جون كلفن في نزول المسيح إلى الهاوية
الهدى 1254-1255 مارس وأبريل 2024
قبل حقبة الإصلاح الإنجيلي، كان الرأي السائد في الكنيسة أن نزول المسيح إلى الهاوية، يعني نزوله إلى مكان وموقع معيّن. اعتقد مفسّرو الكنيسة، أنّ تعبير، “نزول المسيح إلى الهاوية”، يشير إلى المدة التي صرفها المسيح، ما بين موته على الصليب يوم الجمعة العظيمة، وفجر قيامته يوم الأحد. يقول أصحاب هذا التفسير، إنه في تلك الفترة نزل المسيح إلى الهاوية، وصرف وقتًا مع أرواح الأموات، وكرز لهم بخلاصه. تجدر الإشارة إلى أن جميع المصلحين الإنجيليين منذ زمن الاصلاح أجمعوا، أنّ الهاوية ليست “المطهر” الذي اعتقدت في وجوده الكنيسة الكاثوليكيّة، فالمصلحون، لم، ولا يعتقدوا بوجود المطهر.
لم يعتقد المصلح، جون كلفن أنّ نزول المسيح إلى الهاوية، يعني نزوله إلى مكانٍ ما. آمن كلفن، أنّ نزول المسيح إلى الهاوية، يعني من جهة، التأكيد على حقيقة موت المسيح في الجسد ووضعه في القبر. ومن جهة أخرى، إنّ هذا النزول، هو صورة مجازية لشدّة الآلام التي تحمّلها المسيح على الصليب. ليس فقط آلامًا جسدية وإنما أيضًا آلامًا نفسية، لأنه شعر بدينونة الله العظيمة التي يعدّها الله للخطاطة، والتي تحمّلها المسيح بموته على الصليب بديلاً عنّا. فهم جان كلفن موضوع “نزول المسيح إلى الهاوية”، في سياق الفداء الذي حقّقه الرب يسوع المسيح للإنسان بموته على الصليب. لم يعتقد أن الهاوية هي موقع جغرافي ما، كما يسود الرأي في الكنيسة. اعتقد أن هذا النزول، ليس فقط مجرّد موته ووضعه في القبر. لكنه فسّر “النزول الى الهاوية”، بالآلام الجسدية والنفسية المبرحة التي عاناها، عندما كان معلقًا على الصليب. لقد رأى الناس الذين شاهدوا المسيح المصلوب بأمّهات عيونهم آلامه الجسدية، لكن ما لم يروه هي آلامه النفسية الكبيرة جدًا، التي عانى منها عندما كان معلقًا على الصليب. فأوجاعه النفسية، ربما ضاهت أوجاعه الجسدية، لكنها لم تستطع النيل منه إلى الأبد. على الصليب، اختبر المسيح اختبار الهاوية الأليم. مرّت نفسه في مرحلة شديدة من العذاب، كما تتعذّب النفس المدانة في الهاوية. قال كلفن: “تحمّل يسوع كلّ قوّة غضب الله. لكن الله لم يكن غاضبًا منه”. تجسدت آلام المسيح النفسية في شعوره بانفصال الله عنه، تجسدت آلام المسيح النفسية بشعوره أن الله تركه وهجره. عبّر عن مشاعر الألم النفسي الكبير، بصرخته الشهيرة على الصليب، “إلهي إلهي لماذا تركتني؟”(متى27: 46). قال كلفن: “ليس هناك هوّة أعمق من أن يشعر الإنسان أنه متروك، ومفصول عن الله. وعندما تدعوه وتصلّي إليه لا يسمع. يبدو وكأنّ المسيح، قد خسر على الصليب، كلّ شيء كان له مع الآب. خسر كل ما يربطه به”. وقال أيضًا: “بدا على الصليب، وكأن الله لم يحبّ ابنه يسوع أو يقدّره. لقد خسر يسوع مؤقتًا محبة أبيه له. لكن طبعًا عاد وأكمل الله محبّته له.”
كان كلفن مدركًا، أنّ كثيرين لا يريدون أن يسمعوا أنّ المسيح خسر على الصليب محبّة أبيه ولو مؤقتّا. فالبعض يريدون أن يدّعوا أن المسيح لم يشعر فعليًا أنه هُجِرَ أو تُرِكَ. اقتبس كلفن، وصف كاتب الرسالة إلى العبرانيين لشدّة آلام المسيح، إذ قال: “الذي في أيام جسده، إذ قدّم بصراخ شديد، ودموع، طلبات وتضرّعات، للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه” (عبرانيين5: 7). قال كلفن: “لقد خاف المسيح من الموت على الصليب. لكنّه لم يخف من لعنة وغضب الله، لأنه كان يعلم أنه محميّ من تلك الأمور… ارتعب يسوع من ذلك العذاب الروحي، ومن تلك الدينونة. شعر أنه لم يعد آمنًا، بل بالعكس، شعر أنه كان ملعونًا”. شدّد كلفن، على ذكر كل هذه الآلام النفسية، ليقول لنا: “لو لم يختبر يسوع رعب الدينونة والشعور بعدم الأمان والخوف واللعنة، فإنه لن يكون قد تحمّل فعليًا القصاص الكبير والدينونة الكبيرة التي نستحقّها بسبب خطايانا وشرورنا. فحتى يكون يسوع، قد مات حقيقة بديلاً عنّا، كان يجب عليه أن يدفع كلفة باهظة من أجلنا”. قال كلفن: “تصارع يسوع على الصليب، يدًا بيد مع قوّة إبليس. تصارع مع الموت. تصارع مع آلام الهاوية. ولكنّه انتصر عليها جميعًا.”
يرى مفسّرون، أنّ تفسيرات كلفن هذه لنزول المسيح إلى الجحيم، مهمّة جدًا، لأننا إذا ما قلنا أنّ يسوع لم يختبر هذه الآلام التي شعر بها على الصليب، فإنّ هذا الأمر يقلّل من قوّة الصليب. قال كلفن: “عندما اقتبس المسيح على الصليب، كلمات المرنّم “إلهي إلهي لماذا تركتني”؟ (رقم 22: 1)، فإنه لم يكن فقط يدعو الله باسمه، لكن يجب أن ندرك أن هذا المزمور ينتهي بالانتصار. فالمسيح تمسّك بقوّة بعهد محبّة الله الكاملة له، بالرغم من شعوره على الصليب بترك الله الكامل له، كما يشعر الإنسان المتروك والمدان في الهاوية. فمع أن آلام المسيح الجسدية والنفسية قد تجاوزت كل حدود، إلاّ إن المسيح لم يتوقّف عن مخاطبة الله، بلقب إلهه، بقوله له: ” إلهي إلهي لماذا تركتني؟” (مزمور رقم 22: 1). توقّع كلفن، أنّ تكون ردّة فعل الناس قويّة على تفسيره لنزول المسيح إلى الهاوية، على أنها إشارة مجازية لشدّة عذابات المسيح على الصليب. أدرك أنّ لغته القوية ستثير حفيظة البعض، وستجعلهم يشعرون بالتوتّر. لكنّه قال: “إن ما أذكره هو تعليم كتابي”.
وإذ إن تفسير المصلح جون كلفن، لنزول المسيح إلى الهاوية، لم يكن تقليديًا. فقد قبله بعض اللاهوتيين الإنجيليين، بينما رفضه آخرون.
في النصف الثاني، من زمن الإصلاح الإنجيلي، تحدّث اللاهوتي الكلفيني، وليم بيركينس (1558-1602)، عن وجود أربعة مفاهيم لعبارة “نزل إلى الهاوية”، هي: الأول، النزول إلى مكان أو موقع. الثاني، النزول كمصطلح مساوٍ للدفن. الثالث، النزول كاستعارة لوصف آلام المسيح. الرابع، النزول كإشارة إلى تحمّل المسيح لعنة الموت على الصليب.
بعد أن كان المصلح مارتن لوثر -الذي سبق كلفن إلى الاصلاح وأطلق شرارة الإصلاح- يتبنى في المرحلة الأولى، التفسير الكاثوليكي لمعنى النزول الى الهاوية، فإنه عاد وغيّر فكره وتفسيره، ففسر النزول الى الهاوية، بقوله: “أن الرب يسوع المسيح، في شخصه الإلهي والإنساني، أي في نفسه وجسده، المتحدين وغير المنفصلين، زار الهاوية، وأزالها، وربط إبليس. لكن هذا النزول، لم يحدث في الجسد لأن جسده، بقي في القبر ثلاثة أيام، إلى حين وقت القيامة، في فجر يوم الأحد”. إن موقف لوثر قد تبنّاه بعده، اللوثريون، الذين رفضوا تفسير كلفن، أن النزول الى الهاوية، حصل عندما اختبر المصلوب، الآلام الجسدية والنفسية الكبيرة، التي اعتبرها كلفن، اختبار للهاوية. إن تفسير لوثر، قد ضُمّن في كتاب الكونكورد، حول التعليم اللوثري. يذكر النص: “لأنه يكفي لنا أن نعرف، أن المسيح نزل إلى الهاوية، ودمّرها من أجل كل المؤمنين والمؤمنات، كيما ينقذنا من: قوّة إبليس، والموت، والهلاك الأبدي، وفك جهنم.” كما عدَّ اللوثريون نزول المسيح إلى الهاوية، هو المرحلة الأولى من مرحلة التمجيد والانتصار التي افتتحها. وقد وضعوا هذا الحدث زمنيًا، بين لحظة عودة الحياة إلى المسيح في القبر، والقيامة. بينما لاهوتيون مصلحون، وخلافًا للترتيب اللوثري، فقد فسّروا نزول المسيح إلى الهاوية، على أنها المرحلة الأخيرة، من الخزي والعار، التي تعرّض لها المسيح على صليب العار.
من اللاهوتيين الإنجيليين، الذين قبلوا تفسير كلفن، للنزول إلى الهاوية، أولئك الذين صاغوا، اعتراف إيمان هايدلبرغ الإنجيلي المصلح في العام 1563. لقد أدخلوا تفسير كلفن في اعتراف إيمانهم، وتحديدًا في السؤال والجواب رقم 44. عندما يسأل: “لماذا وُضعت عبارة، “ونزل إلى الهاوية؟”. فان الجواب، يذكر: “حتى أنه في أصعب التجارب التي أتعرّض لها، أكون متيقّنًا أن إلهي بتحمّله شدّة مرارة الآلام والرعب التي تحمّلها في نفسه على الصليب، قبل فدائي، فإنه خلّصني من آلام وعذابات الهاوية. أما في اعتراف إيمان وستمينستر، الذي هو أيضا، اعتراف إيمان إنجيلي مصلح، الذي اقرّ في العام 1646، فان الهيئة العامة المنعقدة، لم ترتح كثيرًا لتفسير كلفن، لهذا، لم تتبناه. فعند تفسير، “نزل الى الهاوية”، صاغت الهيئة العامة، تصريحات في صيغة “اللا”، لتوضيح مفهومها للعبارة، فقرّرت ما يلي:
- لا يمكن إعطاء التفسير الحقيقي لعبارة، “نزل إلى الهاوية”، لأنه ليس هناك مراجع كتابية واضحة حول الموضوع.
- ليس المقصود بعقيدة “النزول إلى الهاوية”، نزول إلى موقع أو مكانٍ ما.
- لا تقصد هذه العقيدة أن تتحدّث عن آلام المسيح النفسية على الإطلاق.
وفي نهاية المطاف، عبرت الهيئة العامة لوستمنيستر، عن تفسيرها لعبارة، “نزل إلى الهاوية”، في الجواب رقم 50 الذي ورد فيه ما يلي: “إن الخزي الذي تعرّض له المسيح ، يكمن في كونه دفن في القبر. وقد استمر في حالة الموت، وتحت سلطانه حتى اليوم الثالث”. البند الثالث من بنود الكنيسة الأنكليكانية، فسّر نزول المسيح إلى الهاوية كما يلي: “لقد بقي جسد المسيح ممددًا في القبر حتى قيامته. ولكن روحه التي أسلمها لله، ذهبت للكرازة لأرواح الموتى الأبرار، التي كانت في السجن أو في الهاوية. كما يذكر القديس بطرس”.
أما اللاهوتي الانجيلي، جوناثان إدواردز، فانه في عظته الشهيرة “مرارة آلام المسيح”، علّق على عذاباته، بقوله: “لقد قال الله لآدم الأول، أطعني وسوف أكون معك. لكنّه لم يطعه”. ثم قال لآدم الثاني أي المسيح: “أطعني وسوف أتركك، وأفصلك عني، وبالرغم من ذلك أطاع المسيح. هكذا كان موقف المسيح الابن من الله الآب، لقد كان موقف يسوع، حتى في الهاوية، فإني سأطيعك”. بعض اللاهوتيين المصلحين، الذين جاءوا وراء كلفن، واقتنعوا بتفسير كلفن، شملوا في تفسيرهم لآلام المسيح المبرحة، اختبار المسيح للآلام في حديقة جثسيماني، اذ يذكر النص، “ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم، نفسي حزينة جدًا حتى الموت.” (متى 26: 37-38)
وهناك أيضًا لاهوتيين مصلحين، جمعوا في تعبير “ونزل إلى الهاوية” الرأيين: رأي كلفن والرأي العادي، أي أن نفس المسيح تألمت على الصليب مرارة آلام الهاوية، وأن جسده وُضِع في القبر أو الهاوية. وهنا يجدر الإشارة إلى أن اللاهوتي الإنجيلي المعاصر، كارل بارت، قد تبنى مفهوم كلفن للنزول إلى الهاوية.
يذكر مفسّرون، أنه مهما كان معنى مصطلح “الهاوية”، فان المصطلح لا يشير الى كونه، مسكن الأبرار الدائم. فإنه في أفضل حال، يمكن اعتباره، مكانا موقّتا ومرحلة متوسطة. فالهاوية بمعانيها المتعددة، ستنتهي يومًا ما، في يوم القيامة الأخيرة والدينونة، حيث أنفس الأبرار تنتقل إلى جهنم، وأنفس الأبرار إلى الحياة الأبدية.
شكرا لحضرة القس سهيل سعود لعرضة الممتاز عن أراء المصلحين في فهمهم للاية المذكورة في ١بط ١٩:٣.
هناك رأي يتبناة John MacArther يعتمد في تفسيرة لمعني علي الفعل المذكور في الآية وهو كرز باليونانية لا تعني للتبشير بل لإعلان الانتصار للارواح التي عصت قديمافي ايام نوع. وهنا أيضا إشارة الي طاعة الابن الكاملة وعصيان البشرية ايام نوع.الرب يبارك خدمتكم في المسيح يسوع