يسوع المسيح المصلوب
الهدى 1254-1255 مارس وأبريل 2024
«لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا.» (۱کورنثوس ٢:٢).
بقيَّ بولس الرسول في كورنثوس عامًا ونصف عام درس خلالهما أحوال هذه المدينة العظيمة. عرف مركزها الأدبي والديني وعزم ألاَّ يُنادي لهم إلا بيسوع المسيح المصلوب. ولما وصلته الأخبار عن الانقسامات في الكنيسة اندهش وتألم وبما له من العاطفة الوالديّة[1] والسلطة الرسوليّة كتب يقول لهم: “ماذا جرى لماذا هذه الانقسامات أني لم أناديكم إلا بالمصلوب[2]، “لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُرْسِلْنِي لأُعَمِّدَ بَلْ لأُبَشِّرَ” بالمسيح. ومع أنَّ بولس كتب في أسمى المواضيع كالقيامة العامة والمحبة الأخويّة والنعمة المخلصة إلا أنَّ بولس كان اختصاصيًا في موضوع الصليب نادى به في كل مكان، بشرّ به في عواصم البلاد، في السجون والأسواق، في البيوت، بين العائلات، في المجامع وسط الجماعات. شهد للمسيح يسوع مصلوبًا أمام الملوك والعظماء. أمام العلماء والجهلاء. هذا هو المعول الذي هدم به حصونًا. هذا هو النور الذي أضاء به عقولًا وفتح به عيونًا. ولقد كان أسهل شيء على الرسول أن يقول «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال 16: 31).
أولًا موضوع بولس الخاص. يسوع المسيح المصلوب. وباختياره هذا الموضوع اختار موضوعًا
(۲) جامعًا شاملًا
(۳) جاذبًا وجذابًا
ومجد هذا الموضوع يظهر في شخص المُنادى به. بيسوع المُخلّص. وهذا هو الاسم الذي تسمى به قَبل أن حُبل به من الروح القدس. قال إشعياء النبي «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» ومعناه الله معنا وبشر الملاك جبرائيل العذراء بقوله لها «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ”، وبشّرَ الملاك الرعاة بقوله لهم: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ”، هذا هو الاسم الشريف النبيل الحلو الذي تسمى به يسوع المسيح.
وتجلَّت عظمته في عمله الكفاري والفدائي والخلاصي فليس بأحد غيره الخلاص، وهو المُخلّص «القادر أن يخلص إلى التمام» لأنّه وإن مات بالصليب ولكنّه حيٌ في كل حين يشفع فيهم، هذا هو الذي جاء إلى المذود مختارًا طائعًا. فأتمّ مطاليب العمل الكفاري ودفع ثمنًا غاليًا. وهو يهبه مجانًا وبلا ثمنٍ، ماءً للعطاش وحياة للموتى وغفرانًا للتائبين وراحة للتعابى.
ويزداد رفعة وسموًا في صفاته القادرة الفريدة، فجمع بين المتناقضات. اتضع وهو العظيم، افتقر وهو الغني، وهو القدوس بلا شرٍ ولا دنسٍ، افتروا عليه وقالوا إنّه “ببعلزبول يخرج الشياطين”، وهو صاحب الطبيعتين والاقنوم الواحد، فهو الكلمة من البدء. وهو “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا”، والإنسان الجائع وهو مشبع الجياع، «لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ»، وهو أبرع جمالًا من كل بني البشر، قال رينان العلامة الفرنساوي يشهد لعظمة يسوع – استرح الآن في مجدك أيها المؤسس الشريف فقد انتهى عملك وتأيَّد لاهوتك وليس بينك وبين الله فرقًا، قال آخر كان المسيح هيكل الله لأنَّ فيه أعلن الله نفسه إعلانًا كاملًا. وشهد نابوليون في منفاه بأنَّ أعمال يسوع يعجز أي رجل عن القيام بمثلها واعترف بأنَّ أعماله تعتبر أمام أعمال المسيح كلعب الصغار.
هو موضوع جامع وشامل:- فهو عن يسوع المسيح الممسوح من الآب إذ قال وقت تكريسه «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»، وهو الممسوح من الروح القدس ليبشّر المساكين.. يسوع المسيح هو لقب الوحي. زبدة الإعلانات الإلهيّة. وخلاصة التعاليم السماويّة.
هو أغنيّة الملائكة. فجاءت الجوقة السماوية تنشد النشيد الحلو قائلة: «الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»، وهو أغنية المفديين في أمجاد السماء وهم ينشدون قائلين: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ”.
يسوع المسيح هو موضوع الأنبياء. تكلّموا عنه بالتلميح والاشارات. وأكثرهم أفصح في وصفه وميلاده وعمله وموته. هو موضوع شهادة الرسل. له شهدوا. وعلى اسمه استشهدوا. هو موضوع المرسليّات، هو مجد الكنيسة. فهو رأسها ورئيسها وهو مرشدها وقائدها. وهو ربها وراعيها. وهو الكل في الكل في الكنيسة.
موضوع جاذبٌ وجذَّاب:- «وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» وفي الصليب جاذبيّة أكبر من كل قوات الطبيعة مجموعة معًا. وقد نطق بالقول المشهور: “وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ» من هذا الذي على الصليب هو ربّ السماء والأرض. فلا يسكت عن الجذب حتى يصير الكل رعيّة واحدة لراعٍ واحد.
كل شيء في الصليب جاذب. إكليله الشوكي فخره ومجده. فقد حمل لعنة الخطية «كي نَصيِرُ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» من جنبه سال الدم والماء. الدم للشراء والفداء. والماء للغسل والتطهير. مساميره في يديه ورجليه هي أوسمة الشرف لأنها تنبئ عن علائم[3] المحبة وعن الآلام النيابيّة من أجلنا، صليبه مظهر لقوةِ الله وكلمته وقداسته وعدله.
ومَن يقدر أن يقيس لنا الصليب، طوله الأبديّة. عرضه العالم. علوه السماء. وعمقه الجحيم. من أبواب الجحيم يخطف نفوسًا فداها. من أقاصي الأرض يجمع كل مختاريه.
هذا هو الموضوع الذي رفعه بولس عاليًا. فهو الحيّة النحاسيّة لكلِ الملدوغين. وهو حمل الله الذي يرفع خطية العالمين. وهو خروف الفصح للمفديين. هو المرآة اللامعة التي تكشف لنا الحقائق والأشياء بكل وضوح. ففي الصليب نرى بؤس وشقاء الإنسان. وفيه نرى مجده وعزه.
في الصليب نرى الله في كل صفاته الكاملة. فالصليب أكبر مظهر لإعلان الله.
رسالة الصليب رسالة جاذبة لأنّها رسالة خلاص من الشقاء. وهي رسالة رجاء وعزاء. ونجاة وفداء. هي أقوى رسالة. أيها الواعظ! في الصليب تجد مادة الوعظ الموافقة لروح العصر الحاضر. فيه تجد طعامًا وغذاءً لنفوس المؤمنين.
ثانيًا: لماذا حصر بولس الرسول نفسه في هذا الموضوع. «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا.»
ألم يكن بولس رجلًا عصريًا؟ ألم يكن له إلمام بشرائع اليهود؟ ألم يدرس فلسفة اليونان؟ ألم يكن بولس حاذقًا ماهرًا قادرًا أن يُكيّف نفسه حسب حاجة العصر؟ كان بولس قوي الحجة والبرهان فيلسوفًا منطقيًا دارسًا مُلمًا بكل علوم عصره. اذًا لماذا حصر نفسه في دائرة هذا الموضوع؟ نعم حصر نفسه في هذه الدائرة الواسعة لأنّه كان رجل رؤي. رأى هذا الموضوع صاحب فهم عظمته. امتلكه يسوع امتلاكًا. ملك ليه وقلبه ففاض لسانه بالكرازة بيسوع المسيح المصلوب.
۱) حصر نفسه: في هذا الموضوع لأنّه اقتنع شخصيًا بعظمة الموضوع وتأكد أنه دعي خصيصًا للتبشير بيسوع المسيح المصلوب. قال عن نفسه “الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» قال الرب مشجعًا حنانيا. لا تخف اذهب إليه بكل شجاعة وإقدام «..لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ”، عرف نفسه وكيلًا لسرائر الله، وعرف أنّ الوكيل يجب أن يكون أمينًا. عرف نفسه سفيرًا في سفارة للرب فجال يدعو الناس إلى المصالحة مناديًا لهم تصالحوا مع الله و “لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ”.
عرف نفسه رسولًا برسالة السلام والفرح والمحبة والغفران فكرز وبشَّر وكتب وعلَّم بالمسيح يسوع المصلوب عن اقتناع بدعوة خاصة وعن اقتناع شخصي بعظمة هذا الموضوع.
2) رأى في الصليب أكبر مظهر لإعلان ذات الله. ولأنّه أراد أن يمجد الله ويعلمه للعالم نادى بموضوع الصليب. لو أراد بولس أن يُروِج تعليمًا بولسيًا لاستطاع أن يفعل ذلك لأنَّه اشتهر بفصاحة اللسان وبقوة الحجة والبرهان، لو أراد أن يُعظم بولس لقدر –استطاع- لأنَّه امتاز عن غيره في المواهب، في العلم، في الاقتدار، ولكنَّه اذ أراد بولس أن يعظم الله، صلب نفسه “صُلبت مع المسيح” أخفى نفسه تمامًا حتى لا يعطل أحد فخره في الصليب لأنه لم يفتخر إلَّا بالمسيح وإياه مصلوبًا.
رأى في الصليب قوة الله “لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ”، رأى فيه حكمة الله الأزليّة «بِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ”، رأى فيه محبة الله التي لا حد لها و “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ”، رأى في الصليب توفيقًا بين محبة الله وعدله. رأى توفيقًا بين العدل والرحمة – أننا في حاجة الى رجال رؤى. والعالم حولنا مملوء من رجال الاكتشافات الحديثة. لنُصلِ إلى الله ليُعلن لنا رؤى الصليب وأمجاد الصليب.
3) لأنّه اكتشف في الصليب حاجة البشر الحقيقية “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ”، فالكل في حاجة إلى كفارة، إلى صليب المسيح. طلب اليهود آية، لقدم لهم يسوع آية الآيات، ولو أراد اليونانيون حكمة لرأوا في المسيح يسوع مصدر كنوز الحكمة والعلم.
واليهود يمثلون الذين يعظمون الفرائض والتقاليد والعقائد. يعظمون المنظور فيكتفون بالقشور دون اللب واليونانيون يمثلون الذين يؤلهون العقل والمواهب فيزدرون بروح النعمة وينكرون الكفارة فيدوسون دم ابن الله.
أي موضوع يسد بدل الصليب؟ العلوم، كلا. فالعلم المجرد عن النعمة ينفخ ويقود إلى السقوط. كم عدد العلماء والفلاسفة الذين قادهم العلم إلى الكبرياء والافتخار والاعجاب بالذات فأنكروا كفارة المسيح، والعقلاء منهم ينادون بالمسيح يسوع كمثال فقط فيضعفون قيمة كفارته.
الفلسفة، تُصيّر الباحث فليسوفًا. والمنطق، يصيره منطقيًا. وأما التعليم عن الكفارة فيصير الخاطئ مؤمنًا، والضال المفقود موجودًا، والميت حيًّا، والفاجر النجس بارًا، قدوسًا. فلا علم ولا اختراع ولا اكتشاف يسد بدل التعليم عن الكفارة. فلنعظم الله معًا برفع الصليب أمام العالم.
4) إنَّ بولس رغب في موضوع يبكت الخطاة ويفتح بابًا للتائبين. متى قيل عن السامعين «ولما سمعوا نخسوا في قلوبهم؟ في يوم الخمسين. بعد أن سمعوا خطاب بطرس الرسول. وماذا في خطاب بطرس: إذا حللناه نجده عن يسوع. عن يسوع في المذود. يسوع في الحياة. يسوع في الصليب. يسوع في القيامة. يسوع في المجد. يسوع مسيحًا وربًا. هذا هو الموضوع الذي وعد الروح القدس أنْ يباركه، وأن ينفع به الخطاة. ومن يرى وجه ذاك النوراني ولا يُبكَّت على خطاياه. نعم في الجلجثة تسيل الدموع وتمسح. ينزعج القلب إذ يرى شناعة الخطية ونجاستها، ثم يرتاح لأنَّه يرى في المسيح بابًا للغفران والتطهير لأنَّ دمه يطهر من كل خطية.
في الصليب تلين القلوب وتذوب، إنَّ جبل سيناء المضطرم بالنار ينزعج ويرجف، ولكن الصليب يفرح قلوب التائبين والنادمين. جاء شاب يشكو مرض الأرق وبعد أن فحصه الطبيب فحصًا تامًا قال له: هذا المرض نتيجة حزن عميق. وبعد البحث أقرّ الشاب أنَّه قرأ نبذة موضوعها أين تصرف الأبديّة؟ فقاده الطبيب إلى فصل من نبوة إشعياء وإذ اقتنع الشاب بحقيقة المسيح رفض الكفر، وارتاح قلبه وسكن فؤاده، إذ وجد يسوع المسيح المصلوب مخلصًا له.
5) رأى في الصليب نصرة بل نصرات. ففي الصليب انتصر المسيح على إبليس وسحق رأسه وكتب للرومانيين يقول: «وَإِلَهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعاً»، نصرة فوق الموت، فقال: “أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟»، «وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ”؛ نصرة على الأنانيّة ومحبة الذات «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ.»؛ نصرة على العالم “وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ”؛ نصرة فوق الجسد «وَلَكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ».
نصح طبيب شابًا رأى على وجهه علائم[4] الذبول قائلًا: “إن لم تترك خطاياك فأنت هالك لا محالة، فخاف الشاب من الموت ففتح عرقًا من عروقه وكتب عهدًا من دمِ نفسه ألاّ يعود إلى الخطية. ولكن سرعان ما نكث العهد ومات يائسًا فاقد الرجاء، لأنَّه مضى وخنق نفسه.
أ أنت[5] مغلوب من عوائدك؟ انظر الى الصليب نظرة المقتنع بقوة الصليب. أ أنت في خوف واضطراب تعالَ إلى المصلوب وهو يبدِّل خوفك سلامًا، ويعطيك راحة إلى الأبد. أتريد نصرة على حيل ومكر إبليس انظر إلى الصليب ففيه تغلب وتنتصر.
6) رأى بولس في الصليب قوة لتنشيط المؤمنين وطريقًا لنموهم في القداسة، الذين قرأوا يوميات داود برينارد، رأوا في الفصل الأخير من كتابه سرّ عظمة ونجاح هذا الرجل. قال: “لا حاجة لي أن أقدم لهؤلاء الهنود إلاّ يسوع المسيح المصلوب. لم أكلمهم عن الآداب العاليّة، لم أعظهم عن القداسة. وكنت أراهم يلبسون ثياب القداسة ويرتفعون بمراحل فوق أقرانهم وإخوانهم.
رأى أحدهم في حلمٍ “يسوع المسيح” على الصليب وسمع صوتًا من الصليب يناديه هذا كله فعلته من أجلك وأنت ماذا فعلت من أجلي؟ فتغير الرجل والتهب حبًا وغيرة لمجد الله وحمده.
إذا فَتُرت الكنيسة عن محبتها الأولى، إذا تركت خطتها الأولى، فلا طريق لإرجاع الغيرة وإلهاب القلوب حبًا إلاّ بواسطة صليب ربنا يسوع المسيح.
إذا درسنا عن رجال العصور الماضيّة والحاضرة، الذين فتنوا المسكونة وزعزعوا أركان الجهل، وقلبوا وغيروا العالم، بل رفعوه إلى العلاء، فإننا بحق نعترف أنَّ أساس رفعتهم هو التصاقهم بالمسيح ومناداتهم بالمصلوب. من أين اكتسب مودي غيرته؟ وكيف نجح سبرجن، وهويت فيلد، وفني؟ إنَّهم نجحوا لأنَّهم حصروا أنفسهم وخدمتهم في المسيح يسوع المصلوب.
الحواشي
[1] المُراد: الأبويّة
[2] المُراد: أنادي لكم إلَّا بالمصلوب.
[3] المُراد: علامات.
[4] المُراد: علامات.
[5] الصواب: أأنت.