كيف يتواصل الأب مع أبنائه ولماذا؟
الهدى 1224 أكتوبر 2020
الكاتبة: د. ميج ميكر
ألقيت محاضرات أمام الآلاف من الآباء في كل أنحاء الولايات المتحدة؛ وفي كل المرات، دون استثناء، يأتي بعضهم إليَّ بعد المحاضرة ويقولون: «شكرًا لك من أجل تشجيعك، لكني لا أقوم بالمهمة على الشكل الأمثل.» ينظرون إليّ بعيون متوسلة تقول: «أريد باستماتة أن أكون أفضل.»
لدينا أزمة عالمية: نحن نعيش في ثقافة لا تحب الآباء كثيرًا.. الميديا، والأغاني، والمجلات تزدري بالرجال وتوبخهم. الإعلانات على التليفزيون تصور الآباء كضعفاء وبعيدين وأغبياء. أحد الإعلانات عن السيارات يُظهر أبًا يلقي بالكرة إلى ابنه، بينما لا يتمتع الأب بالكفاءة، ثم يأتي التعليق للمشاهدين: «على الأقل بإمكانه أن يترك سيارته لابنه.»
وإذا صوّرت الإعلانات النساء كغبيات أو تافهات، تقوم الدنيا ولا تقعد. لكن الرجال الطيبين يبقون صامتين، وبالأخص الآباء منهم. ومن موقعي، كطبيبة أطفال ومدافعة شرسة عن حقوق الطفل، هذا يجعل الدم يغلي في عروقي.
رأيت أطفالاً لم يعرفوا آباءهم أبدًا، وهم يتوجعون لسنوات طويلة على هذه الخسارة. جلست مع صبيان صغار كانوا يبكون بحرارة لأن آباءهم هربوا من البلدة مع امرأة أخرى، وتحدثت مع بنات أخبرن بأنهن على استعداد لفعل أي شيء حتى يلتفت إليهن آباؤهن. الحياة بدون آباء يهتمون ويتواجدون تمثل كارثة قومية فضلاً عن كونها كارثة شخصية.
إذا نشأتَ في ظل غياب الأب، أو في ظل وجود أب عنيف أو مهمل، فأنت تعرف عمق الألم الذي أشير إليه. كل واحد منا يعرف رجالاً ونساءً لا يزالون يحاولون أن يكسبوا قبول آبائهم ورضاهم؛ ويصبحون مدمنين للعمل ليثبتوا أنهم يملكون مقومات النجاح، ويهملون شركاء حياتهم وأطفالهم لكي ينخرطوا في شيء يرضون به آباءهم. فالعلاقة الضعيفة، أو انعدام العلاقة، مع الآباء تؤثر على الرجال والنساء طيلة حياتهم.
لهذا السبب تحديدًا فإن الهجوم المتحيز ضد الآباء أمر مشين ومؤذٍ. هوليوود تظن أنها مزحة، لكن حان الوقت أن نقاوم هذه الحملة. الآباء مهمون، علميًا وروحيًا.
الدور الهام للأب
تكشف الأبحاث أن الأب يلعب دورًا حيويًا في حياة أبنائه.
الأطفال في سن المشي الذين يعيشون مع آبائهم يتمتعون بقدرة أفضل على حل الألغاز.
إذا قرأ الأب لطفله من عمر ٦ أشهر فصاعدًا، هذا الطفل سيحصل على درجات أعلى في اختبارات الذكاء عندما يصل إلى عمر الثالثة.
الأطفال الذين يعيشون في بيت مع آبائهم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، أو تعاطي المخدرات والكحوليات، وتجربة العلاقات الجنسية عندما يصلون إلى المراهقة؛ ويتمتعون بثقة أكبر بالنفس، ويكونون أقل عرضة للانتحار.
الأطفال الذين ينشأون في كنف أب أكثر احتمالية لإنهاء المرحلة الثانوية والالتحاق بالجامعة.
أستطيع أن أملأ صفحتين بالأبحاث التي تثبت مكاسب عظيمة لتواجد الأب المحب في حياة أبنائه. لكن هذه القائمة تُظهر فقط أن الآباء لا غنى عنهم من أجل الصحة الجسمانية والعاطفية والعقلية لأبنائهم.
الاتصال بالأبناء
كيف تتصل بشكل أفضل مع أبنائك، وتتمم الدور الهام الذي تلعبه في حياتهم؟ آباء كثيرون يشعرون بالخوف حين يتعلق الأمر بالاقتراب من أطفالهم، خاصة مع بناتهم المراهقات. استجابتك الطبيعية عندما تكون غير متأكد ستكون في جانب الانسحاب عن أطفالك، لكن هذا هو العكس مما يجب أن تفعله.
في المقابل، تَشَارَك مع طفلك. عندما يكون طفلك صغيرًا، احرص أن تحتضنه كثيرًا. لا تخجل من احتضان أبنائك أثناء اللعب معًا. يخبرنا خبراء علم النفس أن اللعب الجسماني -وحتى ببعض الخشونة- مفيد لكل من الصبيان والفتيات. لذلك عليكم أيها الآباء أن تخرجوا بصحبة أطفالكم، وتتسلقوا بعض الأشجار.
وبينما يكبر طفلك، فإنه لا يزال يحتاج إلى تواجدك واهتمامك. وخلال سنوات المرحلة الإعدادية، يصبح الأطفال أكثر حساسية ويشعرون بالإحراج، لذا فهم كثيرًا ما يتراجعون عندما تريد أن تحضنهم.
بعض الأطفال سيبدأون في رفض مساعدتك في بعض الأمور، وسيصبحون أكثر حدة. عندما يفعل ابنك أو ابنتك (١٢ سنة) هذا، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي؛ فانسحابه لا علاقة له بك، بل له علاقة وثيقة بهم. عندما يشعر ابنك/ أو ابنتك أنه قبيح، أو غير مهم، أو بدين، أو أطول من اللازم، أو نحيف بإفراط، أو لديه بثور كثيرة في وجهه؛ تحرَّك. دَع طفلك يعرف أنك ستحبه دائمًا وستقبله في كل الأحوال.
هذا يعني أنك تحتاج أن تغيّر استراتيـﭼيتك عندما يتعلق الأمر بإظهار الحب والحنان.. لا تحضن طفلك أمام الأصدقاء، لا تتفاخر به على الملأ، بل احترم شعوره بالإحراج، وأظهر لطفلك الحب والاحترام والإعجاب على انفراد. تفهّم أن الأبناء والبنات يحتاجون إلى الحنان والحب والاحترام، ولكن بشكل مختلف.
تقديم الحب لبناتك
هناك بعض الطرق العملية للتعبير عن الحب لابنتك:
قدِّم لها اللمسة بطريقة تُشعرها بالارتياح.. لا تقتحمها، بل دعها هي تقود الأمر. قد لا تريد أن تجلس على حِجرك الآن، لذا لا تطلب منها ذلك. هناك شيء هام يجب أن تتذكره لتراعيه عند احتضانك لها.. فتيات كثيرات تكون لديهن حساسية لأن الثديين يكبران في الحجم، ولا يردن الاحتضان من الأمام. إذا أبدت ابنتك عدم ارتياح لهذا، ضع ذراعيك على كتفيها واحتضنها من الجانب. لا تصفها أبدًا بأنها «مثيرة» -سواء في طريقة ملبسها أو حركاتها.. هذا يبدو مخيفًا وغريبًا لها، ويجعلها تربط نظرتها عن الحب بملامحها الخارجية.
لا تُعبِّر بأي لمسة قد يُساء فهمها بشكل جنسي.. لا تهزر أبدًا معها بأي لمسة على مؤخرتها. عندما تلمسها، افعل ذلك بطريقة تحترم خصوصيتها وشعورها المؤقت بعدم الارتياح لجسدها. المسها على رأسها، اربت على كتفيها. انظر إلى وجهها، والمسه بطريقة حانية. هناك طرق كثيرة للتعبير عن الحنان بعيدًا عن أي تفسير خاطئ للتلامس.
عندما تُظهر الحنان لابنتك يمكنك التحدث عن السمات القوية في شخصيتها.. مثل الصبر، والشجاعة، والنزاهة. التعامل مع ابنتك قد يكون صعبًا، لذا فيما يلي بعض الطرق المفيدة جدًا للتواصل معها.
اسألها سؤالاً أو اثنين في وقت استرخائها (وليس بعد المدرسة، أو أثناء عمل واجباتها المدرسية)، ثم استمع لإجابتها بدون مقاطعة. وحتى إذا لم تعجبك إجابتها، لا تُجب عليها على الفور. فقط أصغِ إليها.
اطلب منها أن تقضي بعض الوقت معك منفردين مرة كل أسبوع. اصطحبها لتناول الإفطار، أو لركوب الدراجات، أو للذهاب إلى محطة الوقود لتغيير زيت السيارة.. أو أي شيء مشابه. الفكرة هي أن تجعلها تعرف أنك تريد أن تتواجد بصحبتها.
لا تتحدث كثيرًا عن درجاتها أو واجباتها. الرسالة التي تصلها عندما تعلق باستمرار عن أدائها في المدرسة أو الرياضة أن قيمتها في أدائها، وليس في شخصها. ثم هذا يجعلها تشعر بالضغط لكي تنجح لتحافظ على محبتك لها.
امتدح شخصيتها. إذا كان لديها إيمان قوي، أو شجاعة، أو حنان، أخبرها أنك فخور بهذا. تذكَّر أن الكتاب المقدس يدعونا إلى عدم التحدث عما يفعله الآخرون بل التركيز على الحياة بثمار الروح.. افعل هذا مع ابنتك.
تقديم الحب لابنك
لكي تكون أبًا صالحًا لابنك، تحتاج أن تتصرف بشكل مختلف قليلاً؛ لأن الصبيان يحتاجون أشياءً من آبائهم مختلفة عن الفتيات. من الأشياء التي يحتاجونها: الاحترام، الإعجاب، القبول، الحنان، والحب. كل شاب يحتاج أن يعرف أن أباه يقبله. الرجال الذين لم يحصلوا على ختم القبول من آبائهم يعيشون حياتهم ككبار وهم يلهثون وراء هذا القبول، حتى بعد رحيل آبائهم. لا تجعل ابنك يعيش بدون قبولك.
كيف تُقدِّم هذا القبول؟ أخبره أنه مهما فعل -سواء نجح أو فشل- فمحبتك له وإعجابك به لن يتغيَّرا أبدًا. توصيل هذه الرسالة بصدق ومن القلب سيشكل شخصيته كرجل في المستقبل.
يحتاج الصبيان إلى الاحترام من والديهم أيضًا.. الشاب الذي يشعر بعدم الاحترام يظن أنه بلا قيمة. أظهر لابنك الاحترام في طريقة كلامك معه. عندما يصير مراهقًا، صِفه بأنه رجل. وعندما يكبر بقدر كافٍ، احرص أن تكون له وظيفة خارج البيت. كثير من الآباء والأمهات يرون في هذا إهانة، لكن بالنسبة للابن هذه علامة على أنك تراه كشخص قوي ولديه كفاءة.
أما فيما يتعلق بالحنان، احضنه! أخبره أنك تحبه! حتى الرجال الناضجين يحتاجون أن يسمعوا من آبائهم كلمة «أحبك». عندما تبدأ في السعي في فعل هذه الأمور مع ابنك وابنتك، سيزداد اتصالك بهما.
من المكاسب العظيمة من هذا أن طفلك سيصبح مستعدًا للإصغاء لكلامك عن المسيح. كلما كنت على تواصل أفضل بابنك وابنتك، سيزيد استعدادهما لاتباع قدوتك وسلوكك كمؤمن.
أنت في عيون أطفالك بمثابة بوابتهم إلى الله الآب.. إذا أحبوك وأعجبوا بك ووثقوا فيك، سيفعلون نفس الشيء مع الله. لكن إذا هجرتهم، أو لم تهتم بهم، أو تشاركهم حياتهم، سيكون عليهم أن يتغلبوا على عراقيل كثيرة حتى يثقوا في الله. احرص على بناء علاقة قوية مع أطفالك، وبذلك تمهّد الطريق ليدخل الله إلى حياتهم.
http://www.focusonthefamily.me