هل من أهمية للميلاد العذراوي للمسيح؟
الهدى 1227 يناير 2021
يحتفل العالم المسيحي كل عامٍ بميلاد السيد المسيح، ومن الأركان الهامة في هذه الاحتفاليّة التأكيد المسيحي الدائم على ميلاد المسيح من عذراء، وقد صُكت عقيدة هامة تناقش هذه القضيّة واصطلح على تسميتها بـ «عقيدة الميلاد العذراوي»، فما هي أهميّة أن يُولد المسيح من عذراء لم يمسسها رجلٌ؟
يُسجِل كل من البشيرين متى ولوقا، قصة ميلاد المسيح، ويؤكد كليهما على حقيقة ولادة المسيح من عذراء، فيكتب متى: «أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ. « (متى 1: 18-25؛ راجع أيضًا لوقا 1: 26-38). ويُمكن تلخيص أهميّة ولادة المسيح من عذراء في عدة نقاط:
1) ميلاد المسيح من عذراء يؤكد حقيقة ألوهيته.
إنَّ الكتاب المقدس يؤكد أنَّ العذراء «وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ»، وحينما فاجأها الملاك بخبر حملها بدون علاقة زواج، تساءلت: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»، أجابها الملاك قائلًا: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا 1: 34-35)، إنَّ المسيح، القدوس ليس ابنًا لأبٍ بشري، بل ابن الله يُدعى، إنه الله، كُلي القدرة، لا يعسر عيه أمر، وعندما أراد أن يدخل عالمنا ويفي بوعده، جاء من نسل المرأة، كان المسيح المولود من العذراء مريم، هو الله الظاهر في الجسد، وهذا ما أكده البشير يوحنا قائلًا: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. .. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً.» (يوحنا 1: 1، 14).
2) ميلاد المسيح من عذراء يؤكد حقيقة إنسانيته.
إنَّ ولادة المسيح من عذراء، تؤكد ليس فقط على حقيقة ألوهيته، بل تؤكد أيضًا على حقيقة إنسانيته، إنَّ الكتاب المقدس يُعلمنا أنَّ المسيح كان إنسانًا كاملًا، له جسد مادي، وقد شابهنا في كل شيء عدا الخطية (عبرانيين 2: 17، 4: 15)، وشهد عنه تلاميذه أنه «حزن واكتئب» (متى 26: 37)، «بكى» (لوقا 19: 41، يوحنا 11: 35)، و»تهلل» (لوقا 10: 21)، وقد أجمل الرسول يوحنا هذا المعنى إذ قال: «اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا..» (1يوحنا 1: 1)، لقد كان المسيح ابنًا لله، وكان أيضًا ابن الإنسان، إلهًا وإنسانًا كاملًا في آن واحد.
3) ميلاد المسيح من عذراء تؤكد خلوه من الخطية.
إنَّ ولادة المسيح من عذراء، تؤكد على المسيح من الخطية، وأنَّه ليس من نسل آدم، لأنَّ لو كان للمسيح أبًا بشريًا، لأصبح إنسانًا من نسل وذرية آدم، وبالتالي وارثًا لخطية آدم، ومُستحقًا الموت (راجع: رومية 5: 12)، لكن على العكس من ذلك يؤكد الكتاب المقدس أنَّ المسيح لم يخطئ قط، وقد تحدى أعدائه والتاريخ قائلًا: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يوحنا 8: 46)؛ وقد كتب عنه «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (1بطرس 2: 22)، ولأنَّ المسيح كان خاليًا من الخطية، استطاع أنَّ يحمل خطايا العالم وينوب عن البشر أمام الله، ويفتح طريق العودة أمامهم.
4) ميلاد المسيح من عذراء أكَّد صدق ووحي كلمة الله.
إنَّ ولادة المسيح من «عذراء» تؤكد وحي وسلطة الكتاب المقدس. يقول الكتاب: «وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (إشعياء 7: 14).
وكلمة «عذراء» المُستخدمة في إشعياء، هي الكلمة العبرية עלמה almah عالماه، والتي يُمكن أن تُترجم إلى عذراء أو شابة، وقد اختار علماء اليهود -الذين قاموا بالترجمة السبعينية للعهد القديم من العبرية إلى اليونانيّة- الكلمة اليونانيّة παρθένοςب parthenos بارثينوس، وهي الكلمة التي تعني «عذراء a virgin»، كان ذلك قبل عدة قرون مما سجله الوحي في بشارتي متى ولوقا، وقبل أن تكون للمسيحيّة مؤسسة تؤثر على القصة الكتابيّة كما يدعي المُشككين؛ وإذا أنكرنا هذا التعليم، فإننا نُشكك وننكر بقية الكتاب المقدس.