القيامة وأعياد إسرائيل
الهدى 1254-1255 مارس وأبريل 2024
مقدِّمَة
يُلقي البَشير لوقا الضّوء على لقاء خاص للمسيح بعد قيامته مع تلميذي عمواس. ومن التعليقات المهمة التي يسردها لنا لوقا في هذا اللقاء مع هذين التلميذين العابسين المحبطين أن المسيح “ٱبْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ ٱلْأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا ٱلْأُمُورَ ٱلْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ ٱلْكُتُبِ.” (لو ٢٤: ٢٧) هذه الأمور تشمل عددًا لا يحصى من التّلميحات والنّبوات والظِّلال في العهد القديم التي تشير إلى المسيح وعمله من أجل شعبه. ومن ضمن هذه الإشارات ما نجده في كتابات موسى وتحديدًا سفر اللّاويين والأصحاح ٢٣، حيث نقرأ عن الأعياد اليهودية وسنرى مدى ارتباط هذه الأعياد بقيامة ربنا يسوع المسيح.
في اللّاويين 23 نقرأ عن سبعة أعياد بالإضافة إلى الاحتفال بالسبت. يمكن أن يسمى هذا السفر سفر الاقتراب إلى محضر الله. وكانت هذه الأعياد أيامًا خاصة للتقرب إلى الله. ثلاثة منهم كانوا في نهاية شهر مارس أو بداية شهر إبريل وهو الشهر الأوّل في التّقويم اليهوديّ وعيد آخر في نهاية شهر مايو، حيث يذهبون مرة أخرى للاحتفال في أورشليم ثم أخيرًا بحلول نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر للاحتفال بثلاثة أعياد أخرى. كان يُحتَفلُ بسبعة أعياد في ثلاثة مواسم مختلفة من السّنة، حيث ينبغي على اليهوديّ التّقي أن يذهب ويزور أورشليم في هذه المرّات الثّلاث ليحتفل بهذه الأعياد السّبعة. في هذا المقال، سنُلقي الضّوء على الأعياد الثّلاثة التي كان يُحتفَل بها في الشّهر الأوّل من السّنة اليهوديّة، وهذه الأعياد هي الفصح والفطير والباكورة.
أوّلًا: عِيدُ الفِصْحِ
العيد الأوّل هو أحد أشهر أعياد إسرائيل، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق، وهو عيد الفصح. والذي كان يُحتَفَلُ به في اليوم الرّابع عشر من الشهر الأول كذكرى للفداء العظيم لإسرائيل من مصر. فبعد 400 عام من وجودهم في مصر منذ زمن يوسف، تغير وضع بني إسرائيل عبر السّنوات حتى أصبحوا مستعبدين للمصريين مع الكثير من المشاق، حتى وصل الأمر أن أمر فرعون بقتل جميع الأطفال الذكور من أبناء بني إسرائيل. ثم يخبرنا سفر الخروج كيف خلَّصهم الله بواسطة موسى الذي تحدى فرعون بأمر الله. وفي هذا الصِّراع جلب الله عشر ضربات على أرض مصر، والتي انتهت بقرار نهائي من المصريين بتحرير إسرائيل من أرضهم. وهذه الضِّربة الأخيرة كانت موت الابن البكر في أرض مصر. في أغلب الضربات ميّز الله بين إسرائيل والمصريين، فكانت تأتي الضربات على المصريين، ولكن ليس على الإسرائيليين. ولكن عندما تعلق الأمر بالعلامة العاشرة، أمر الرب أيضًا شعب إسرائيل أن يذبح كل بيت خروف الفصح، وإلا سيموت الابن البكر حتّى في بيوت شعب إسرائيل. كان كل من المصريين والإسرائيليين بحاجة إلى الفداء. ولكي ينجو بكر كل بيت، يجب أن يذبح خروف الفصح ويُرَش دمه على العتبة العليا وقائمتي الباب. وإلا فسيمر الملاك بالبيت ويضرب الابن البكر، مصريًا كان أو إسرائيليًا. كل بيت يحتاج إلى الفداء.
ومن المثير للاهتمام أن خلاص إسرائيل من الضربة العاشرة يتزامن مع خلاصهم من مصر نفسها. لكي يخلصوا من العبودية ويخرجوا من مصر إلى الشركة مع الله، يجب أن يذبح خروف الفصح بدلًا من الأبكار. وبناء على ذلك، كانت كل عائلة أو عائلتين تقتنيان خروفًا وتحتفظان به قبل يوم الفصح بأربعة أيام، وفي اليوم الرابع عشر من الشهر الأول تذبحان الخروف وتأكله في تلك الليلة مشويًا على النار، مع فطير وأعشاب مُرّة. وبعد أن يُذبَح يُرش الدَّم على العتبة العليا وقائمتي الباب. وقد أمر الله بني إسرائيل أن يفعلوا ذلك في يوم الخروج التاريخي، وأن يحتفلوا بهذا العيد سنويًا، وأن يخبروا الأطفال كيف خلَّص الرب شعبه بذراع قوية. من الواضح أن ذبيحة الفصح تضمنت فكرة الكفارة البدليَّة، حيث يكون موت الحيوان بدلًا من الابن البكر. لذلك لم يكن الفداء من مصر بلا ثمن، وكان الثمن حياة أخرى هي حياة خروف الفصح. إن صورة الفصح هذه نموذجٌ عظيم لعمل المسيح، إذ كان هو خروف الفصح الحقيقي كما يقول بولس في 1 كو 5: 7 “لأَنَّ فِصْحَنَا الْمَسِيحِ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا.” فهو حمل الله الذي جاء ليتحمل عنَّا غضب الله.
الفِصْحُ والقِيَامَةُ
السؤال الآن هو، ما علاقة هذا الحدث بقيامة المسيح؟ يمكننا أن نرى مدى ارتباطه بموت المسيح، ولكن كيف يمكننا أن نفهم علاقته بقيامة المسيح؟ في الواقع، لا ينبغي لنا أبدًا أن نفصل بين موت المسيح وقيامته. في حدث الفصح التاريخي، يعرف البكر أنه نجا لأن الخروف ذُبِح، وتم رش الدَّم على قوائم الباب. وبقاء البكر حيًا في ذلك اليوم يعني أن الرب رأى الدَّم وعَبَر. لقد قَبِل الحمل كبديل في ذلك الوقت. والآن في العهد الجديد، ما الذي يجعلنا نقول أن الله رأى موت المسيح وقبله كأساس لمصالحتنا معه وتبريرنا أمامه؟ والإجابة هي لأن المسيح عاش حياة كاملة ومات من أجل خطايا شعبه ورأى الله حياته وموته فقال هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. ويُعَبَّر عن هذه المسرَّة في الحدث العظيم الذي حدث فجر الأحد. المسيح قام حقًا قام. تم قبول العمل. إنه الحمل الحقيقي الذي بلا لوم. استمع إلى ما يقوله بولس عن قيامة المسيح في 1 كو 15: 17 لبعض الناس الذين أنكروا القيامة من الأموات: وَإِنْ لَمْ يَكُنِ ٱلْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ!
لأنَّ المسيح قد قام، يمكن لجميع الذين هم في المسيح أن يكونوا على يقين تام من أن خطاياهم مغفورة إلى الأبد، وأنهم مقبولون بسبب بر المسيح الذي يُحسب لهم. لا شيء من الدينونة على الذين هم في المسيح يسوع. واليوم يقدِّم الله لنا حمل الله الكامل هذا لكي ننضح الدَّم على قوائم أبوابنا ونستريح على أساس العمل الكامل لهذا الحمل الذي مات وقام. فعمله كان مقبولًا تمامًا، لذلك يمكنك أن تأتمنه على حياتك وأبديتك. كما كان الخروف سبب المصالحة بين الله والذين في كل البيت، المسيح أيضًا هو فِصحنا وهو سبب مصالحتنا وسلامنا مع الله والدَّليل على ذلك قيامة المسيح. لقد قام لكي نتحد به ونتمتع بالسلام مع الله والتّبرير أمامه. فمن دون القيامة لا يوجد تبرير ولا مصالحة مع الله.
ثانيًا: عِيدُ الفَطِيرِ
العيد الثّاني الذي كان يحتفل به بنو إسرائيل في الشهر الأول هو عيد الفطير. ويبدأ في اليوم الثاني بعد عيد الفصح من اليوم الخامس عشر من الشهر ولمدة 7 أيام. لقد كانت هناك دائمًا علاقة قويّة بين عيد الفصح والفطير. في الواقع، كلاهما مذكوران في قصة الخروج (خروج 12)، وفي العهد الجديد سُميا أحيانًا باسم واحد منهما فقط، كما يلمح البشير لوقا: “وَقَرُبَ عِيدُ ٱلْفَطِيرِ، ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْفِصْحُ.” (لوقا 22: 1) لا يمكنك أبدًا فصل عيد الفصح عن عيد الفطير.
في قصة الخروج، أُنشئ هذا العيد لتسليط الضوء على ضرورة الخروج. بينما كان الإسرائيليون يأكلون وجبة الفصح في مصر، كان من المفترض أن يأكلوا الوجبة وأحقاؤهم مشدودة، وأحذيتهم في أرجلهم، وعِصيّهم في أيديهم (خروج ١٢: ١١)، مما يدل على العجلة التي خرج بها إسرائيل من مصر. لتناول الخبز المُخمَّر، ستحتاج إلى خميرة لوضعها في كتلة العجين حتى تتمكن من خبز الخبز. كان الإسرائيليّ العادي يستخدم قطعة خبز قديمة كخميرة ويضعها في كتلة العجين بحيث تختمر الكتلة كلها وتكون جاهزة للخبز. ولكن الآن يتعين على شعب إسرائيل أن يغادر مصر بسرعة وليس هناك وقت لانتظار تخمير العجين. كما أن استخدام كسرة خبز عتيق يعني الاحتفاظ بشيء من مصر، من زمن العبودية، والإتيان به إلى البداية الجديدة مع الله. وكان هذا ممنوعًا تمامًا. لذلك، يتم التأكيد على أكل الفطير فقط من خلال الامتناع عن أكل خمير طيلة أيام العيد السبعة، وأي شخص يحفظ أو يأكل خميرًا طيلة العيد يجب قطعه من جماعة إسرائيل (خروج 12: 15). فالخميرة هي ظل للخطيّة التي ينبغي إزالتها من حياة الذين تمتعوا بخلاص خروف الفصح. فكان من المتوقع أيضًا من جميع الذين شاركوا وأكلوا من الخروف أن يزيلوا أي خمير من منازلهم، والذي كان رمزًا للحياة القديمة في مصر.
والآن لنرى كيف ربط الرسول بولس هذين العيدين في العهد الجديد في ١ كو ٥: ٦-٨
“لَيْسَ ٱفْتِخَارُكُمْ حَسَنًا. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ «خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ ٱلْعَجِينَ كُلَّهُ؟» إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ ٱلْخَمِيرَةَ ٱلْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لِأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لِأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلَا بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلْإِخْلَاصِ وَٱلْحَقِّ.”
في هذين العيدين نرى صورة للحياة المسيحيّة: الذين في المسيح يخلصون من غضب الله ويتصالحون معه بسبب الخروف المذبوح. لكن الحقيقة الضروريّة التي لا تنفصل عن هذا هي بداية الحياة الجديدة للصراع المستمر ضد الخطية. لم ينقذنا المسيح من قصاص خطايانا لنحيا فيها. لا يمكنك أن تتحد بالمسيح لمجرد مغفرة الخطايا والتّبرير، دون نوال الولادة الجديدة والحياة الجديدة وبالتّالي الصِّراع ضد الخطيَّة. إنّ الاتحاد بالمسيح يعني أن يكون لديك قلب جديد يحب وصايا الله ويحب أن يعيش حياة مخافة الله. وهذا ما يحدث في الولادة الجديدة، ويستمر في حياة القداسة. أن تأكل خروف الفصح يعني أيضًا أنك تأكل الفطير من دون أي تمسك بشيء من حياة العبوديّة في مِصر.
والحقيقة أنهم كانوا يأكلون أيضًا الأعشاب المُرَّة ممَّا يذكِّرهم بمرارة العبوديّة في مصر. في سفر التّثنية يُدعى الفطير خبز المشقة (تثنية 1:16-3)، وهذه الأعشاب المُرَّة التي تُشير إلى مرارة الحياة في مصر تؤكد على ضرورة الرّحيل. لماذا يجب على إسرائيل أن يبقى داخل بيت العبودية المرير هذا؟ فالعبوديّة في الخطيّة وتحت وطأة الشيطان مريرة. لماذا تتسكع في مثل هذا البيت المرير؟ لقد كان من المفترض أن يحتفل شعب إسرائيل بانتظام بعيد الفطير بالأعشاب المُرَّة، إذ كانت هذه دعوة للرّحيل المستمر، والترك المستمر لحياة أرض العبودية. فالخروج من مصر لم يكن مجرد ترك أرض مصر، بل كان خروج القلب من مصر. أخرج موسى الشعب من مصر، لكنه لم يُخرج مصر من قلوبهم. فقد كانوا كثيرًا ما يشتاقون إلى حياة مصر. يجب على شعب الله أن يتذكروا مرارة الحياة من دون الله في هذا العالم، حيث لم يكن لنا رجاء (أفسس 2: 11-13). نحن مدعوون يوميًا إلى التّخلي عن الحياة القديمة التي تتسم بالبُطل والخطية، وأن نفعل ذلك بإلحاح –وهو نفس الإلحاح الذي ينطوي عليه خلاصنا الأصلي من الظلمة. ولكن من أين يمكننا الحصول على القوة للقيام بذلك؟
عِيدُ الفَطِيرِ والقِيَامَةِ
من دون المسيح القائم من بين الأموات، لا يمكننا أن نستمر في أن نقول لا للخطيّة ولحياة العبوديّة القديمة. لا نستطيع أن نُزيل الخمير من بيوتنا وحياتنا. ناقش بولس هذه القضيّة نفسها في رسالة رومية. لقد أوضح الرسول بولس معنى التبرير وغفران الخطايا والمصالحة مع الله على أساس كفّارة المسيح. وهذا التبرير نناله بالإيمان بسبب نعمة الله. وهنا يظهر سؤال يطرح نفسه: أنبقى في الخطيّة لكي تكثُر النعمة؟ وكانت إجابة بولس: حاشا! والسبب هو أننا متحدون مع المسيح ليس فقط في موته، بل أيضًا في قيامته. لا يمكنك أن تحتفل بعيد الفصح من دون أن تحتفل بالفطير معه. فالذي مات مع المسيح قام أيضًا مع المسيح في جدة الحياة. وهذا ما يقوله بولس في رومية 6: ١-٥: “فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي ٱلْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ ٱلنِّعْمَةُ؟ حَاشَا! نَحْنُ ٱلَّذِينَ مُتْنَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟ أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ ٱعْتَمَدَ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِٱلْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ ٱلْمَسِيحُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ ٱلْآبِ، هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ ٱلْحَيَاةِ؟ لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ.”
انظر كيف يتحدث بولس عن اتحادنا بالمسيح. لأن المسيح مات وقام، فكل الذين اتحدوا به قاموا معه أيضًا. فهم لم يعودوا بعد الأشخاص نفسها كما كانوا قبل اتحادهم في المسيح. لذلك فهم في حرب مستمرة مع الخمير في حياتهم، وفي صراع مستمر مع الخطية لأنهم قاموا مع المسيح. فكل إنسان يثق بالمسيح قد اختبر بالفعل الخروج الجديد معه في موته وقيامته، متحدًا به بالروح. ونحن الآن مدعوون بشكل مُلح إلى التقديس، الذي أصبح ممكنًا بقوة المسيح القائم من بين الأموات الذي نحن متحدون به لنموت عن الخطية ونحيا للبر. إن التقديس يعني أن يتعمق خروجنا من العبودية، الأمر الذي صار ممكنًا بفضل اتحادنا بالمسيح القائم من الأموات. المسيح قام ليس فقط من أجل تبريرنا، بل من أجل تقديسنا أيضًا.
ثالثًا: عِيدُ البَاكُورَةِ
العيد الثالث والأخير في الشهر الأول لإسرائيل هو عيد الباكورة. لم يحتفلوا بهذا العيد أثناء وجودهم في مصر، لكن كان من المفترض أن يحتفلوا به عندما يدخلون أرض الموعد ويبدأون بزراعة الحقول. وكما يشير اسمه، فإن عيد الباكورة يمثل الشكر لله على باكورة حصاد –في هذه الحالة- الحبوب التي تُحصَد في الربيع في فلسطين القديمة. في هذا العيد، قدَّم الإسرائيليون الحزمة الأولى من الحصاد، ولم يُسمح لهم بأكل أي شيء من المحصول حتى يقدِّموا الجزء الأول منه للرب (لاويين ٢٣: 9-14). تطلَّب هذا قدرًا كبيرًا من الإيمان من جانب بني إسرائيل، إذ كانوا سيقدمون تقدمة الباكورة في وقت لم يكن فيه الكثير ليُحصَد. كان عليهم أن يثقوا في أن الله سيوفر بالفعل ملء الحبوب التي لم تظهر بعد، وهو أمر من وجهة النظر البشرية غير مؤكد على الإطلاق، نظرًا لاعتماد الناس الكامل على الكمية المناسبة من الأمطار وما إلى ذلك لإعطاء أفضل محصول. كان هذا تعبيرًا عن الشكر لله الذي أعطى الباكورة، والاعتراف والثقة بأنه هو الذي فعل هذا وهو الذي سيعطي الحصاد كله.
كان يجري الاحتفال بهذا العيد أثناء الاحتفال بعيد الفصح والفطير الذي يستمر لمدة أسبوع (لاويين 23: 4-8)، وتحديدًا في اليوم الأول بعد السبت الذي كان يأتي في منتصف الأسبوع. لذلك، كان على شعب إسرائيل أن يحتفل بعيد الفصح وفي اليوم التالي يبدأ أسبوع الفطير، وخلال هذا الأسبوع، يكون اليوم الذي يلي السبت (الأحد) هو عيد باكورة الثمار.
المَسِيحُ هُوَ البَاكُورَة
صُلب المسيح في عيد الفصح وكان يوم الجمعة، ثم بدأ عيد الفطير في اليوم التالي وهو السبت، وكان اليوم التالي هو عيد الباكورة وفي ذلك اليوم قام المسيح يوم الأحد. فهو باكورة الراقدين! استمع إلى ما يقوله بولس في ١كو ١٥: ٢٠: “وَلَكِنِ ٱلْآنَ قَدْ قَامَ ٱلْمَسِيحُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ ٱلرَّاقِدِينَ.” ولكن إذا كان المسيح هو الباكورة، فما هو الثمر الباقي أو من هم؟ في 1 كورنثوس 15 كان بولس يرد على الذين ينكرون القيامة الجسدية التي ستحدث للمؤمنين في اليوم الأخير. حجته الرئيسة هي أن المسيح قام قيامة جسدية. قيامته هي كالباكورة، وبما أنه قام، فإن جميع الذين فيه سيقومون يومًا ما من الموت كما قام المسيح.
لقد كان تقديم الباكورة بالنسبة لإسرائيل بمثابة فعل إيمان، إيمان بأن الإله الذي أعطى الباكورة سيعطي الحصاد المتبقي. وبنفس الطريقة، لأن المسيح قام، نؤمن أننا سنقوم معه بنفس الطريقة. سيكون لدينا نفس الجسد الذي كان ليسوع عندما قام من جديد. هذا هو رجاؤنا في المسيح. لأنه قام سنقوم نحن أيضًا. لأنه تمجد فإننا سنتمجد معه. هذا الجسد الفاني الضعيف ليس نهاية القصة بالنسبة للذين هم في المسيح. الحياة الآن ليست النهاية. يقول بولس: “إِنْ كَانَ لَنَا فِي هَذِهِ ٱلْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي ٱلْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ.” (١كو ١٥: ١٩) فنحن في رحلة نتطلع إلى وطننا الأبدي. وبينما يخاف الناس من الموت، فالمسيح “أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلْإِنْجِيلِ.” (٢ تي ١: ١٠) فلا تُصَاب بالإحباط عندما ترى ضعف هذا الجسد. المسيح قام وسنقوم معه. عندما يموت المؤمنون في الرب، نقول لبعضنا بعضًا: المسيح قام، أي أنهم سيقومون أيضًا! المسيح القائم من بين الأموات هو رجاء تمجيدنا. المسيح فينا هو رجاء المجد.
ختام
إن كنت في المسيح، فهو خروف فصحك. مغفورة لك خطاياك. أنت مُبَرَّرٌ. ونحن متأكدون من ذلك لأن المسيح قام.
إن كنت في المسيح مُبرَّرًا، فهذا يعني أنك أيضًا تتقدس وتحارب الخطيّة، وتزيل الخمير من حياتك، وأنت قادر على القيام بذلك لأن المسيح قام، وأنت في المسيح، والمسيح فيك.
إن كنت في المسيح، فهذا يعني أنه لا يوجد خوف من الموت. سيقُضى على هذا العدو الأخير في يوم من الأيام. وستقوم من جديد كما قام المسيح باكورة لنا. وستعيش معه إلى الأبد.
المسيح قام حقًا قام.