المرسلة الكورية مصرية أكثر من المصريين
الهدى 1238 ديسمبر 2021
احتفل المركز الروحي للتدريب والدراسات الموجود في الدور السادس بمبنى سنودس النيل الإنجيلي في مصر الكائن بالأزبكية، بمرور ثلاثين عامًا على إنشائه (1991-2021). وقد تأسس هذا المركز بالتعاون مع سنودس النيل الإنجيلي السيدة سارة كيم، التي جاءت هي وزوجها في أواخر السبعينيات لخدمة الكنيسة في مصر. وقد انتقل زوجها الذي كان استاذًا بكلية اللاهوت آن ذاك، إثر حادث أليم. إلا أن سارة رغم غياب زوجها من المشهد وعن حياتها، أعادت حساباتها الروحية وقبلت من الله أن تصمد كمرسلة في مصر. لم يكن وجودها في مصر حيث عاشت سنوات تجتهد وتحفر في الصخر ليكون لها دورًا إيجابيًا في خدمة الكنيسة المصرية، حتى ولدت فكرة الوجود الحقيقي من خلال إنشاء مركزًا روحيًا للتدريب والدراسات لقيادات الكنيسة من المرتسمين والعلمانيين.
كانت سارة كيم صاحبة رؤية ثاقبة وبعيدة الأمد. كان هناك شعاع خافت جدًا يلوح في الأوفق أمامها لاستمرار هذه الإرسالية في مصر. كانت أولى خطوات تحقيق رؤيتها هي أن تكون مصرية القلب والذهن ومُرْسَلَةٌ حقيقة. حاولت أن تتعلم اللغة رغم صعوبتها عليها، وتتجسس الأرض، آثرت في نفسها أن تشترك في خدمة الكنائس المحلية الفقيرة والبعيدة عن الأضواء.
كانت سارة كيم متسعة الأفق، فبنت شبكة علاقات من الخدام المتميزين والمختبرين وأصحاب الخبرة الروحية والتعليمية من المصريين، علمانيين وخدام مرتسمين كفريق عمل. هؤلاء هم من كانوا يقومون بالخدمة معها والتعامل مع الكنائس والقيادات، لتنفيذ رؤيتها وتطوير برامجها ووضع الأهداف التي تحققها.
كانت سياسة النفس الطويل هي الوسيلة الناجعة التي تغلبت فيها سارة كيم مع فريق العمل على معوقات كثيرة، بل السياسة الداعمة لرحلة خدمتها وتطوير برامجها وتكميل رسالتها. واجهت سارة كل التحديات في صمود وثقة في إله الكنيسة، بهدوء دون ضوضاء أو «بروبيجاندا» لا عن نفسها ولا حتى عن خدمة المركز.
تعددت برامج المركز ورسالته تحت هدف التلمذة والتدريب. ورغم عِظَم التحدي، لم يثن عزمها عن أن تكون خدمتها وانتمائها للكنيسة الإنجيلية المشيخية، وأن تكون مصرية الفكر والوجدان، أكثر من المصريين أنفسهم. كان الطابع الشرقي هو الغالب على توجه سارة كيم، فجعلت من المركز الروحي مكان ضيافةٍ لكل زائر، بل ومحطة استنشاق هواء نقي لكل متعب ومحتاج.
شَرُفت بأن أشارك في الاحتفالية الهادئة الرزينة الإعداد والتنفيذ. وما أسعدني أن الأباء الأفاضل من خدام الكنيسة الذين وضعوا أيديهم في أيدي سارة لتشجيعها، وقبولها كشريكة خدمة في سنودس النيل الإنجيلي. كان عدد الحضور ليس بقليل من القادة العلمانيين أصحاب الخدمة الطويلة والفعالة. شارك بالكلمات نسبة عالية جدًا من الحضور الكريم، الذين قدموا عبارات العرفان بالجميل لدور سارة ودور المركز في حياتهم وفي كنائسهم المحلية.
كان الاحتفال بسيط المظهر فاعل وعميق المحتوى والمضمون. فاللافت للنظر، أن الصديق العزيز القسيس جمال زكي، بحسه القيادي الهادئ، وبخبرته لقيادة المركز لمدة 27 عامًا، آثر في نفسه أن يعطي الكثيرين فرصة المشاركة والتعبير عن دور المركز في حياتهم ودور سارة كيم المتميز في التواصل والاستمرار لمثل هذه الخدمة الفعالة. ولم يقتصر الزميل العزيز جيمي على قيادات مصر، لكنه تواصل مع المهاجرين، فبعض أرسل رسالة تهنئة مسموعة ومرئية، وآخرون لم يستطيعوا.
قد تركت هذا الاحتفالية انطباعات في ذهن وفي وجداني أود أن أشارك بها:
أولاً، من له رؤية، يعيش يقظًا حالمًا مُجَدِدًا يستثمر في القليل ويطمح للأفضل ويبحث عن حلول ويصنع منافذ ليرى الواقع يبني لا يهدم، يعيش بروح إيجابي لا سلبي حتى يصل إلى تحقيق الرؤية.
ثانيًا، غياب زوج سارة كيم من المشهد لم يحوّل قلبها عن الهدف ولا عقلها عن التعلم والبحث وبناء جسور من العلاقات في الداخل والخارج، ولم يوقف إرادتها عن المثابرة لتكون هي المرسلة الكورية التي صنعت لها وجود حقيقي، وحضور فاعل حيث لم يسبقها أحد من المرسلين في مثل هذا الوجود والتواجد والحضور القوي على ساحة كنيسة عريقة وهي الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر. كما صنعت لها مكانة في قلوب الخدام وعلى نفس المستوى حفرت لنفسها تواجدًا كقائد وخادم بين الخدام الأفاضل في سنودس النيل الإنجيلي.
ثالثًا: هناك كثير من الخدام في كنيستنا من أقاموا ركنًا حيًا في بناء الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر، إلا أن الدرس الأعمق الذي نتعلمه من سارة كيم السيدة الكورية حققت رؤيتها بصمود الأبطال. فخدمت وأنشأت مكانًا، يشهد عنها كنموذجٍ فريدٍ لخادمةٍ عاشت في الظل، ومع ذلك كان صوت خدمتها أعلى من صياح أصوات كثيرة.
رابعًا: إن التجاوب مع الدعوة الإلهية بأمانة، يرسم ملامح الله في الخدمة، ويصور يديّ الله الحانيتين لمساندة الخادم صاحب الرؤيا وتعضيده، ويفتح طاقات البركة لتسديد احتياجات الخدمة والخادم، وفوق كل تلك الأمور تُعد فريقًا للعمل لتحقيق الرؤية وإتمام الأهداف. فهل لنا أن نتخذ من خبرة وخدمة سارة كيم مثلاً ونموذجًا حيًا، ستظل شهادة عن أمانة الله وحصاد أصحاب الدعوة والرؤية؟!