العبادة في كنيسة مُصلّحة تصلح نفسها
الهدى 1260 – 1263 سبتمبر – ديسمبر 2024
بمناسبة مرور خمسين سنة على تخرجي في كلية اللاهوت الإنجيليّة، أردت أن أرصد شيئًا من التاريخ، وأن أطلق صيحة تلخص ما لاحظته من متغيرات في العبادة خلال خمسين سنة في كنيستنا، في الكلمات الآتية: «نريد أن نتحرك من عبادة التأثير إلى عبادة التغيير»، فالتأثير غالبًا وقتي وسطحي وعاطفي، بينما التغيير ممتد وعميق، لأنه يتعامل مع الفكر والإرادة والسلوك».
تنطلق دراستنا من مثلث متساوي الأضلاع: رأسه العقيدة، وقاعدته العبادة والنظام. وسيكون التركيز على العقيدة والعبادة، مع إشارات عابرة للنظام.
أولًا: العقيدة
العبادة والنظام ترجمةٌ للعقيدة. فاللاهوت المصلح ينتج تفسيرًا كتابيًا ونظامًا صحيحًا. كل الأسرة الإنجيليّة تؤمن بمبادئ الإصلاح الخمسة: 1) الكلمة وحدها؛ 2) يسوع وحده؛ الخلاص 3) بالنعمة وحدها؛ 4) الخلاص بالإيمان وحده؛ 5) لمجد الله وحده.
ولأننا نؤمن بكفاية كفارة المسيح على الصليب (عقيدة)، فإنَّ العشاء الرباني ليس ذبيحة دمويّة (عبادة)، ولا يوجد لدينا هيكل ولا مذبح ولا إكليروس لتقديمها (نظام). ولأننا نؤمن أنَّ الخلاص بالإيمان بالمسيح وحده (عقيدة)، فنحن نرفض أن تكون المعمودية هي الميلاد الثاني (عبادة)، وأنّ سرّ المعمودية ممنوح للكهنة (نظام). وهكذا لأننا نؤمن بكهنوت جميع المؤمنين (عقيدة)، لذا يشترك كل المؤمنين في تقديم الذبائح الروحيّة في العبادة (عبادة) ولا يوجد رأس ولا رئيس للكنيسة (نظام).
ومع اهتمامنا الواجب بمبادئ الاصلاح السابقة، فإننا في الغالب أهملنا أعمدة ودعائم الفكر المشيخي المصلح!
ويقوم اللاهوت المشيخي المصلح على خمسة أعمدة: 1) الفساد الكلي؛ 2) الاختيار غير المشروط؛ 3) الكفارة الفعالة؛ 4) النعمة التي لا تُقاوم؛ 5) الضمان الأبدي للمؤمنين.
فمثلًا، ومن منطلق عقيدة الفساد الكلي (وليس الفساد المطلق)، فإننا، كما رفض أغسطينوس (٤٣٠م)، ما نادى به بيلاجيوس[1] (٤١٨م)، بعدم إيمانه بالخطية الأصلية، وتركيزه على الإرادة البشرية، هكذا نرفضه نحن. ولأننا نؤمن بالنعمة وحدها فإننا لا يمكن أن نتفق مع أرمينيوس (١٦٠٩م)، الذي نادى بضرورة أن نتعاون مع الروح القدس في قبول الإيمان، أو ما يطلق عليه cooperative grace، وليس الاعتماد تمامًا وحصريًا على النعمة أي ما يسمى operative grace. فالإنسان بالسقوط نال قصاصه، فأصبح ميتًا روحيًا، عاجزًا عجزًا كليًا (وليس مطلقًا)، فلا يستطيع أن يفعل الصلاح كما يريده الله، بل ومدانٌ زمنيًا وتحت الدينونة أبديًا. وعليه، فإنك إن آمنت بعقيدة الفساد الكلي (أول الأعمدة الخمسة)، وبالضمان الكامل الأبدي للمؤمنين (آخر الأعمدة)، فلا بُدَّ أن تؤمن حتمًا بسلطة الله المطلق في الاختيار، وبكفارته الفعالة في المؤمنين، وبنعمته التي لا تُصد ولا تُرد. ولعلنا يمكن أن نُلخص أعمدة الفكر المشيخي المصلح فيما يطلق عليه: «اللاهوت العهدي»، أي «لاهوت العهد»[2].
نعم، عهد النعمة قائمٌ في الله ذاته منذ الأزل، يقول كاتب العبرانيين «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ بِلَا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللهَ ٱلْحَيَّ!» (9: 14). وبناء على عهد الفداء الأزلي، كان اختيار النعمة الأزلي في عهدٍ واحد، في المسيح، يُسجِّل الوحي «وَأَمَّا ٱلْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لَا يَقُولُ: «وَفِي ٱلْأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» ٱلَّذِي هُو ٱلْمَسِيحُ .. فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ ٱلْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ» (غَلَاطِيَّةَ 3: 16؛ 29).
هذه العقائد المشيخيّة المصلحة إذا أمنا بها كلها، لوجب أن نُترجمها في عبادتنا (في التعليم والوعظ والترنيم والصلوات وكسر الخبز والشركة (أعمال ٢: ٤٢-٤٧). ونترجم هذه العقائد في نظام كنيستنا أيضًا.
ثانيًا: العبادة
سوف نركز هنا على ملمح العبادة المطلوب، ولأننا نؤمن بعقيدة كهنوت جميع المؤمنين، مع تباين أدوار كلٍ بحسب النعمة المعطاة لكل عضوٍ، فيجب أن تُترجم هذه العقيدة في عبادة كل أعضاء جسد المسيح. وتمارس في نظام إدارتنا في الكنيسة المحلية والعامة.
كلنا كهنة لتقديم ذبائح روحيّة، «كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ -كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ- بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.» (1بُطْرُسَ 2: 5). وذبائحنا الروحيّة تُقبل فقط من خلال رئيس كهنتنا «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ .. وَلَكِنْ لَا تَنْسُوا فِعْلَ ٱلْخَيْرِ وَٱلتَّوْزِيعَ، لِأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ ٱللهُ» (عبرانيين 13: 15-16). ذبيحة أجسادنا الحية عبادة يقبلها الله «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ ٱللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللهِ، عِبَادَتَكُمُ ٱلْعَقْلِيَّةَ.» (رُومِيَةَ 12: 1). وهنا، مرة من مرتين في كل العهد الجديد، يستخدم فيها الرسول بولس كلمة «تقدموا»، بالاستخدام الطقسي كما في تقديم ذبائح العهد القديم.
إنَّ تقديم حياتنا وإرادتنا، مرة وإلى الأبد، على مذبح التكريس الكامل للرب، هو عبادة مقبولة لدى إلهنا. عبادة تتجاوز المكان والزمان، هذا ما كشف عنه المسيح في حديثه مع المرأة السامرية عندما قال: «يَا ٱمْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لَا فِي هَذَا ٱلْجَبَلِ، وَلَا فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ. وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ ٱلْآنَ، حِينَ ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلْآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ، لِأَنَّ ٱلْآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلَاءِ ٱلسَّاجِدِينَ لَهُ. ٱللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 21-23). والتاريخ يشهد على أنّه في أول ٣٠٠ سنة ميلادية، لم يكُّن في الكنيسة الأولى مكان مخصص للعبادة. فهل حلت الحجارة الجامدة بدل الحجارة الحية؟ وهل قدّسنا المكان على حساب قدسيّة العبادة؟
العبادة، ليست عبادة المحسوس والملموس … «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلْأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ، لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلْآبَاءِ فِي ٱلْأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ.» (خروج 20: 2-6). لنلاحظ أنَّ الوصية الثانية في اللوح الأول، وموضوعه العبادة. هنا نلتقي بثلاثة أفعال:
لا تصنع، لا تسجد، لا تعبد. وهي أفعال مترابطة متكاملة كاملة، في وصية واحدة! فإذا رسمنا، مثلًا، صورة للابن فماذا عن صورة الآب والروح القدس؟ ألا يكون تركيزنا على أقنومٍ واحد فقط بمثابة خلل في فكرنا اللاهوتي!؟؛ وماذا سيكون الحال لو أننا استبدلنا الصور في بعض الكنائس بتماثيل لنفس هذه الصور! هل سيستقيم هذا مع كلمة الله؟
تاريخيًا، وعلى سبيل المثال، ففي سنة ٧٢٦م. حطَّم الامبراطور ليون الثالث ومعه مجموعة من الأساقفة أيقونة المسيح التي كانت فوق باب قصره في القسطنطينية، ولا يمكن هنا أن نتكلم عن الكم الكبير في تاريخ الكنيسة، قبل وبعد الاصلاح، بخصوص ذخائر القديسين والصور والأيقونات، فقط نشير هنا إلى حرب الأيقونات الاولى بين عامي ٧٢٦ و٧٨٧م. ومعارك تحطيم الأيقونات الثانية ٨١٤ و٨٤٢م. وعليه فلا يمكن أن يترك الأمر ببساطة للقرارات الفردية أو لمجرد تقليد الآخرين!
هنا يجب أن نذكر بكل حذرٍ أنّه بعد «الإعلان العام» عن لاهوت الله في رومية ١: ١٩، يُسجل الوحي أنَّ خطيّة الأمم تكمن في أنّهم: «لَمَّا عَرَفُوا ٱللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَو يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ. .. وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللهِ ٱلَّذِي لَا يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلزَّحَّافَاتِ. .. ٱلَّذِينَ ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللهِ بِٱلْكَذِبِ، وَٱتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ، ٱلَّذِي هُومُبَارَكٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ. آمِينَ.» (رومية 1: 21، 23، 25).
فماذا عنّا بعد «الإعلان الخاص» في الكلمة، والإعلان الكامل في شخص المسيح؟ إنّها دعوة لعودة العبادة في يوم الرب، «اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لَا تَصْنَعْ عَمَلًا مَّا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. لِأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ.» (خروج 20: 8-11). يوم قيامة الرب، ظهوره للتلاميذ، ارساله للروح القدس، يوم اجتماع الكنيسة الأولى، يوم كسر الخبز، يوم الراحة التي أدخلنا الابن المبارك إليها. هل من عودة للتعليم عن قدسية يوم الرب؟ هل من جدية لممارسة الفريضتين في يوم الرب؟ ما الإمكانية عمليًا لوجود الأسرة كلها في يوم الرب؟
لتكن العبادة لله بحسب ترتيب الله، إنها عبادة أساسها عهد الفداء الأزلي (٢تيموثاوس ١: ٩)، وكما رأيناها في جنة عدن بعد السقوط، وفي ذبيحة هابيل، وبعد الطوفان إذ «بَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ ٱلْبَهَائِمِ ٱلطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ ٱلطُّيُورِ ٱلطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ»، والأمثلة كثيرة في حياة عصر الآباء: أيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب. إننا نُدرك ونلاحظ حرص الله على ذكر تفاصيل العبادة في صناعة خيمة الاجتماع والهيكل. وما يقدم من الذبائح. وتحديد أيام وكيفية الاحتفال بالأعياد.
لقد تعامل الله بحسم مع كل من تعدى على رسم عبادته، فمنذ أن رفض الرب الإله تقدمة قايين، لا يزال يفعل ذات الأمر. التفت إلى قرار الرب بعد عبادة الشعب للعجل الذهبي، «فَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَمُرُّوا وَٱرْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ، وَٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ». فَفَعَلَ بَنُو لَاوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ ٱلشَّعْبِ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْو ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ.» (خروج 32: 27-28).
لنلتفت إلى ما حدث مع ناداب وأبيهو، وَأَخَذَ ٱبْنَا هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلَا فِيهِمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَقَرَّبَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ. فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «هَذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ قَائِلًا: فِي ٱلْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ». فَصَمَتَ هَارُونُ.» (لاويين 10: 1-3).
وفي نقل تابوت الربّ، قال الربّ لا لرفاهيّة العبادة الملوكيّة، «وَأَرْكَبُوا تَابُوتَ ٱللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ، وَكَانَ عُزَّا وَأَخِيُو يَسُوقَانِ ٱلْعَجَلَةَ، فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى عُزَّا وَضَرَبَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إِلَى ٱلتَّابُوتِ، فَمَاتِ هُنَاكَ أَمَامَ ٱللهِ.» (1أخبار 13: 7، 10). نعم، فكل تراب الأرض ما كان ليدنس التابوت، لكنَّ العصيان هو ما يمكن أن يُدنسه! لكنَّ الربّ قادر أن يتمجد حتى لو كان التابوت في بيت داجون (١صموئيل ٥: ٣-٥).
العبادة ليست اخلاصَنا القلبي في تقديم ذبائحنا للرب، فالربّ رفض شاول عندما قدَّم ذبائح لله دون طاعة الله، قائلًا له بفم صموئيل النبي: «هَلْ مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ كَمَا بِٱسْتِمَاعِ صَوْتِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا ٱلِٱسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ، وَٱلْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ ٱلْكِبَاشِ. لِأَنَّ ٱلتَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ ٱلْعِرَافَةِ، وَٱلْعِنَادُ كَٱلْوَثَنِ وَٱلتَّرَافِيمِ. لِأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلَامَ ٱلرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ ٱلْمُلْكِ» (1صموئيل 15: 21-23).
الربّ يضربُ عُزِّيَّا ٱلْمَلِكَ بالبرص، وَلَمَّا تَشَدَّدَ ٱرْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى ٱلْهَلَاكِ وَخَانَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُ، وَدَخَلَ هَيْكَلَ ٱلرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ ٱلْبَخُورِ. وَدَخَلَ وَرَاءَهُ عَزَرْيَا ٱلْكَاهِنُ وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ كَهَنَةِ ٱلرَّبِّ بَنِي ٱلْبَأْسِ. وَقَاوَمُوا عُزِّيَّا ٱلْمَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَ لَكَ يَا عُزِّيَّا أَنْ تُوقِدَ لِلرَّبِّ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ ٱلْمُقَدَّسِينَ لِلْإِيقَادِ. اُخْرُجْ مِنَ ٱلْمَقْدِسِ لِأَنَّكَ خُنْتَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ كَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ». فَحَنِقَ عُزِّيَّا. وَكَانَ فِي يَدِهِ مِجْمَرَةٌ لِلْإِيقَادِ. وَعِنْدَ حَنَقِهِ عَلَى ٱلْكَهَنَةِ خَرَجَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ ٱلْكَهَنَةِ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ بِجَانِبِ مَذْبَحِ ٱلْبَخُورِ. وَكَانَ عُزِّيَّا ٱلْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِ ٱلْمَرَضِ أَبْرَصَ لِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ،» (2أخبار 26: 16-21). هذا لأنَّ الحماس القلبي لا يُبرر فوضى العبادة أبدًا. فلا مكان للابتداع في عبادةٍ حدَّد الربّ ما يطلبه منا فيها.
وللتحديد سأتناول ركنين فقط في العبادة، أرى خطورة ما وصلنا إليه فيهما، وهما الترنيم والوعظ.
الترنيم
هل سألنا أنفسنا: لماذا لا يوجد في العهد الجديد سفرٌ يوازي سفر المزامير؟، الإجابة ببساطة، لأنّ سفر المزامير هو سفر تسبيح الكنيسة. لذلك يقول الرسول بولس «مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ.» (أفسس 5: 19). فهناك مزامير تحمل عنوان: مزمور، وأخرى تسبحة أو أغنية. وقد كانت ترانيم الكنيسة الأولى في العهد الجديد إعلان إيمان الكنيسة كما جاءت في الكلمة المعصومة.
يُردد البعض القول: «وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ!؟»، دون فهمٍ حقيقي لمعنى الحريّة في الترنيم والعبادة، وللشرح نقول: هذه كلمات لا تنطبق على العبادة بعمومها، لكنّها تختص بحرية فهم إعلان الله عن ذاته في الكلمة المقدسة. لذلك يقول الرسول بولس «بَلْ أُغْلِظَتْ أَذْهَانُهُمْ، لِأَنَّهُ حَتَّى ٱلْيَوْمِ ذَلِكَ ٱلْبُرْقُعُ نَفْسُهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ ٱلْعَهْدِ ٱلْعَتِيقِ بَاقٍ غَيْرُ مُنْكَشِفٍ، ٱلَّذِي يُبْطَلُ فِي ٱلْمَسِيحِ. لَكِنْ حَتَّى ٱلْيَوْمِ، حِينَ يُقْرَأُ مُوسَى، ٱلْبُرْقُعُ مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَرْجِعُ إِلَى ٱلرَّبِّ يُرْفَعُ ٱلْبُرْقُعُ. وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَهُو ٱلرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ.» (2كورنثوس 3: 14-17).
ولأنّ الروح القدس رفع البرقع من على قلوبنا وأذهاننا، انكشف حق الإنجيل لنا، واستنارت عيون أذهاننا. هذه هي الحرية المقصودة هنا. حرية رؤية المسيح في إعلان العهد العتيق. لذلك يقول: «وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَهُو ٱلرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ. وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ ٱلصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ ٱلرَّبِّ ٱلرُّوحِ.» (2كورنثوس 3: 17، 18).
نعم، «لِأَنَّ ٱللهَ ٱلَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُو ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2كورنثوس 4: 6). إنّ روح الربّ يُنير فتستنير أذهاننا، فنرى الربّ يسوع في كلمته بوجهٍ مكشوف. هذه هي القرينة، فحيث روح الرب هناك حرية، وليس المعنى مطلقًا أن يعمل كل واحد ما يحسن في عينيه!
كما يُردد أخرون القول: لقد رقص داود أمام تابوت الربّ؛ نعم، لكن أين رقص داود؟ لقد رقص في الشارع قبل أن يُدخِل التابوت إلى خيمة الاجتماع! والسؤال: أين نحن الأن؟ هل نحن في الشارع؟ كلا! لقد دخل بنا المسيح إلى قدس الأقداس. وما أقدَّم عليه داود في الشارع، ما كان يجرؤ أن يفعله أي رئيس كهنة في قدس الأقداس مطلقًا. لذلك ختم بولس دراسته عن العبادة بالقول: «وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ.» (1كورنثوس 14: 40).
التصفيق
صحيح يقول المرنم: «يَا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ صَفِّقُوا بِٱلْأَيَادِي. ٱهْتِفُوا لِلهِ بِصَوْتِ ٱلِٱبْتِهَاجِ.» (مزمور 47: 1). لكن من هم الأمم؟ هل هم شعبه الذي يعرف كيف يعبده؟ كلا! لذلك يقول في ذات المزمور: «يُخْضِعُ ٱلشُّعُوبَ تَحْتَنَا، وَٱلْأُمَمَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا.» (مزمور 47: 3)
فالأمم، كالأنهار وكشجر الحقل، تصفق بالأيادي، (مزمور 98: 8؛ إشعياء 55: 12)، لأنَّها لا تعرف كيف تتعبد بالروح والحق؛ عندما يدخل رئيس بلادي سأصفق له تقديرًا واحترامًا؛ لكن، عندما يدخل يسوع المسيح سأسجد وأركع له إجلالًا وتعبدًا. فهل ساوينا بين رؤساء العالم وملك الملوك وربّ الأرباب!!
أنا لا أريد أن أزيدكم بالحديث عن نوع الموسيقى، والإيقاع، ونوعية الآلات، الكلمات، والتعليم الوارد في الترنيم. إنني أخشى أن يكون الباعث وراء كثير مما يسمى ترانيم، هو دغدغة مشاعر الناس، أو ما يُطلق عليه «التعزية» (عمل دماغ). ناهيك عما ظهر مؤرخًا من: الفاتحة أو الموال قبل الترنيمة والتصفيق بعد الكوبليه الافتتاحي (لمن التصفيق هنا؟!) عجبي! وهذا يحدث على منابر بعض كنائسنا. في ظل عبادة شعبويّة، لما يطلُبه الحاضرون! وهكذا أصبح الناس والجمهور هم مقياس التعزية، وأخشى أن يكون ذلك على حساب تمجيد الربّ وحده. فنكون ضحينا بالهدف على مذبح الوسيلة!
ومن الواضح أنَّ بعضًا من المرنمين استفادوا من العوامل التقنية المساعدة وغيرها، ولهم الحق. وفي غياب التعليم أصبحوا هم عنصر الجذب الجماهيري. وفي بعض، إن لم يكن في كثير من كنائسنا، أصبحت كلمة الوعظ مجرد فقرة تالية ضمن البرنامج! (هل تتذكرون زمان، كان البعض يُفوتُ فرصة الترنيم ليحضر العظة! لماذا؟)
الوعظ
من الذي يعظ؟ رعاة ومعلمين، «وَهُو أَعْطَى ٱلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَٱلْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَٱلْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَٱلْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لِأَجْلِ تَكْمِيلِ ٱلْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 4: 11-12). لاحظ أنّ الكتاب يعطي مسؤولية مزدوجة لخدمة أو وظيفة واحدة «وَٱلْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ». فالراعي يجب أن يكون مُعلمًا، ولا يشترط أن يكون المعلم راعيًا. فالراعي يفهم قطيعه، ويعرف حالتهم، ويدرك حاجتهم. لذا فوعظ الراعي «لِأَجْلِ تَكْمِيلِ ٱلْقِدِّيسِينَ» أي لتأهيل القديسين «لِعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ».
ووعظ الراعي ليس باختيار الشعار الجيد، ولا السلسلة الشيقة، ولا بدعوة المتكلمين المحبوبين للشعب. بل إن هدف الوعظ الرعوي أن ينقل شعب الرب، من حيث هم الآن، نحو تأهيل القديسين.
لقد أصبح الراعي في كثير من الكنائس أحد المتكلمين في الجدول. وعمت في منابرنا ظاهرة بانوراما الوعظ Panoramic preaching. فكيف يمكن أن ينضج أبناؤنا، وغذاؤهم الدائم من السوق، لا من البيت؟ فهل انشغل رعاتنا بالإداريات والمجالس واللجان والمؤتمرات والخدمات الوعظية في الكنائس المختلفة؟ وهل تشتت اهتمامنا كرعاة، لأننا لم نسمح، بالقدر الكافي، للمؤمنين من شعب الرب أن يحملوا عنا المشغوليات، التي حرمتنا من خدمة الكلمة، التي دعانا الربّ أساسًا لخدمتها. نعم، «لَا يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ ٱللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ».
والسؤال الخطير هنا: هل المنبر المشيخي مستباح على كل لون ومذهب وعقيدة؟ هل وعظنا بلا هوية ولا فكر!؟ هل توجد أيّة ضوابط لنا، ولمنهم الذين يعظون على منابرنا، وماذا يعظون؟ هل توجد أية آلية عملية وفعلية لمحاسبة، او مراجعة، من يسيئون استخدام المنبر؟
هل نحتاج ليتورجية للعبادة؟
هل يمكن أن نضع رزنامة للعبادة worship calendar؟ رزنامة نسترشد بها، وتوحد منابرنا وكنائسنا نحو الهدف، لأجل جهالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع. (لنتذكَّر، كيف كانت نشرة مدارس الأحد هي الدراسة التي تُدَرَّس في مساء الأحد في كل كنائس السنودس، في فصول بحسب الأعمار، وتنتهي بتلخيصٍ من الراعي).
أين مكان ومكانة الوعظ التفسيري؟ هل اختفى اجتماع درس الكتاب والعقيدة، أو أوشك؟ هل لاتزال دعوة المسيح لصناعة التلاميذ قائمة؟ أم حلّت الأنشطة والبرامج والحكايات والاختبارات الشخصيّة بدل الوعظ المنهجي بالكلمة؟
إنَّ العبادة الكتابيّة محورها الله وحده، ولمجد الله وحده، لذلك يقول: «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.» (خروج 20: 2-3). فياله من امتياز أن يكون الربّ هو إلهُنا! فآلهة المصريين الذين عاش شعب إسرائيل بينهم كانت كثيرة. وكل إله منها كان لسداد احتاج معين، أو اتقاءً لخطر قادم، ولهذا كان يُعبَد. لكنَّ الربّ إلهك يفي بكل الاحتياجات، لذلك كانت الوصية «لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي».
لقد اختبرتني يا شعبي! فأنا إلهك، الذي أخرجك من أرض مصر. وعليه، لا تصنع ولا تسجد ولا تعبد آلهة أخرى أمامي، فأنا كل كفايتك وأكثر، أنا كفيلٌ بك، ومعي لا ولن يعوزك شيء من الخير. ومن هنا وجب ان يكون الله هو المركز، وعندما نبتعد عن المحور تنحرف كل عجلة العبادة عن مسارها وهدفها! إنَّه «فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ ٱسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هَذَا ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا،» (أفسس 1: 21).
إننا نصلي: «كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ»، وفي سفر الرؤيا نلتقي بالنموذج السماوي لعبادة السماء؛ عبادة في نظام وقدسيّة وسجود وإكرام وإجلال وتمجيد! وكم يليق بنا أن نصلي وأن نحتذي بعبادة السماء لتكون على الأرض! عبادةٌ لمن يستحق أن نقدم عبادتنا له. عبادة لمجدِ الله وحده.
وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ ٱلْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ ٱلْأَرْضِ. فَأَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ مِنْ يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ. وَلَمَّا أَخَذَ ٱلسِّفْرَ خَرَّتِ ٱلْأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وَٱلْأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ ٱلْخَروفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ. وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لِأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لِإِلَهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلْأَرْضِ». وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوٱلْخَروُفُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُوَّةَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ!». وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلْأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلْأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ». وَكَانَتِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلْأَرْبَعَةُ تَقُولُ: «آمِينَ». وَٱلشُّيُوخُ ٱلْأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ.» (رؤيا 5: 6-14).
الحواشي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تمت إدانة بيلاجيوس في الشرق والغرب في مجمع أفسس ٤٣١م.
[2] لاهوت العهد covenant theology يتعارض مع الفكر التدبيري (Dispensationalism)، ولا يتفق لاهوت العهد مع لاهوت الاستبدال (Replacement theology). هذا لأنَّ كل معاملات الله (بما فيها عهد الأعمال، والناموس والعهد الجديد بالطبع) هي ضمن عهد واحد لم يُغيره الله، هو عهد الفداء الأزلي الأبدي، من الله تعالى اسمه، الذي تنازل به من ذاته، وارتضاه بمحض سيادته واختياره في تعامله مع الخلق والخليقة.