رأي الهدى

أولمبياد باريس 2024 وازدراء المسيح

الهدى 1256 – 1259                                                                                                       مايو – أغسطس 2024

انزعج العالم المسيحيّ بمختلف أطيافه أيما انزعاج، بسبب الاحتفاليّة الافتتاحيّة لأولمبياد باريس 2024م، إذ قدَّم القائمون على الحفل مشهدًا عدَّه المسيحيون تمثيلًا وتجسيدًا ساخرًا لحدثٍ مسيحيّ مهم، هو «العشاء الأخير» للمسيح، ذلك الحدث الذي صوَّره الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في جداريّة دير سانتا ماريا في ميلانو ما بين عام 1495- 1498م. وسبب الانزعاج العالمي، أنَّ الذين مثَّلوا ذلك المشهد مجموعة من المتحوّلين جنسيًّا، وهو ما عدَّه المسيحيون ازدراءً صريحًا بالأديان عامَّة وبالمسيح بصفة خاصّة.
وقد توالت بيانات الشّجب والتّنديد بالحدث من كلّ حدب وصوب، من الطّوائف المسيحيّة، واليهوديّة، والعالم الإسلاميّ، مما دعا لجنة الاحتفال إلى تقديم اعتذار عبر المتحدّثة الرّسميّة آن ديكامب، جاء فيه: «من الواضح أنّ نيتنا لم تكن إظهار عدم الاحترام لأي فصيل دينيَّ. وعلى العكس من ذلك، كان هدفنا هو إظهار التَّسامح والتَّواصل.» وأضافت قائلة خلال مؤتمر صحفي: «إذا شعر النَّاس بالإهانة، فإننا نعتذر.»
وبعيدًا عن الدّخول في مناقشات هل قصد مُقدِّمو الاحتفال الازدراء بالمسيح والمسيحيّة، أم أنَّهم قدَّموا تمثيلًا للوحة «مأدبة الآلهة»، التي رسمها الفنان ڤان بيلچرت ما بين 1635 – 1640م. يُصوّر فيها احتفال آلهة أوليمبوس بزواج ثيتيس وبيليوس، تلك اللّوحة الشّبيهة بلوحة دافنشي، وبعيدًا أيضًا عن الجدل الدّائر حول توجهات الفنان الإيطالي وما سببّته لوحاته من مشكلات وأزمات جدليّة، آخرها ما أُثير حول رواية «شفرة دافنشي»، وكذلك بعيدًا عن الخوض في دوافع وتفاصيل بيانات الشّجب والتّنديد والجهات التي وراءها، نرى أنَّ هذا الحدث لم يكن الأوّل ولن يكون الأخير، في رحلة الإيمان المسيحيّ، فقد تعرَّض المسيح للسُّخرية والازدراء أثناء حياته وخدمته، وحتى في لحظات محاكمته وموته، سخر منه الحكام اليهود عندما أمسكوا به وعصبوا عينيه وضربوه وهم يسخرون قائلين: «تنبّأ وقل لنا من ضربك!»؛ وسخر منه الجنود الرُّومان عندما ألبسوه ثوبًا أرجوانيًا وتاج شوكٍ، ثم علَّقوا لوحة على صليبه مكتوب عليها: «ملك اليهود»، كما سخر منه العامَّة قائلين «يا ناقض الهيكل وبانية في ثلاثة أيام، خلِّص نفسك إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب». وقد احتمل المسيح كل هذا الهُزء والازدراء وفاجأ محتقروه مُصليًا لأجلهم، ومناجيًا الآب السَّماوي قائلًا: «اغفر لهم يا أبتاه، فإنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون»، ولا تزال هذه دعوته لنا، «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ»؛ وهذا ما فعله المؤمنون الحقيقيون حول العالم، إذ صلّوا لأجل المسيئين للمسيح والمسيحيين، وهكذا سيستمرون في صلاتهم.

(المُحرِّر: نون زين)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى