لا تخف
الهدى 1229 مارس 2021
فاجأ فيروس كورونا عالمنا الهش، وتناثرت أخبار الجائحة العالمية وتزايدت أعداد المرضى، وسقط الكثيرون أمواتًا، وهكذا شُلت الحياة الاقتصادية والاجتماعية لدول العالم على حدٍ سواء، حتى بعدما توصل العلماء إلى لقاحات مضادة للفيروس بدأ تخوف الكثير من البشر من المضادات نفسها وتأثيرها المستقبلي على الإنسان والبشرية، ويبدو أنَّ عالمنا يتنفس الخوف، ويتجرع مشاعره المُرهقة للنفس، إن الخوف جزء من التجربة الإنسانية، فلقد واجه الكثير من البشر أفرادًا وجماعات لحظات مختلفة وبدرجات متفاوتة الخوف من الإرهاب، الحروب، المرض، الأوضاع الاقتصادية، الموت .. إلخ، وأمام الخوف، نجد البعض يهرب، أو يُقاتل ضد خوفه، أو ضد ما، ومَن يُخيفه، في حين يسقط البعض الآخر ضحية الخوف والمخاوف.
لكن الأمر الرائع، أنَّ الكتاب المُقدس ملئ بالآيات والنصوص الكتابيّة التي لم تتركنا في حيرتنا وتخبطنا، لقد تكلَّم الله، وسجلَّ الوحي المقدس ما يجب علينا عمله في مواجهة الخوف.
مع أنَّ الخوف تجربة إنسانيّة تُعبِر عن مشاعر طبيعيّة يتشارك فيها كل البشر، وهكذا يزداد الإحساس بالخوف وبالمشاعر المصاحبة له، كلما كان الإنسان أكثر ضعفًا أو انكسارًا، وإن كنا لا نتحكم في مشاعرنا في لحظات خوفنا، إلا أنّ كيفية الاستجابة للخوف هي ما تجعل الواحد يختلف عن الآخر، وعندما نعود إلى الكتاب المقدس، نجد اعترافًا كتابيًا بالخوف، ومشاعر الخوف التي تنتاب الإنسان، فالكلمات الأولى التي يتفوه بها كل ملاكٍ يظهر فيها لإنسانٍ تؤكد على عدم الخوف، إذ يقول الملاك «لا تخف .. لا تخافي .. لا تخافوا» (تكوين 15: 1؛ لوقا 1: 13؛ 1: 30؛ 2: 10)، إنها رسالة الطُمأنينة في مواجهة الخوف الطبيعي من الأمور المُفاجئة وغير المتوقعة.
يدعونا الكتاب المقدس لمواجهة مخاوفنا، وألا نمنح الخوف الفرصة لكي يتحكم في حياتنا ويؤثر على مسيرتنا في الحياة، يمكن أن نخاف، لكن لا يجب أن نسقط أو نظل تحت وطأة مخاوفنا، يُشجع الرسول بولس تلميذه تيموثاوس، قائلًا: «اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (2تيموثاوس 1: 7)؛ إنَّ إدراكنا لحقيقة أنَّ الله هو المُسيطر على الأمور، وهو لم يمنحنا روح الفشل والضعف، بل روح القوة يجب أن يتغلغل في تفاصيل حياتنا حتى نُدرك أن الشمس خلف الغيمة، وأن الله وسط العاصفة، وأنه هو الذي يقود حياتنا وهو الذي يجب أن يتحكم في حياتنا ومشاعرنا، فنستمد من مخاوف الحياة قوة دافعة لننطلق إلى الأمام مُدركين أنَّ الله معنا، وإن كان الله معنا فمن علينا (رومية 8: 31).
إنَّ كلمة الله تُشجعنا في مواجهة مخاوفنا، حيث تأتي وعود الله المتعددة والمتنوعة والتي تُشجعنا جميعها على عدم الخوف، أو بكلمات أخرى التأكد من أنَّ لنا عونٌ ورعاية إلهيّة تجتاز بنا مزالق الحياة، وتتعدد وعود الرب القائلة «لا تخف»، «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي … لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ» (إشعياء 43: 1، 5)؛ وفي هذا النص الكتابي يؤكد الرب على أنه خالقنا، مالكنا، وهو الذي فدانا ويدعونا بأسمائنا لنكون له، إنَّ معرفة أننا ملكٌ للرب، سبب ينزع الخوف من داخلنا، ليس فقط إنه معنا وسط رحلتنا التي نتعرض فيها للمخاوف، فيقول: «إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ» (إشعياء 43: 2)؛ أي مخاوف يمكن أن تؤثر فينا، إنَّ الأمر لا يتعلق برؤيتنا للظروف الخارجية، أو الداخلية، لكنه يتعلق برؤية الله لنا، نحن شعبه، وغنم مرعاه، وهو يمسك بنا، يحرسنا، يحمينا، يهتم بنا وبما لنا.
ومن الأمور التي تُساعدنا في مواجهة الخوف، الإيمان، الذي يعني أننا نثق بالله في كل وقتٍ، في فرحنا وترحنا، في رحبنا وضيقنا، عندما تسير الأمور لصالحنا، أو في عكس ما نريد، لكن في كل الأحوال نؤمن ونثق بالله.
الصلاة، تعني أنك تثق في إلهك، وأنَّ إلهك حي، وقادر أن يتدخل لحمايتك وإنقاذك، صلى المرنم قائلًا: «طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لِي وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي» (مزمور 34: 4)؛ من المهم أن نختلي مع إلهنا في صلاة، نستمد عونه، وهكذا علمَّنا المسيح (مرقس 1: 35).
أخيرًا، اقرأ كلمة الله، تمسك بوعوده، شارك مخاوفك مع الله، وأخوتك المؤمنين، لا تخف، ولا تجعل الخوف يشلّ قدرتك على اتخاذك للقرارات الصائبة.