يوسف زيدان واكتشافه المذهل عن الجهاد!
الهدى 1221 مايو 2020
صُعِقتْ عندما شاهدت لقاء الإعلامي وائل الإبراشي بالمفكر الكبير يوسف زيدان، وكانت الصدمة حينما سمعته يقول إن مفهوم الجهاد مفهوم مسيحي، وقام بتركيب عدة أجزاء ليخرج بأية جديدة، هي: «جاهد في سبيل يسوع، كما يجاهد الجندي الصالح في سبيل سيده!».
وأوضح أن الإمبراطورية في زمن الرومان كانت عبارة عن: قائد ومجموعة من الجنود يدينوا بالولاء له، وأكثر قائد لديه موالين يصبح هو الإمبراطور! تَمَخَّضَ الجبل فَوَلَدَ فأرًا! شعرت وكأنه أتى بالذئب من ذيله!.
إذا كان «الجهاد» مذكورًا في الكتاب المقدس، فهل ما فهمه يوسف زيدان عن «الجهاد في المسيحية» هو ما قصده الكتاب المقدس؟
أولاً: من الناحية اللغوية، المفهوم الذي قصده زيدان عن الجهاد ليس هو المفهوم الأوحد، وإنما اجتهد أي: بذل ما في وسعه، ألا يعلم الدكتور يوسف زيدان أن الكلمة تختلف معناها حسب الكلمات الأخرى التي تعانقها؟! فمثلاً: كلمة «العصر» قد تعني «الزمن»، كالقول: «التمرد سمة هذا العصر»، وقد تعني «وقت من اليوم»، كالقول: «جئتُ من العمل بعد العصر»، وقد تعني «عملية استخراج العصير»، كالقول: «نتخلص من قشر الليمون بعد العصر»! قياسًا على ذلك.. لماذا الإصرار على معنى واحد لكلمة «الجهاد»؟
ثانيًا: نبَّرَ الدكتور يوسف زيدان أن الآية التي ذكرها موجودة بحرف اللفظ في العهد الجديد، وفي حقيقة الأمر لا وجود لها، أما إذا كنت يقصد الآية التي تقول: «فَاشْتَرِكْ أَنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (2تيموثاوس 2: 3)، يقصد هنا الاجتهاد في القيام بالرسالة المنشودة منا في الحياة، بإخلاص وولاء تمامًا مثلما يفعل الجندي الصالح، وفي هذا الجزء يضع بولس الرسول ثلاثة أمثلة لاحتمال المشقات، وبذل الجهد، وهي: الجندي الصالح، الرياضي الملتزم، الفلاح المثابر. وكلها تدل على الاجتهاد في الحياة الروحية والعملية.
ثالثًا: المشبه ليس كالمشبه به في كل شيء، بل يكفي جانب أو أكثر للتشبيه، فمثلاً عندما نقول: «فلان كالأسد» هل المقصود منها أنه حيوان ومن ذوات الأربع كالأسد؟! أم ربما المقصود منها الشجاعة والقوة، أو القول: «فلان كالثعلب»، ألا يُقصَّد بها المكر والدهاء؟! وغيرها. فما ذكره الدكتور يوسف زيدان عن الإمبراطور في النظام الروماني بكثرة الأتباع، وليس بالتوريث أو الانتخاب، لا يرمي إليه الرسول بولس لا من قريب ولا من بعيد، فالتشابه لا يعني التطابق!
رابعًا: هل مارس المسيح ما تفهمه عن الجهاد واستخدم القوة ضد من كان يعاديه؟ ألم يقل: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (متى 5: 44)، أيضًا قال: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!» (متى 26: 52)، إنها قوة الحب لا حب القوة!
خامسًا: هل مارس رسل المسيح ما تفهمه عن الجهاد في بداية المسيحية؟ أم أن الاضطهاد وقع عليهم؟ اسمع ماذا قال واحدٌ منهم، وهو بولس: «وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ» (1كورنثوس 4: 12-13)
سادسًا: المعانِ المقصودة من الجهاد في العهد الجديد، منها:
- الجهاد في الصلاة: «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ» (رومية 15: 30)، «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ ابَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ» (كولوسي 4: 12).
- جهاد الإيمان: «جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ» (1تيموثاوس 6: 12)، «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ» (2تيموثاوس 4: 7).
- ضبط النفس والجهاد ضد الخطية: «وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (1كورنثوس 9: 25)، «مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ» (عبرانيين 12: 4).
- الجهاد لأجل توصيل رسالة الحق بالحب: «سَاعِدْ هَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي الإِنْجِيلِ» (فيلبي 4: 3)، وفي هذا النص الكتابي يتحدث بولس عن سيدتين خادمتين، هل كانت كل واحدة منهما تجاهد بالسيف مثلاً؟!
- الجهاد ضد إبليس (الشيطان): وهنا يعلنها الرسول بولس صراحًة: «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» (أفسس 6: 12).
كانت هذه الآيات الكتابية وغيرها لأجل توصيل معنى الجهاد في العهد الجديد، إنه جهاد روحي لا حربي، جهاد يتحدى النفس لا الآخر، وما أجمل وما أرقى أن يتحدى الإنسان نفسه، فينتصر على شهواته، ويسمو على رغباته، لذا أرجو من الدكتور/ يوسف زيدان أن يُعيد حساباته، ويدقق فيما يقول، كما أرجو أن يهتم الإعلام بهموم القوم، وليس بقوم يخلقون الهموم!