ويشعر بالاحتياجات خاصه للجوعى والمحرومين فما أجمل القول “لا تتغاضى عن لحمك”، أي كل من له احتياج هو أحد أفراد أسرته فبالصوم يحب الآخرين كنفسه ويكسرالخبز للجائع، حتي نستمتع بحق بالقيادة الإلهيّة فإن لم يقدنا الرب، فمن يقودنا في هذه الحياة وظروفها المختلفة؟ وليس شرطًا أن يصنع الله معجزة في كل أمر يخصنا، بل نستمتع بمسيرته معنا وقيادته لنا.
رابعًا: حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ َيكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا (مت 6: 19- 34):
“لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِيالسَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاك يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا. سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَينُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ! لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ. لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ
الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ
يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ( الفرن )، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ”. إن المسيحيّة ليست مجرد ديانة، بل هي أسلوب متكامل للحياة وبالتالي ليست تمثيليّة نعيشها لكي نرضي إله بعيد غير راض في كل الأحوال عما نقدمه أو نعمله ولذا الرب يسوع يدرس سلوكيات ويربطها بنبع مهم وهو القلب فالعين مفتاح الجسد ونقرأ “حول عيني عن النظر الي الباطل. في طريقك احيني” (مز 119: 37) نحن لا يمكننا أن نطلب من الرب أن يحول الباطل من أمام أعيننا لأن العالم وضع في الشرير، لكن الصّحيح أن أعيننا تتغاضى عن رؤية أي باطل أو التّعلق به. وأيضًا الرب يسوع ينبّر على عدم تحول الوسيلة إلى غاية والقلب أيضًا له دور محوري فكم أطاحت الأموال بالقيم عندما صارت سيدة وصار الإنسان عبدًا لها. بل كل مستلزمات الحياة من المأكل والملبس فإن أحاديثنا لا تخلو من سرد هذه الأمور وصار الحديث عن الحياة بمعاناتها بديلًا للتّكريس القلبيّ للرّب والاتكال الصّحيح عليه وهو ليس تواكلًا أو غيبيّة، بل اعتمادًا صحيحًا علي من بيده أمرنا.
أخيرًا:
مسيحنا هو حياة، بل وأروع حياة وعلينا أن نفهم جيدًا كيف نعيش في قداسته بشكل سليم فننمو في سلوك عملي لايفصل أبدًا الحياة الرّوحيّة عما يجب أن نفعله كنور للعالم وأبناء نور.