ليملُك السلام
الهدى 1205-1206 يناير وفبراير 2019
لوقا 2: 13، 14 «على الأرض السلام»، كولوسي 3: 15 «ليملك السلام»، متى 5: 9 «صانعي السلام»، يعقوب 3: 18 «وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ»
لفظة السلام باليونانية (والمستخدم في العهد الجديد) هي «إريني/eirene» وتعني: حالة تصالح؛ أي يكون الإنسان في سلام ويصنع السلام.
السلام في العهد القديم يعني حالة الكمال، عدم العوز أو الاحتياج. ويتمتع بها اليهودي لأنه داخل العهد مع الله.
أما في العهد الجديد فإن لفظة سلام لها المعاني الآتية:
1. غياب الحرب أو الفوضى، وهذا هو المعنى العالمي/السياسي للسلام الآن.
2. السلام كعلاقة صحيحة مع الله والمسيح.
3. السلام كعلاقة صحيحة مع الناس.
4. السلام كحالة الفرد الداخلية، حالة الراحة/ السكينة tranquility\serenity
5. السلام كجزء من التحية.
إن مفهوم السلام الذي ساد العالم من 2000 سنة كان متأثرًا بالثقافة الرومانية. كان السلام الروماني pax romana يحتوي على هذا المضمون: «سوف نحاربكم، لو استسلمتم سوف تتمتعون معنا بالسلام، لو حاربتم سوف تخسرون وسنحقق السلام بإخضاعكم لنا».
لقد أتى المسيح ليغير هذا المفهوم الأعوج، السياسي، وليحقق أيضًا مضمون كلمة إريني [سلام مع الله والناس]
إن كانت رسالةُ البشارة رسالةَ سلامٍ من الله للإنسان (على الأرض السلام) ووعدًا بأنه لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح (رومية 5: 1) ودعوةً سماوية لأبناء الملكوت (طوبى لصانعي السلام) فلابد أنّ السلامَ جوهريٌّ ومحوريٌّ في الملكوت.
إن حالة الصراع والعنف والفراغ الإنساني التي يعيشها العالم/ أو المؤمنون الفاقدين للسلام لن يغيّرها إلا السلام المسيحي. فما هو السلام المسيحي؟
السلام المسيحي هو جزءٌ لا يتجزأ من رحلة فداء الله للبشرية، أشعل شعلته الأولى يسوعُ المسيح بالتجسد. التجسد جزءٌ كبير من رحلة الفداء، وفي التجسد رأينا الإخلاء والتنازل والاتضاع وصولاً للسلام. هذا هو مفتاح السلام الحقيقي، التجسد! نحتاج أن نتجسد لبعضنا البعض.
إنكار الذات
«إن أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فلينكر نفسه/ذاته ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني» (لوقا 9: 23)
حَمْلُ الصليب، التنازل عن الأنا، (أنا أفهم، أنا أعرف، أنا أذكي، أنا أحكَم، أنا الأفضل). كلما أحببتُ ذاتي بشكلٍ مَرَضيّ سعيتُ لتسديد شهواتها فانطفأت قوة تأثير الوصية فيّ. الوصية لم تقل تحب نفسك ثم بعدها تحب قريبك كنفسك، بل من كل كيانك الداخلي (فكريًا وشعوريًا وإراديًا) تحب الرب إلهك … وهذا النوع من الحب هو تحقيقٌ لحالة الإخلاء. ليكن الكيان الداخلي، لا في حالة بحثٍ عن الذات وطرق إشباعها، بل في حالة خروج منها ومحبة ذلك الخالق، فتذبل كبرياء الذات وأنانيتها ورغبتها في الحصول على كل ما تصل إليه يدها. «فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ.» لكن قبلها يقول الرسول بولس «مع المسيح صُلبت». هذا هو الصليب.
الطريق إلى التجسد هو الصليب، كما أن الطريق إلى الصليب هو التجسد.
الطريق إلى التجسد اليومي هو الصليب اليومي. «كل يوم». وهذا يأخذني للفكرة الثانية. إن السلام ليس بضغطة زرٍ. فالسلام كيما يتحقق داخليًا، يحتاج أن يكون الصليب كل يوم. إنه تدريبٌ!
«أقمع جسدي وأستعبده»، لا بمعنى الإذلال والمهانة، بل بمعنى التحكم والسيطرة على ذلك الجسد (العتيق). تلك الذات العتيقة التي تسعى لإشباع نفسها، لا يمكنني السماح لها أن تتحكم وتسيطر عليّ. فهي مثل الحيوان الشرس المتوحش، تريد أن تلتهم الفرائس، تريد أن تضرب وتقتل، وتجد لذتها وشبعها في ذلك.
في كل مرة سمحنا للذات أن تتعامل بوحشيتها زعزعنا مُلك السلام. وعندما تحكمنا فيها ثبّتنا مُلك السلام. مرة أخرى، السلام ليس على حساب إهانة الذات ولا حتى السماح للآخرين بإهانتي بل بالتحكم والسيطرة على الذات.
لم يعد المسيح بخلع العتيق نهائيًا ونحن على الأرض، لذلك فالعتيق هو أرض الصراع الأولى والأساسية، حتى الممات. لو تصارعتَ مع العتيق ستحقق السلام مع الله ثم مع الناس، ولو تصالحت مع العتيق، ستفقد السلام.
صناعة السلام
الصفحات البيضاء مع الآخرين، لا أستطيع أن أفتحها إلا بعد تحقيق السلام الداخلي والتصالح مع الله، وكل يوم.
العالم ضائعٌ، تائهُ، متعثّرُ، مُشتتٌ ويحتاج لأن يمتد إليه ويتوسّع نحوه ذلك المجتمع الذي يعيش في مناخ السلام. وسوف تظل دعوة صناعة السلام صدًى عمليًا مؤثرًا ومغيرًا في مجتمعاتنا الأرضية، لدعوة الملح والنور. هل نقدر أن نرسخ مبادئ الرحمة والإنسانية أهم من الذبيحة والسبت؟ أنقدر على توسيع قدراتنا على القبول غير المشروط؟ أنقدر أن نتجسد للناس بالحب والمودة؟
«وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ.» يعقوب 3: 18